إلى ماهر اليماني
27-03-2019

 

ما رأيتُكَ إلّا ضاحكًا.

تبتسم للعاصفة وهي تحاول اختراقَ الأملِ الباقي فينا وفيك.

تبتسم للجراح النازفة وهي ترسم علاماتِ القهر والعذاب.

تبتسم للريح وهي تسرق منّا، ومنك، أحلامًا رسمناها لوحةً واحدة - - أنت في ميدانك، ونحن في مياديننا - - لكنّها كانت واحدةً لأنّ أرواحَنا واحدة، ومصدرُها قيمُ الحقّ والخيرِ والجمال، وما أعطتنا وأعطتك إيّاه الطبيعةُ من حبٍّ لهذا الوطن الذي أدمَتْه الجراحُ ولكنّه بقي منتصبًا في ساح الميدان، لم ينحنِ رغم تكاثر رُماة نبال الحقدِ والموتِ والدمار.

ما رأيتُكَ إلّا ضاحكًا.

تقطف الشوقَ إلى فلسطين من عيونٍ تكحّلتْ بذرّاتِ ترابٍ من القدس وحيفا ويافا، وكلِّ دساكر فلسطين وقراها ومدنها. تقبض على الحنين المسافر إلى المجهول، وتزرعه أملًا على كلّ الدروب المؤدّية إلى تراب فلسطين.

تغازل ليمونَ جنوبِ لبنان وساحلِ الشام، لأنّه يذكّرك بليمونِ عكّا، وأطفالِ عكّا الذين ينتظرونك وأمثالَكَ لتشقّوا لهم طريقَ تحرير فلسطين، كلّ فلسطين، من رجس خيانة معظم العرب واحتلال "اليهود."

رأيتُ فلسطينَ تجالسكَ في كلّ جمعةٍ كنتَ فيها وحدَكَ مع أطيافكَ من المناضلين والمناضلات.

رأيتُ القدسَ في عينيكَ تعانق الإيمانَ بحتميّة التحرير من نِير الاغتصاب.

رأيتكَ نحلةَ العطاء تجول في شوارعِ بيروت، وترْشف عطرَ زهر الياسمين من بساتين الشام، وتقطف من نخيل بغداد زادَ المشوار، وترحل إلى مواسم العطاء في غور الأردن لتكون قريبةً من أرض القداسة في فلسطين.

ما رأيتُكَ إلّا ضاحكًا.

لذلك لن أخبرَكَ يا صديقي عن حزني.

لن أخبركَ عن غيابكَ، وعن الدمعة التي عصت كما عصيتَ أنت، فكنت كعاصي الهرمل الذي أحببتَه وأحببتَ ضفافَه.

لن أخبرك عن شدّة احترامي لك وأنتَ تشاكسُ بلطافة "المذوِق،" وهدوءِ العارف، وطموحِ مَن يريد أن يعرف.

لن أخبرَكَ عن الرحيل؛ فالأبطالُ الأوفياء لا يرحلون. همْ كشجر الحور في بلادي: تسقط أوراقُهم الصفراء، وتبقى قاماتُهم عصيّةً على الموت.

لم أخبرك عن مشوار دمشق، وعن شدّة فرح الرفيق الغالي أديب عرار، برفقتك، وهو الذي رحل منذ أيّام.

لم أخبرك عن شدّة شدهنا بذاك المناضل العصريّ الذي شارك في صناعة زمن المقاومة الجميل، وبقي يعيشُه ويعمل له في كلّ تفاصيل حركته، ولم تأخذْه كلُّ فقاقيع الحديث عن "السلم" و"السلام."

نحاولُ أن نستفزّ الطفلَ الساكنَ في روحك الجميلة، فلا نلقى سوى جسارةِ الطفل الذي يُبشّر بولادة رجل المواقف الكبيرة والعظيمة.

ما تواعدْنا مرّةً على لقاءٍ إلّا وكنتَ الحاضرَ الأوّلَ؛ فأنت لم تكن تقنط من الانتظار، ولا تُجيد مهنةَ الاعتذار.

لطالما رأيتُكَ متأبّطًا وجعَكَ بصمت الرجال، وإرادةِ الأقوياء الذين لم تكن الحياةُ عندهم إلّا وقفاتِ عزّ.

وما كانت أكبرَ فرحتَنا عندما نراك ذاك المزارعَ البسيطَ الذي أحبَّ الأرضَ وزراعةَ الورد وكلّ أنواع الشجر. كنتَ تُقْبل على العمل في الأرض كما كنت تُقبل على السفر في مشاريع النضال الكبيرةِ والخطيرة.

كمْ كنت تحيا على حفاف الاستشهاد، وتبقى حيًّا لأنّك أقوى من الموت!

لطالما رأيتُكَ تغامر على الحفاف الصعبة وشرفاتِ الخطر، فتسقط الشرفاتُ وتتهدّم الحفافُ، وتبقى أنت كما أنت.

كنتَ آخرَ الألم، وأوّلَ الفرح، لكلِّ من عرفك.

سنشتاق إليكَ كثيرًا أيّها الطائر الذي كلّما أردناه أخرجنا ريشةً ملونةً، فتَحضرُ كما يحضر الخيرُ في تمّوز الغلال.

 

  يا رفيقة زينب، مزّقي الثوبَ الأسود لأنّ ماهرًا الساكنَ في روحِكِ مسكونٌ بالفرح

 

ويا رفيقة زينب، الأسودُ يليق بكِ. لكنْ مزّقي هذا الثوبَ الأسود لأنّ ماهرًا الساكنَ في روحِكِ مسكونٌ بالفرح.

الأسود يليقُ بكِ. لكنّ أبناءَ الحياة، أمثالَكِ، يكون حزنُهم كمطر الربيع: يهطل ليبعثَ الحياةَ من جديد.

لماهر العاصي سلامُ الروح.

ولزينب القويّة الصابرة كلُّ التقدير والاحترام.

الهرمل

سامي سماحة

عميد سابق في الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ. كاتب في جريدة النهضة (دمشق). له مجموعة من المقالات في مجلة تحوّلات (بيروت). أستاذ اللغة العربيّة في عدد من المدارس الرسميّة.