لاجئٌ إلى السماء
25-02-2021

 

كان القصر مستترًا، ولكنّكَ تستطيع إيجادَه بسهولةٍ إنْ كنتَ تملك جناحيْن متينيْن. تُحلّق حتى تقفَ تمامًا أسفلَ نجمِ سُهيل. تستدير نصفَ استدارةٍ ناحيةَ الشّرق. ترفع رأسَكَ قليلًا، وستجده حتمًا:

قصرٌ مَهيبٌ يطفو فوق غيمةٍ قطنيّة، تتدلّى من أطرافها أقواسُ قزحٍ بمئةِ لونٍ ولون. نصفُه الأعلى خشبيٌّ تعلوه نقوشٌ كأنّها تعويذاتٌ بمئة لغة، ونصفُه الأسفل زجاجيٌّ شفّافٌ يبدو الماءُ فيه متكئًا على الهواء كأنّ القصر بلا جدران.

تحيط بالقصر عشراتُ الأدراج المصنوعة من حلوى شهيّةٍ تشبه بلمعانها حلوى السّاحرة في قصّة هانسل وغريتل. لا يبدو على القصر أنّه وُجد منذ آلاف السّنين، بخشبه النّضر، ومائه النقيّ، وأقواسِه المشعّة. لكنّ ساكنيه يعلمون تمامًا أنّه أقدمُ من أن يَذكروا تاريخَ بنائه.

والحقيقة أن مَن بنى القصرَ أوّلُ بطلِ قصةٍ مكتوبةٍ في التاريخ أعلن عِصيانَ كاتبه وفرّ من قلمه لاجئًا إلى السّماء. وهناك، بنى بيتًا صغيرًا فوق الغيمة، واختبأ داخله، وصار كلّما لجأ إليه فارٌّ آخرُ من كاتبٍ عنيدٍ أضاف إلى البيت غرفةً. حتى عجّ البيتُ بالفارّين، وتحوَّل إلى قصرٍ أسطوريٍّ أضفى كلُّ بطلٍ عليه لمسةً من بيئته وحضارتِه وأحلامِ كاتبه.

تعرّفتُ إلى القصر منذ فترة قصيرة. كنتُ أغفو فوق غيمةٍ صغيرةٍ وأتأمَّلُ السماء، حين مرّتْ بي صَبيةٌ دعتني إلى شرب الشاي في قصرهم. أذهلني الأمرُ ولم أصدّق، لكنّي جاريتُها وذهبتُ معها. شلّتني الدهشةُ حين وجدتُ القصر والتقيتُ ساكنيه. جلستُ بينهم، ورحتُ أستمعُ إلى قصصهم، وكيف فرّوا من كُتّابهم وعَصوْا أقلامهم قبل أن يقرّروا لهم مصيرًا مظلمًا، وكيف اجتمعوا هنا وأصبحوا أصدقاءَ يعيشون الحريّةَ بعيدًا من الأوراق، متخلّين طوعًا عن مجد الشهرة المحتمَلة إذا ما نجحتْ رواياتُ كُتّابهم.

حين انتهى كلٌّ منهم من سرد قصّته، سألتني الصبيّة بصوتٍ دافئٍ وخجولٍ عن سببِ فراري من كاتبي. ارتبكتُ قليلًا قبل أن أخفض رأسي وأجيب:

"أنا كاتب!"

وقبل أن أُطرَدَ من المكان أكملتُ:

"كاتبٌ فارٌّ!"

النبطيّة (جنوب لبنان)

فاطمة زعرور

حكواتيّة لبنانيّة.