كورونا يفتك بسوريا ويضع التعليم في "الإنعاش"
10-12-2020

 

مع توارد الأخبار الإيجابيّة من المخابر العلميّة لشركات الأدوية العالميّة، وكان آخرَها إعلانُ شركتا فايزر وبايونتيك عن التوصّل إلى لقاحٍ فعّالٍ بنسبة 95 % للوقاية من كوفيد-19، فإنّ الحديثَ عن المشاكلِ التي مرّ بها العالمُ نتيجةً لتفشّي كورونا يبدو أقربَ إلى محاولة تشخيص المشهد من أجل الاستفادة من هذه المحاولة لاحقًا، ولا سيّما أن منظّمةَ الصحّة حذّرتْ من جوائحَ مشابهةٍ قد تضرب البشريّةَ مجدّدًا.
وبينما وقف العالمُ حائرًا أمام تفشّي الفايروس، حاولت الهيئاتُ العلميّةُ والتعليميّةُ إيجادَ السبل لسدّ فجوة إغلاق المؤسّسات التعليميّة، لِما سيُحْدثه انقطاعُ الطلبة عن الحضور الصفّيّ من خللٍ تَظهر آثارُه المدمِّرةُ خلال السنوات اللاحقة. إذ وفقًا للبيانات الصادرة عن
اليونسكو، فقد طال تأثيرُ الجائحة النظُمَ التعليميّةَ في جميع أنحاء العالم، وأدّى إلى إغلاق المدارس والجامعات في 73 دولةً، وأثّر في أكثر من 421 مليون متعلّم، وخلّف واحدًا من كلّ خمسة طلّاب خارجها.

وفي حين دعت اليونسكو إلى إتاحة الوصول المفتوح إلى المعلومات العلميّة بغية تسهيل البحث، كان هناك أكثرُ من ثلاثة ملايين طفل سوريّ خارج مقاعدِ الدراسة خلال سنوات الحرب العشر. أيْ إنّ ثلثَ أطفال سوريا باتوا من غيرِ المتعلّمين أو مهدَّدين بالأمّيّة، لتأتي جائحةُ كورونا وتُفاقمَ معاناةَ مَن بقي على مقاعد الدراسة.

 

بنية تحتيّة لا تساعد على التعليم عن بُعد
وسطَ ما تشهده سوريا من "طوابيرَ" على كلّ مقوِّمات الحياة، كالخبز والغاز والوقود، يبدو الحديثُ عن التعليم ضربًا من الترف، وكأنّه بات من "الطبيعيّ" ألّا يحصلَ عليه جميعُ الطلّاب؛ ناهيكم بتردّي خدمات الكهرباء والإنترنت.

ووفقًا لتقريرٍ أعدّته اليونيسف في آب2019، فإنّ مدرسةً من بين ثلاثٍ في سوريا باتت خارج الخدمة. وتشير المنظّمة إلى تعرّض 40% من بنى المدارس التحتيّة للضرر والدمار خلال سنوات الحرب. كما تشير بعضُ التقديرات إلى أنّ ما يقْرب من أربعة آلاف مدرسة في حاجةٍ إلى إعادة إنشاء.

يُذكر أنّ ظروفَ النزوح أدّت إلى استخدام مئات المدارس مراكزَ للإيواء، بينما تحوّلتْ مدارسُ أخرى إلى ثكناتٍ لمختلف الأطراف المتصارعة ومقرّاتٍ لإدارة عمليّاتهم العسكريّة. وبحسب تقريرٍ أعدّته منظّمةُ "أنقذوا الأطفال" في العام 2018، فإنّ أكثرَ من نصف مدارس إدلب الرسميّة، البالغ عددها الإجماليّ 1062 مدرسةً، تضرّرتْ أو دُمّرتْ أو موجودةٌ في مناطقَ يُعَدُّ وصولُ الطلّاب إليها خطرًا يهدِّد حياتَهم. كما تُستخدَم نحو 74 مدرسةً أخرى مراكزَ إيواءٍ للنازحين. هذا وتعجّ مخيّماتُ إدلب بعشرات الآلاف من قاطنيها، وجُلُّهم أطفالٌ في سنّ الدراسة، ويعيشون مع عوائلهم وسط ظروفٍ إنسانيّةٍ صعبة.

نقصُ كوادر وهجرةُ كفاءات
اتّخذتْ دولٌ عديدةٌ إجراءاتٍ في ما يتعلّق بالتباعد الاجتماعيّ، واتّبعتْ بروتوكولاتٍ أوصت بها اليونسيفوكذلك انتهجت السلطاتُ الصحّيّةُ طرقًا من شأنها الحدُّ من الاحتكاك المباشر بين الأشخاص، وتشمل المحافظةَ على مسافةٍ لا تقلّ عن مترٍ واحدٍ بين الأشخاص الموجودين في المدرسة.

عن هذه النقطة تَحدّثْنا إلى الأستاذ عبد الكريم الصالح، وهو مدرِّسُ الفيزياء في مدرسة الحسن بن الهيثم في دمشق، فأكّد استحالةَ تطبيق التباعد الاجتماعيّ لأنّه "يَفرض فتحَ صفوفٍ تعليميّةٍ جديدة، وهذا غيرُ ممكنٍ بسبب النقص الحادّ في أعداد المعلّمين."
وبحسب
نقابة المعلّمين في سوريا، فقد استقال نحو 70 ألف معلّم بين العاميْن 2011 و2017 من أصل 420 ألفًا. يضاف إليهم المعلّمون الذين فُصِلوا تحت ذرائعَ مختلفة، وخرجوا من قوائم نقابة المعلّمين السابقة.
والوضع في الشمال السوريّ أكثرُ مأساويّةً. مصادرُ تعليميّةٌ تؤكّد أنّ أكثرَ من 14 ألف طالب "تسرّبوا" من مدارسهم بسبب 
وقف دعم العمليّة التعليميّة. وتوقّعتْ هذه المصادرُ أن يرتفع العددُ إلى 50 ألف طالب في حال استمرار انقطاع التمويل عن المؤسّسات التعليميّة.

التخلّي عن الطموح بسبب كورونا
لم تقتصرْ أضرارُ الإغلاقات التي تَسبّب بها تفشّي فيروس كورونا على العمليّة التعليميّة في مرحلة التعليم قبل الجامعيّ، بل حَرمتْ أيضًا الدفعاتِ الجديدةَ من الطلبة الذين يتحضّرون لدخول مرحلة التعليم الجامعيّ تحقيقَ حلمهم. وهذا ما دفع الطالبةَ سهى الأحمد، مثلًا، إلى اختيار كلّيّة التربية في جامعة حماة، متخلّيةً عن رغبتها في إتمام دراسة الإعلام في دمشق (إذ توجد كلّيّةُ إعلامٍ واحدةٌ في سوريا، وذلك في جامعة دمشق).
سهى ليست الوحيدةَ التي تخلّت عن طموحها أمام استحالة الانتقال إلى العيش في مدينةٍ أخرى بعيدًا عن الأهل، لأنّ الأمرَ يتطلّب مصاريفَ جانبيّةً جديدةً لا تقوى معظمُ الأُسَر السوريّة على تأمينها وسط الأوضاع الاقتصاديّة وتفشّي وباء الكورونا. فأكثر من تسعة ملايين وثلاثمائة ألف مواطن لا يحصلون على الغذاء الكافي، و
يعيش 90% من السكّان تحت خطّ الفقر وفقًا للأمم المتحدة، إذ تذكر التقارير[1] "أنّ أسعارَ السلع الغذائيّة ارتفعتْ 20 ضعفًا منذ بدء الحرب، أكثر من 200% في أقلّ من عامٍ واحد، بسبب الانهيار الاقتصاديّ في لبنان المجاور، وإجراءات العزل العامّ، لمنع تفشّي فيروس كورونا."

 

كورونا تُفاقم معاناةَ تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة
من المعلوم أنّ ظروفَ المعيشة غايةٌ في الصعوبة في سوريا، خصوصًا مع تفاقم وباء كورونا. إلّا أنّ الصعوبات مضاعفة على ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين جزمتْ إحصائيّاتٌ للأمم المتحدة أنّ نحو 3 مليون سوري باتوا منذ اندلاع الثورة من هؤلاء، وهم في حاجةٍ إلى دعمٍ وإدماجٍ في المجتمع.
يقول الخبيرُ التربويّ زكريّا الأحمد، في تصريح خاص لمجلة الآداب، إنّ العمليّة التعليميّة في سوريا، كما في العديد من الدول العربيّة، تعاني انعدامَ مساواةِ ذوي الاحتياجات الخاصّة بباقي زملائهم. وهذه الفجوة تتّسع بعد التوجّه نحو "التعليم عن بُعد" بسبب كورونا.
ووفقًا للأحمد، فإنّ انقطاعَ التيّار الكهربائيّ، لأيّامٍ أحيانًا، وكذلك الحاجة إلى التكنولوجيا والاتصال بالإنترنت، يحرمان القاطنين في المناطق الريفيّة والأحياءِ الفقيرة ميزةَ تعزيز العمليّة التعليميّة عن بُعد.

خاتمة

في العام 1959، اعتمدت الجمعيّةُ العامّةُ للأمم المتحدة إعلانَ حقوق الطفل، الذي يكفل حقَّ كلّ الأطفال في التعليم. وهذه المنظّمة نفسُها أحصت أكثرَ من 2 مليون طفل - أيْ أكثرَ من ثلث الأطفال السوريّين - خارج مقاعد الدراسة، مع توقّعها احتمالَ تسرّبِ 1.3 مليون طفل من التعليم، ليستحق هذا الجيلُ، وبكلّ ألم، لقبَ "جيل سوريا الضائع".[2]

سوريا

مختار الإبراهيم

صحافيّ سوريّ. عضو الاتحاد الدوليّ للصحفيّين الاستقصائيّين (ICIJ). يحمل درجة الماجستير في الإعلام من جامعة دمشق. حاز جائزةَ أفضل تحقيق استقصائيّ عربيّ من شبكة أريج للصحافة الاستقصائيّة سنة 2014.