الأسرى بين الانتفاضة الأولى واللحظة الراهنة
29-05-2018

يُمثّل الأسرى رقمًا مهمًّا في معادلة الصراع بين شعبنا الفلسطينيّ والاحتلال. فالأسرى هم من مختلف فئات الناس: من الرجال والنساء، ومن الشباب والأطفال، ومن الطلّاب والعمّال، ومن ذوي الكفاءات العلميّة أو المهنيّة. إنّهم "الجيش" الذي لا يزال ممسكًا بالراية والحجر، صارخًا في وجه الاحتلال من أجل تحرير فلسطين.

الانتفاضة الأولى والأسرى

جاءت الانتفاضة الأولى (ديسمبر 1987) مدوّيةً. قبلها، كانت الحركة الأسيرة في حالة صراعٍ مع السجّان للحفاظ على وجودها، وعلى حقوقها التي انتزعتْها لاحقًا عبر معارك "الأمعاء الخاوية." وما إن امتدّت شعلةُ الانتفاضة، من جباليا إلى باقي مدن فلسطين، حتى استعدّ الأسرى لاستقبال معتقلين جدد، وللتخطيط للمشاركة في هذا الفعل الجماعيّ المقاوم.
خلال العامين الأوليْن من الانتفاضة، وصل تعدادُ الأسرى في سجون الاحتلال إلى 13 ألفًا بين أسيرٍ وأسيرة. حينها، وجد الأسرى أنفسَهم في قلب المعركة إلى جانب أبناء شعبهم. فأخذوا على عاتقهم كتابةَ الرسائل من أجل شدّ عصب أقاربهم وأصدقائهم، وحثّهم على المشاركة في الانتفاضة. وكان تهريبُ الرسائل السريّة عبر الكبسولات، وتسجيلُ الأشرطة بأصواتهم وهم يقرأون بياناتِ نعي الشهداء،  وسيلتين من وسائل تثوير الفعل الانتفاضيّ.
إضافةً إلى ذلك، عمل الأسرى "القدامى" على تجهيز الأسرى "الجدد" لمواجهة الاحتلال عند خروجهم. فعقدوا جلساتِ تثقيفٍ مكثّفةً (وصلتْ إلى خمسٍ يوميًّا). ونتيجةً لذلك، تعلّم الأسيرُ الأمّيُّ القراءةَ والكتابة، وصقل الأسيرُ غيرُ الأمّيّ ثقافتَه بمعلوماتٍ استقاها من الأسرى القدامى حول فلسطين وتاريخها.

مرحلة ما بين الانتفاضة الأولى والثانية

تراجعت الانتفاضةُ الأولى لأسبابٍ تتعلّق بقيادة منظّمة التحرير الفلسطينيّة، التي كان همُّها "استثمارَ" تلك الانتفاضة ولو بشكلٍ متسرّع. فوافقتْ على المشاركة في مفاوضات مدريد، التي لم تسفرْ إلّا عن خبوّ الانتفاضة. ولذلك أعلنت الحركة الأسيرة الإضرابَ العامّ في  27/9/1992.

هذا الإضراب شاركتْ فيه كافّةُ السجون، والغالبيّةُ الساحقةُ من الأسرى، وفَرض على الاحتلال الاستجابةَ لكلّ مطالب الأسرى، وأبرزُها: الدراسةُ الجامعيّة (في الجامعة العبريّة المفتوحة وفي جامعاتٍ عالميّة)، وإدخالُ المروحة إلى السجن في فصل الصيف، وزيادةُ فترة الزيارة إلى 45 دقيقة، والسماحُ بدخول الأطفال عشرَ دقائق لرؤية ذويهم، وتحسينُ مستوى غذاء الأسرى ونظافتهم. وكان من آثار هذا الاضراب أن أسهم في عودة الفعل الانتفاضيّ إلى الشارع بعد تراجعه جرّاء الأوهام السياسيّة.

راح الأسرى يتابعون مفاوضات مدريد (11 جولة) بين الوفديْن الفلسطينيّ والصهيونيّ،  والتي اختُتمتْ باعلان اتفاق أوسلو، الذي شكّل ضربةً لحلم الأسرى في اقتلاع الاحتلال، ولحلم اللاجئين في العودة إلى ديارهم. ومع ذلك،  فقد انتظر قسمٌ من الشعب الفلسطينيّ تطبيقَ "وعود" اوسلو في بناء دولة فلسطينيّة على الضفّة وقطاع غزّة. أمّا الأسرى فشعروا بالخيبة بعد أن تجاهلهم الاتفاقُ تجاهلًا تامًّا.

لبعض الوقت آنذاك، تراجعتْ قضيّةُ الأسرى. إلى أن قام ذووهم باحتجاجاتٍ عديدة في الشوارع، انطلقتْ مع إضرابهم الأوّل عن الطعام في العام 1995. لم تسفر هذه الاحتجاجات عن النتائج المرجوَّة؛ ففي حين نجحتْ في الضغط على العدوّ لإطلاق سراح بعض الأسرى، بقي 29 أسيرًا  في السجون، معظمُهم من الأراضي المحتلّة عام 67، ومنهم: كريم يونس، وماهر يونس، ووليد دقّة، وصالح أبو مخ، وإبراهيم أبو مخ، ومحمد الطوس، وأحمد جابر.  وهناك مَن تحرّروا في صفقة "وفاء الأحرار" واُعيد اعتقالُهم،  ومن أبرزهم: نائل البرغوثي (يمضي الآن 38 عامًا في الأسْر وعمره ستون عامًا)، وسامر المحروم (حُكم  عليه بالسجن ثلاثين عامًا)، وصدقي المقت من الجولان (أمضى 27 عامًا في السجن وحُكم عليه مجدّدًا بـ 14 عامًا).

من الجدير هنا الإشادة بدور أسيراتٍ رفضن قرارَ الاحتلال بالإفراج عنهنّ، فبقين متشبّثاتٍ بموقفهنّ الموحّد حتى رضخ الاحتلالُ لتحريرهنّ جميعًا في شباط 1997.

الاختلاف بين الانتفاضتين الأولى والثانية
في الانتفاضة الأولى ثار الشعبُ الفلسطينيّ في وجه همجيّة الاحتلال. أمّا في الانتفاضة الثانية فقد احتشد رفضًا لقبول السلطة الفلسطينيّة مفاوضاتِ كامب ديفيد، وسرعان ما تحوّل هذا الرفضُ إلى انتفاضة شعبيّة مسلّحة ضدّ العدوّ.

كانت للانتفاضة الثانية (سبتمبر 2000) ارتدداتٌ جسيمةٌ على الأسرى. فقد أعيد اعتقالُ أكثر من عشرة آلاف فلسطينيّ وعربيّ. لكنْ خلافًا للانتفاضة الأولى التي شهدتْ وحدةً داخليًّة واضحة في صفوف الأسرى، عانت الانتفاضةُ الثانية تجزئةً مناطقيّةً وحزبيّةً انعكستْ سلبًا على الجوّ العام في الأسْر.

حالُ الأسرى اليوم
لطالما حاول الأسرى استعادةَ حقوقهم على الرغم من تشرذم الحالة الوطنيّة. فكان الإضرابُ الشامل عن الطعام سنة 2004 محاولةً لم تختمر ظروفُها شأن إضراب 1992. ولعلّ حالة الأسرى النفسيّة المتردّية، الناجمةَ عن الممارسات الإجراميّة التي نفّذتها مصلحةُ السجون، كانت السببَ الأساس في فشل هذا الإضراب.
بيْد أنّ المحاولات التي أطلقها أسرى الجبهة الشعبيّة لبناء "منظّمة فرع السجون" تكلّلتْ بالنجاح. وقد أدّى الأمينُ العامّ للجبهة، الرفيق الأسير أحمد السعدات، والرفيق الأسير عاهد أبو غلمي، الدورَ الأبرزَ فيها. وكذلك أسّس أسرى حركة حماس فروعًا داخليّةً في السجون لمواجهة الاحتلال وانتزاع حقوقهم.

من أهمّ المعارك التي خاضها الأسرى من داخل السجن معركة العام 2011. فقد أضرب أسرى الجبهة الشعبيّة عن الطعام مطالبين بإخراج جميع المناضلين من غُرف العزل. هذا الاضراب شكّل مقدِّمةً لإضراب العام 2012، والعام 2017 (استمر 41 يومًا)، ولكنه لم يحقّق أهدافه بسبب الانقسام بين الفصائل الفلسطينيّة خارج الأسر!

اليوم، يتوزّع في السجون الإسرائيليّة حوالي 6500 أسير وأسيرة، من بينهم أطفالٌ ومرضى يتعرّضون للضرب والاعتداء الجسديّ بلا رأفة. وعلى الرغم من محاولات الأسرى إحياءَ عملهم النضاليّ، فإنّ انقسام الفصائل يعرقل توحيدَ صفوفهم.
نضيف إلى ذلك أنّ قضيّة الأسرى المحرَّرين لم ترتقِ بعدُ إلى مصاف دمج خبراتهم السياسيّة وكفاءاتهم القياديّة في هيكليّة "السلطة الوطنية الفلسطينيّة" إلّا بطريقة شكليّة مناسباتيّة. ففي إحدى المرّات، دعا الرئيس أبو مازن حوالي مائة أسير محرّر إلى حضور احتفاليّة افتتاح المجلس الوطنيّ في رام الله... ولكنْ على شكل مراقبين فقط. أما على مستوى الفصائل، فقد تبوّأ الأسرى المحرّرون من حركة حماس مناصبَ قياديّةً، فاستثمرت حماس خبراتِهم السياسيّة. وفي المقابل تعمّدتْ قوًى أخرى استبعادَ أسراها المحرَّرين من أيّ عمل قياديّ. والحقّ أنّ من يتخلّى عن جنوده لمجرّد أنهم اعتُقلوا في السابق ليس بقائدٍ يُعتمد عليه. ومن يشكّك في قدرات المناضلين مشكوكٌ في قدراته!
 في الختام، يبقى الأسرى في سجون الاحتلال مدافعين عن قضيّة فلسطين والعرب جميعًا. إنهم مناضلون دائمون من أجل حريّتنا!
 

فلسطين
                                                                                                                                                                                                                                                                  
 

احمد أبو السعود

أسير فلسطينيّ محرَّر. من مواليد مدينة نابلس – بيت فوريك. انتمى إلى الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، واعتُقل في سجون الاحتلال للمرة الأولى عام 1980 حيث قضى عشرين شهرًا. شارك في مجموعات العمل العسكريّ السريّة التابعة للجبهة الشعبيّة، واعتُقل مرة ثانية عام 1985، ومرة ثالثة من تاريخ 23/5/1987 حتى 18/10/2011، حيث حُكم خلالها عليه بالسجن مدى الحياة، على خلفيّة تصفية جنود ومستوطنين. أُطلق سراحُه في صفقة "وفاء الأحرار،" وأُبعد إلى سوريا.