في قاعة الاحتفالات الكبيرة، اكتظّت الأحذيةُ الفاخرة، كما الشعبيّة الرخيصة الثمن، لترى أيّ حذاءٍ سيقف على المسرح، فائزًا بلقب "أجمل حذاء" لهذا العام. كانت المنافسة صعبةً في الأعوام الفائتة، لأنّ قوانين المسابقة صارمةٌ جدًّا. وكم سيحظى الحذاءُ الفائزُ بالشرف حين ترتفع قيمتُه بين أشهر الماركات في السوق!
ارتفع الستار. بدأت الأحذية الأنيقة، ذاتُ الألوان الناصعة، والجلودِ الصقيلة، والتصاميم الفاتنة، تتنافس في عروض مثيرة وساحرة على المسرح، حذاءً بعد آخر.
كان كلُّ حذاءٍ ينتزع من الجمهور تصفيقًا حارًّا. وكادت المسابقةُ تنتهي، والجميعُ في شدهٍ: أيّ من تلك الأحذية المدهشة سيخطف لقبَ الفوز؟
إلى أن جاء العرضُ الأخير: حذاءُ العسكريّ.
ما إنْ مشى حذاءُ العسكريّ على المسرح، حتى صرخ أحدُهم من المقاعد الخلفيَّة بنبرةٍ ساخرة:
- ما هذا؟ هل رأيتم مسخرةً كهذه؟
ضحك الجميعُ بصوتٍ عالٍ، ولم يصفّق أيُّ حذاءٍ من المتفرّجين.
من ساحة الحرب حضر حذاءُ العسكريّ ماشيًا. لم يكن قد وجد وقتًا ليلمِّعَ نفسَه كما فعلت الأحذيةُ الأخرى التي استعدّت للمسابقة منذ أمدٍ غير قصير.
يا لَهذا الحذاء المسكين! راحت الأحذية ترمقه بسخرية، محتقرةً منظرَه البائس. ولكنّه واصل طريقَه، وضحكاتُهم تصكّ أذنيْه حتى بعد أن غادر القاعة.
اقتعد على السّاتر الترابيّ يفكّر في ما حدث. كان أزيزُ الحرب من حوله يدوّي بقوّة. بعد لحظات اشتدَّت ضراوةُ القصف. حدّق في أحذية الجنود، وهي تعينهم في المدافعة عن الثغور؛ فغمرَه شعورٌ بالكبرياء، وهمس لنفسه:
- أنا حذاء عسكريّ. لا أغيّرُ منظري أبدًا. ومكاني هنا على تراب وطني، لا في قاعات الاحتفالات.
واندفع بعزيمة وثقة مع كتيبةٍ من الأحذية الرثّة.
وبينما كان يَعْبر حقلًا من الألغام، سُمع دويُّ انفجارٍ هائل، فتناثر مع سرب الأحذية ممزَّقًا إلى أشلاء مبعثرة، وافترّت شفتاه عن ابتسامة خافتة.
ومن يومها، كلّما رأت الأحذيةُ نصبًا تذكاريًّا لجنديٍّ مجهول، انحنت احترامًا لحذائه، وهمستْ: هذا هو أجملُ حذاء!
المنامة