لماذا أكتب؟*
08-07-2016

 

كارلوس رويز زافون

ترجمة: سعد هادي

 

غالبًا ما يُسأل الكتّابُ لماذا يفعلون ما يفعلونه. غالبًا ما يأتي السؤالُ من أنفسهم، فيما هم يجلسون متسائلين لماذا لم يصبحوا محامي شركات أو أطبّاءَ أسنان أو تجّارَ أسلحة. لماذا اخترنا هذه المهنة الغريبة التي تصنَّف مباشرةً في مرتبةٍ أدنى من "فاعل الخير" [الساذج] ضمن قائمة المهن الأقلّ احتمالًا لتحقيق النجاح في العالم؟

لا أستطيع أن أتكلّم بالنيابة عن زملائي، ولكنْ، بقدر ما يعنيني الأمر، فإنني أكتبُ لأنني لا أمتلك حقًّا أيّ خيارٍ آخر. هذا ما أفعله، وهذا ما أنا عليه.

أعمل في مجال سرد القصص. كنتُ كذلك دائمًا، وسأكون كذلك دائمًا. ذلك هو ما قمتُ به مذ كنتُ طفلًا: سردُ القصص، خلقُ الحكايات، بثُّ الحياة في الشخصيّات، ابتكارُ الحبكات، تخيّلُ المشاهد، تنظيمُ تسلسل الأحداث والصور والكلمات والأصوات التي تروي القصّة. كلُّ ذلك مقابلَ بنسٍ، أو ابتسامةٍ، أو دمعةٍ، والقليلِ من وقتكم واهتمامكم.

كارلوس رويز زافون:

روائيّ إسبانيّ. وُلد عام 1964 في برشلونة. أصدر أربع روايات لليافعين: أمير الضباب (1993قصر منتصف الليل (1994)، المراقب في الظلال (1995)، مارينيا (1999). كما أصدر لاحقًا ثلاث روايات، عُدّت من بين أكثر الروايات نجاحًا: ظل الريح (2001)، لعبة الملاك (2008)، سجين الجنّة (2011). تُرجمت أعماله الى أكثر من أربعين لغة، من بينها ظلّ الريح بالعربيّة. وهو يعيش حاليًّا بين برشلونة ولوس أنجلوس.

أنا أكتبُ لأعيش. كنتُ وما أزال أكتبُ وأخترعُ الأشياءَ من أجل تغطية نفقاتي منذ أن تركتُ المدرسة. هذه هي طريقتي للبقاء حيًّا، لكسب لقمة العيش، وللتنقّل عبر هذا العالم. الكتابةُ طريقتي "لجلب شيءٍ ما إلى المائدة،" للمساهمة في ما أعتقدُ أنّه أفضل ما يمكنني تقديمُه إلى الآخرين من أجل إمتاعهم.

لقد كتبتُ للقرّاء اليافعين، للأفلام، لما يسمّى "البالغين،" ولكنْ غالبًا للأشخاص الذين يحبّون قراءةَ القصص الجيّدة والانغماسَ فيها. أنا لا أكتبُ لنفسي، بل للأشخاص الآخرين. لأشخاصٍ حقيقيين، لكم. أعتقدُ أنّ أمبيرتو ايكو هو الذي قال إنّ الكتّاب الذين يقولون إنّهم يكتبون لأنفسهم، وإنّهم غير معنيّين بامتلاك جهورٍ خاصٍّ بهم، هم مليئون بالحماقة، و[هو الذي قال] إنّ الشيء الوحيد الذي تكتبه لنفسك هو قائمةُ مشترياتك في سوق البقالة. لا يمكنني أن أوافقه أكثر من ذلك.

كما قلتُ، عملي هو في مجال سرد القصص. وهذا فنّ، وحرفة، ومهنة، وأنا أشكر آلهةَ الأدب على ذلك. أعتقد أنّكم حين تلتقطون شيئًا ممّا كتبتُهُ وتدفعون مقابله، بنقودكم أو بما هو أثمنُ من نقودكم بكثير، أيْ بوقتكم، فمن حقّكم أن تحصلوا على أفضلِ ما أستطيعُ إنتاجَه. أعتقدُ أنّ هذه ليست هوايةً؛ إنّها مهنة. إذا كنتم مغرورين إلى حدّ الاعتقاد (مثلما أعتقد أنا) أنّ ما تكتبونه قد يعادل بقيمته وقتَ الآخرين، فعليكم أن تعملوا بمشقّةٍ (مثلما أعمل أنا) كي تنالوا هذا الامتيازَ. وهذا ما يعيدني إلى سؤال: "لماذا أكتب؟". يسألني الناسُ أحيانًا أيّة نصيحة يمكنني تقديمُها إلى كاتبٍ طموح. فأقول لهم: على المرء أن يصبح كاتبًا فقط إذا كان سيقتلُه احتمالُ أن لا يصبحَ كذلك؛ وإلّا فسوف يكون أفضل حالًا إذا قام بعملٍ آخر. لقد أصبحتُ كاتبًا، راويًا للحكايات، لأني لو لم أفعلْ ذلك لمتُّ، أو لحدث لي ما هو أسوأُ من ذلك.

أنا سعيدٌ لأنّني نجوتُ، وسعيدٌ لأنّنا التقينا على طول الطريق. لقد خططتُ لمواصلة هذا الطريق حتى يُسقطوني أرضًا. آمل أن تكونوا قد استمتعتم بالأشياء التي صنعتُها لكم. وإذا لم تستمتعوا، فأَعطوني فرصةً أخرى؛ فأنا أعمل دائمًا على شيءٍ جديد، وآملُ أن يكون أفضل. ماذا أستطيع أن أفعل غير ذلك؟ الإيهام هو مهنتي!

*هذا النص منشور في الموقع الرسمي للكاتب: http://carlosruizzafon.co.uk.gridhosted.co.uk/about/why-i-write/

سعد هادي

صحفيّ وروائيّ عراقيّ مقيم في فنلندا. من كتبه: الأسلاف في مكانٍ ما (قصص، 2004)، عصافير المومس العرجاء (رواية، 2013)، سلاطين الرماد (رواية، 2014).