[مسدّس] A45 لدفع الإيجار*
28-05-2016

 

قصة: تشارلز بوكوفسكي

ترجمة: سعد هادي

كانت لـ دُوك، هذه الابنةُ، لالا، كما أسموْها. كانت في الرابعة، أوّلَ طفلٍ له، وكان قد حرص دائمًا على ألّا ينجب أطفالًا خوفًا من أن يُقتل بطريقةٍ ما. ولكنّه الآن مولعٌ بها: فقد جعلته سعيدًا، وعرفتْ كلّ ما يفكّر فيه؛ كان ثمّة ذلك الخطُّ الذي يجري منها إليه، ومنه إليها.

كان دوك في السوبرماركت مع لالا، يتحدّثان ذهابًا وإيابًا. يقولان أشياءَ، ويتحدّثان عن كلّ شيء. كانت تخبره بكلِّ ما تعرفه، وكانت تعرف الكثيرَ بالغريزة. أمّا دوك فلم يكن يعرف الكثير، ولكنّه كان يخبرها بما يعرفه. وكان ذلك يفي بالمطلوب. كانا سعيديْن معًا.

"ما هذا؟" سألتْه.

"إنّه جوز الهند."

"ماذا في داخله؟"

"حليب وموادّ قابلة للعلك."

"ولماذا هي هناك؟"

"لأنّها تَشْعر بالسعادة هناك. كلُّ ذلك الحليب، وكلُّ الموادّ القابلة للعلك، كلُّها تشعر بالسعادة داخل تلك الصدفة، وتقول لنفسها: يا لَسَعادتي، أشعر أنّني في أفضل حالٍ هنا!"

"ولماذا الشعور بالسعادة هناك؟"

"لأنّ أيّ شيء سيشعر بذلك هناك. أنا سأشعر بذلك أيضًا."

"لا، لن تشعر ذلك. لن تستطيع قيادةَ سيّارتك من هناك. لن تستطيع رؤيتي من داخلها. لن تستطيع أكلَ لحم الخنزير المقدّد والبيض هناك."

"لحم الخنزير المقدّد والبيض ليسا كلَّ شيء."

"وما هو كلّ شيء؟"

"لا أعرف. ربّما ما هو داخلَ الشمس: الصلابةُ المتجمّدة."

"ما هو داخل الشمس؟ الصلابة المتجمّدة؟"

"نعم."

"وماذا سيشْبه داخلُ الشمس إذا كان صلابةً متجمّدة؟"

"حسنًا، من المفترض أنّ الشمس كرةٌ من نار. ولا أعتقد أنّ العلماء سيتّفقون معي، ولكنّي أعتقد أنّها ستكون بهذا الشكل."

رفع دوك ثمرةَ أفوكادو.

"واو."

"أجل، هذه هي الأفوكادو: شمسٌ متجمّدةً. نحن نأكل الشمس، ثمّ نتجوّل ونحن نشعر بالدفء."

"هل الشمس موجودة في كلّ تلك البيرة التي تشربها؟"

"نعم هي كذلك."

"هل الشمس في داخلي؟"

"أكثر من أيّ شخصٍ أعرفُه على الإطلاق."

"وأنا أعتقد أنّك تملك شمسًا عظيمةً كبرى في داخلك."

"شكرًا لك، يا حبّي."

ظلّا يتجوّلان، وأنهيا تسوّقهما. لم يخترْ دوك أيَّ شيء. ملأتْ لالا السلّة بكلّ ما رغبتْ فيه؛ وبعضُه ممّا لا يمكن أكلُه: بالونات، أقلام تلوين، بندقيّة لعب، رجل فضاءٍ مع مظلّة تنطلق من ظهره حين يُقذف نحو السماء. ما أروعَ رجلَ الفضاء هذا!

لم تحبّ لالا أمينةَ الصندوق. واجهتْها بملامحَ عابسةٍ جادّة. امرأة بائسة: وجهها قُلِعَ وأُفرِغ. وجهُها فيلمُ رعبٍ، وهي لا تعرف ذلك.

"أهلًا حلوتي الصغيرة،" قالت أمينةُ الصندوق. لم تردّ لالا، ولم يحثّها دوك على أن تردّ. دفعا النقودَ وسارا نحو السيارة.

"يأخذون نقودَنا،" قالت لالا.

"أجل."

"ثمّ عليكَ أن تذهب لتعمل ليلًا، لكي تحصلَ على نقودٍ أخرى. أنا لا أحبّ أن تذهبَ ليلًا. أحبّ أن ألعب لعبةَ ماما. أريد أن أكون ماما، وتكونَ أنتَ الطفلَ."

"أوكي، سأكون الطفلَ الآن. ما رأيُكِ، ماما؟"

"أوكي يا طفلي، هل تستطيع قيادةَ السيّارة؟"

"سأحاول."

ثمّ أصبحا في السيّارة. تحرّكتْ. أحدُ أبناء القحبة ضغط على دوّاسة الوقود وحاول صدمَهما عندما استدارا إلى اليسار.

"طفلي،" قالت لالا، "لماذا يحاول الناسُ صدمَنا بسيّاراتهم؟"

"حسنًا، ماما، لأنّهم تعساء. والتعساءُ يحبّون إلحاقَ الأذى بالأشياء."

"أليس هناك بشرٌ سعداء؟"

"هناك كثيرٌ من البشر يتظاهرون بأنّهم سعداء."

"لماذا؟"

"لأنّهم خجِلون ومرعوبون، وليست لديهم جرأةُ الاعتراف بذلك."

"هل أنت مرعوب؟"

"لديّ جرأةُ الاعتراف بذلك أمامكِ أنتِ فقط. أنا مرعوب جدًّا يا ماما، إلى درجةِ أنّني أعتقد أنّني سأموتُ في أيّة دقيقة."

"طفلي، أتريد زجاجةَ حليبك؟"

"نعم ماما، ولكن انتظري حتّى نصلَ إلى البيت."

أكملا مسارَهما. استدارا إلى اليمين عند بلوغهما نورمندي. حين تستدير يمينًا تنخفض إمكانيّةُ أن يصدمَك أحد.

"أستذهب إلى العمل هذه الليلة، يا طفلي؟"

"نعم."

"لماذا تعمل في الليالي؟"

"إنّها أكثرُ عتمةً، لا يستطيع الناسُ رؤيتي."

"لماذا لا تريد أن يراك الناسُ؟"

"لأنّه إذا فعلوا، فسيُقبض عليَّ  وأُرمى في السجن."

"ما هو السجن؟"

"كلُّ شيءٍ سجنٌ."

"أنا لستُ سجنًا!"

ركنا السيّارة وأخذا بقالتَهما إلى الداخل.

"ماما،" قالت لالا،(1) "جئنا ببقالة! جئنا بشموسٍ متجمّدة، ورجالِ فضاء، وكلِّ شيء."

قالت ماما (يسميّانها "ماغ"): "هذا جيّد."

ثمّ قالت لدوك: "اللعنة. أتمنّى ألّا تخرجَ الليلة. يتملّكني ذلك الإحساسُ الآن. لا تخرجْ يا دوك."

"يتملّكك أنتِ ذلك الإحساسُ الآن؟ يا حبيبتي، أنا لديّ ذلك الإحساسُ طول الوقت، إنّه جزءٌ من العمل الذي عليّ أن أقوم به. نحن مفلسون؛ لقد وضعت الطفلة كلَّ شيءٍ في السلّة: من لحمِ الخنزير المعلّب إلى الكافيار!"

"حسنًا، بحقّ المسيح، ألا تستطيع التحكّمَ بهذه الطفلة؟"

"أريدها أن تكون سعيدةً."

"لن تكون سعيدةً وأنتَ في السجن."

"انظري يا ماغ. في مهنتي، كلُّ ما عليكِ فعلُه هو أن تعيّني وقتًا محدّدًا له. لا تقلقي. هذا كلُّ ما في الأمر. أنا فعلتُ ذلك بعضَ الوقت. كنتُ محظوظًا أكثرَ من سواي."

"ماذا عن وظيفةٍ شريفة؟"

"عزيزتي، ما أفعلُه أفضلُ من العمل على مكبسِ تثقيبٍ، وليست هناك أيّةُ وظيفةٍ شريفةٍ. المرءُ في كلّ الأحوال سيموتُ بهذه الطريقة أو تلك. وأنا أسيرُ منذ زمنٍ على دربي القصير هذا. أنا أَشبهُ بطبيبِ أسنان: أَخلعُ الأسنانَ من المجتمع. هذا كلُّ ما أعرف فعلَه. لقد فات الأوانُ [للقيام بعمل جديد]. وأنت تعرفين كيف يتعاملون مع السجناء السابقين. أنت تعرفين ماذا يفعلون لهم، كنتُ قد أخبرتك، كنتُ..."

"أعرفُ ما أخبرتني، ولكنْ..."

"ولكنْ ولكنْ ولكنْ ولكنْ..." قال دوك، "اللعنةُ عليكِ، دعيني أُنهِ كلامي."

"أَنهِه إذًا."

"هؤلاء العبيد الصناعيّون العكاريت الذين يعيشون في بيفيرلي هيلز وماليبو؛ هؤلاء الرجال متخصّصون في "إعادة تأهيل" السجناء، السجناءِ السابقين. وذلك يجعل من التعهّد الخرائيّ [بعدم تكرار الجريمة] يفوح برائحة الزهور. إنّه [محضُ] دعاية، استرقاق، ومجلسُ "الإفراج المشروط" يَعْرف ذلك. هم يَعْرفون ذلك، يوفّرون الأموالَ للولاية، ويجنون الأموالَ لأشخاصٍ آخرين. خراء. كلُّ ذلك خراء. كلُّه. يجعلونك تعملين ثلاثةَ أضعافِ ما يعمله الرجلُ العاديّ، بينما هم يسرقون الجميعَ في إطار القانون. يبيعونهم أيَّ خراءٍ بعشرة أضعاف قيمتِه الحقيقيّة أو بعشرين ضعفها. ولكن ذلك يتمّ في إطار القانون، قانونِهم هم..."

"تبًّا، لقد سمعتُ ذلك مرّاتٍ عديدة."

"وتبًّا إذا لم تسمعيه مِن جديد. أتعتقدين أنّني غيرُ قادرٍ على أن أرى أو أحسَّ أيَّ شيء؟ أتعتقدين أنّ عليّ أن أبقى هادئًا؟ حتّى مع زوجتي؟ أنتِ زوجتي، ألستِ كذلك؟ ألا ننيك؟ ألا نعيشُ معًا؟ ألسنا كذلك؟"

"أنت المنتاك، أنت الآن مَنْ يصرخ."

"سحقًا لك. ارتكبتُ خطأً تقنيًّا. كنتُ يافعًا. لم أفهم قواعدَهم الشبيهةَ بخراء الدجاج."

"والآن تحاول أن تبرِّر حماقتَكَ."

"هه، حلووو. أحبّ ذلك، يا زوجتي الصغيرة. أنتِ كسّ، أنتِ كسّ، أنت لستِ إلّا كسًّا على درجات البيت الأبيض، مفتوحًا على وسعه، حثالةً عقليّة..."

"الطفلة تستمع يا دوك."

"حسنٌ. سوف أنتهي، أنتِ كسّ. ‘إعادةُ التأهيل’: هذا هو التعبير. مصّاصو الأيورِ والأرواحِ في بيفيرلي هيلز مفرِطون في الشرف والإنسانيّة. زوجاتُهم يصغين لمالر(2) في "مركز الموسيقى" ويتبرّعن للجمعيّات الخيريّة، معفياتٍ من الضرائب، ويُنتخَبن أفضلَ عشرِ نساءٍ في العام في جريدة لوس أنجلوس تايمز. أتعرفين ماذا يفعل أزواجُهم بكِ؟ يلعنونكِ مثلَ كلبٍ أسفلَ نباتاتهم المعوجّة، ويَخفضون راتبَكِ، ويحتفظون بالفرْق، ولا يجيبون عن أيِّ سؤال. كلُّ شيءٍ خراءٌ تمامًا. أفلا يرى أيُّ شخص ذلك؟"

"أنا..."

"اخرسي! مالر، بيتهوفن، سترافنسكي،(3) يجعلون المرءَ يعمل وقتًا إضافيًّا مقابلَ لا شيء. يركلون مؤخّرتَه المجلودةَ طوال الوقت اللعين. وإنْ خرجتْ كلمةٌ واحدةٌ منه، فسيتّصلون بضابط الإفراج المشروط ويقولون له: "آسفون، يا جنْسن، لكنْ ينبغي أن نخبركَ بأنّ زبونَك سَرق 25 دولارًا من درج النقود..."

"أيَّ نوعٍ من العدالة تريد، إذًا؟ بحقّ يسوع، يا دوك، لا أعرف ما أفعل. تَصْخب وتصرخ. تسْكر فتخبرني أنّ دلِنْجِر(5) كان أعظمَ رجل عاش على الإطلاق. تتأرجح في كرسيّكَ الهزّازِ، سكرانَ جدًّا، وتصرخ: دلنْجِر، أنا حيٌّ أيضًا، أصغِ إليّ."

"تبًّا لدلنجر، إنّه ميّت. عدالة؟ لا عدالةَ في أميركا. هناك عدالةٌ وحيدة. اسألي أتباعَ كينيدي. اسألي الموتى. اسألي أيَّ شخص."

نهض دوك عن الكرسيّ الهزّاز. اتّجه إلى الخزانة. انحنى تحت صندوق الزينة الخاصّ بشجرة عيد الميلاد، وسحب مسدَّسًا من نوع a45.

"هذه هذه هذه هي العدالة الوحيدة في أمريكا! هذا هو الشيء الوحيد الذي يفهمه أيُّ شخص."

ولوّح بالشيء الملعون.

كانت لالا تلعب برجُل الفضاء. لم تكن المظلّةُ تنفتح بشكلٍ صحيح. كانت تُظْهر سجينًا سابقًا، سجينًا سابقًا آخرَ. مثلَ النورس ذي العينين الميّتتين، مثلَ قلم الحبر، مثلَ المسيح ينادي على الآب...

"أصغِ،" قالت ماغ، "ضع هذا المسدّسَ المجنونَ جانبًا. سأحصلُ على عمل. دعني أحصل على عمل."

"ستحصلين على عمل! كم مضى من الزمن وأنا أسمعُ ذلك؟ الشيء الوحيد الذي تجيدينه هو النيْكُ، لقاءَ لا شيء، والاستلقاءُ لقراءة المجلّات ودسِّ حبّاتِ الشوكلاتة في فمكِ."

" يا إلهي، ليس ذلك لقاءَ لا شيء. أنا أحبّك يا دوك. أحبّكَ حقًّا."

تعب دوك. "حسنًا، طيّب، على الأقلّ وضّبي البقالة، واطهي لي شيئًا قبل أن أخرج."

أعاد دوك المسدّسَ إلى الخزانة. جلس وأشعل سيجارة.

"دوك،" سألتْ لالا، "أتريدني أن أناديك دوك أو بابا؟"

"لا يهمّ، يا حلوتي، كما تشائين فقط."

"لماذا هناك شعْرٌ فوق ثمرة جوز الهند؟"

"يا يسوع، لا أعرف، لماذا يوجد شعرٌ على خصيتيّ؟"

جاءت ماغ وهي تحمل وعاءً فيه بازلّاء: "لا أريد أن تتحدّث مع طفلتي هكذا."

"طفلتك أنتِ؟ أتريْن فمَها المحبّ للمال ذاك، إنّه يشبه فمي. اترين عينيْها هاتين؟ أترين معدتها تلك؟ إنّها تشبه معدتي. طفلتكِ؟ فقط لأنّها انزلقتْ مِن شقّكِ ومصّتْ بزّيْكِ؟ إنّها ابنةُ لا أحد، إنّها طفلةُ نفسها."

"أنا أُصرُّ على ألّا تتكلّم أمام الطفلة هكذا،" قالت ماغ.

"أنتِ تصرّين...أنتِ تصرّين."

"نعم أصرّ." رفعتْ ماغ وعاءَ البازلاء. هزّته بكفّها اليسرى. "أنا أصرّ."

"وأنا أقْسم، إنْ لم تبعدي وعاءَ البازلّاء هذا عن بصري، فإنّني، بعون الله، وُجد أو لم يوجدْ، سأدحشُها [أي البازلّاءَ] في مؤخّرتكِ على طول الطريق من دنفر إلى ألبوكيركي."

مضت ماغ إلى المطبخ مع البازلّاء، وبقيتْ في المطبخ.

ذهب دوك إلى الخزانة ليأخذ سترتَه والمسدّس. قبّل ابنتَه الصغيرةَ مودّعًا. كانت أحلى من سمرةِ شهر ديسمبر، ومن ستّة خيولٍ بيضاءَ تركض فوق تلٍّ أخضرَ منخفض. فكّر في الأمر على هذا النحو؛ خطرت الفكرةُ في باله فجأةً. انسلّ إلى الخارج بسرعة، ولكنّه أغلق البابَ بعناية.

خرجتْ ماغ من المطبخ.

"ذهب دوك،" قالت الطفلة.

"نعم، أعرف."

"نعستُ يا ماما، اقرأي لي من كتاب."

جلستا معًا على الأريكة.

"هل سيعود دوك، ماما؟"

"نعم، ابنُ القحبة، سوف يعود."

"وما ابنُ القحبة؟"

"إنّه دوك.أنا أحبّه."

"أنت تحبّين ابنَ القحبة؟"

"نعم،" ضحكتْ ماغ، "نعم، تعالي هنا، حبيبتي، في حضني."

عانقت الطفلةَ. "آه، أنتِ دافئةٌ جدًّا، مثلَ لحم خنزير مقدّدٍ دافئ، مثلَ دوناتس دافئة." 

"لستُ بلحم خنزيرٍ مقدّد، ولا بدوناتس. أنتِ لحمُ خنزيرٍ مقدّدٌ، ودوناتس."

"القمر مكتمل هذه الليلة. مضيء جدًّا، مضيء جدًّا. أنا خائفة، أنا خائفة، يا يسوع. أنا أحبُّ هذا الرجل. آه يا يسوع."

استدارت ماغ إلى علبةٍ كرتونيّةٍ، والتقطتْ كتابًا للأطفال.

"ماما، لماذا يوجد شعْرٌ فوق ثمرة جوز الهند؟"

"شعْرٌ فوق ثمرة جوز الهند؟"

"نعم."

"اسمعي، أعددتُ قهوةً. أسمعُ الآن القهوة وهي تغلي. دعيني أطفئ النارَ تحتها."

"حسنًا."

ذهبتْ ماغ إلى المطبخ، وجلستْ لالا بانتظارها على الأريكة.

في ذلك الحين، كان دوك يقف خارج محلٍّ للخمور بين هوليوود ونورمانديا، متسائلًا: "ماذا هناك بحقّ الجحيم؟ ماذا بحقّ الجحيم؟ ماذا بحقّ الجحيم؟"

لم يبدُ الأمرُ مريحًا. لم يبدُ مطَمْئنًا. ربما هناك عكروتٌ في الخلف، يَحمل مسدّسًا من نوع Luger، يحدّق من ثقبٍ ما. هكذا نالوا من "لووي." مزّقوه مثلَ بطّةٍ من الطين في متنزّهٍ للتسلية. جريمة "قانونيّة." العالم المنيوك بأكمله يسبح في خراءِ الجريمة القانونيّة.

المكان هنا لا يبدو مريحًا. ربّما يكفي بارٌ صغيرٌ الليلة؛ ملهًى للمثليّين؛ مكانٌ سهلٌ؛ نقودٌ تكفي لإيجار شهرٍ فقط.

لقد فقدتُ شجاعتي، فكَّر دوك. الخطوة التالية هي أن أجلسَ في مكانٍ ما واستمعَ إلى شوستاكوفيتش.(4)

عاد إلى الفورد السوداء، موديل 61.

بدأ يقود شمالًا. 3 بلوكات، 4 بلوكات، 6 بلوكات، 12 بلوكًا، داخل العالم المتجمّد. في هذه الأثناء جلستْ ماغ، والطفلةُ في حضنها، وبدأتْ تقرأ لها من كتاب الحياة في الغابة.

"ابن عرْس وأبناءُ عمّه، المنك، صيّادُ الأسماك،(6) الدلق،(7) كلُّها كانت رشيقةً، سريعةً، مخلوقاتٍ متوحّشةً. كانت من آكلات اللحوم. وكانت، باستمرار، في مسابقةٍ دمويّةٍ، لكي..."

ثمّ نامت الطفلة، وكان القمرُ مكتملًا.

 

*عنوان القصة الأصلي هو:  A.45 to pay the rent وقد نُشرتْ في مجموعة: TALES OF ORDINARY MADNESS عام 1983.

1- هنا، كما لا يخفى، دخل الأبُ وطفلتُه البيتَ، وصرنا أمام شخصيّةٍ ثالثة: الأم الحقيقيّة. (الآداب)

2- غوستاف مالر (1860-1911) : موسيقيّ نمساويّ. من أشهر أعماله سمفونيّته التاسعة: نشيد الأرض.

3- إيغور سترافنسكي (1888-1971): موسيقيّ روسيّ، عاش في أوروبا وأميركا. يُعدّ من أكثر الموسيقيّين تأثيرًا في القرن العشرين. من أشهر أعماله: باليه طقوس الربيع.

4- جون هربرت دلنجر (1903-1934): لصّ ومجرم أميركيّ شهير.

5- ديمتري شوستاكوفيتش (1906-1975): موسيقار روسيّ. من أشهر أعماله الملحمة السمفونيّة: لينينيغراد.

6 ـ المنك، صيّاد الأسماك: حيوانان ثدييّان يعيشان في المناطق الباردة.

7-  الدلق: حيوان أكبر من ابن عرس، وهو أحمر اللون، أبيض الحلق والزور والصدر.


سعد هادي

صحفيّ وروائيّ عراقيّ مقيم في فنلندا. من كتبه: الأسلاف في مكانٍ ما (قصص، 2004)، عصافير المومس العرجاء (رواية، 2013)، سلاطين الرماد (رواية، 2014).