(ملفّ من تقديم: معزّ كراجة. شارك فيه: جبريل محمّد، حاتم بشر، سعود قبيلات، عماد الحطبة، فيجاي براشاد).
بعد انهيار الاتحاد السوفييتيّ، أرادت الرأسماليّة أن يكون هذا الحدثُ الدوليُّ "العظيم" مدخلًا إلى إعادة تشكيل الوعي الإنسانيّ على أسسٍ جديدة. من أهمّ هذه الأسس أنّ "عصر الإيديولوجيا" قد انتهى، وبات الإنسانُ اليوم يعيش "نهايةَ التاريخ." التراجعُ الحادّ في حضور القوى اليساريّة وأدواتِها الفكريّة والثقافيّة قبل السياسيّة، والتحوّلاتُ الذاتيّة والموضوعيّة في النظام الرأسماليّ نفسه، خلقتْ إمكانيّةً لصياغة جزءٍ يسيرٍ من الوعي الإنسانيّ على هذه الأسس فعلًا؛ حتى بات وكأنّه من الصعب تصوّر حياةٍ ما بعد الرأسماليّة، أو كأنّ الرأسماليّة باتت "نزعة إنسانيّة" محتومة. ومن هذا المنطلق، تسعى الرأسماليّةُ باستمرار إلى توصيف مرحلة "ما بعد الإيديولوجيا" على أنّها "زمنُ العلم" ــ ــ ما يعني ضمنيًّا نزعَ صفة "الإيديولوجيا" عنها، وعن خطابِها وأدواتها المهيمنة، واعتبارها وجهًا آخر للعلم.
سمير أمين من الباحثين والمفكّرين العرب القلائل الذين بقوا قابضين على جمر الفكر، ولم ينجرفوا مع التيّارات الأكاديميّة والفكريّة التي دخلتْ إلى وهم الوعي "الجديد" (أو "وعي ما بعد الإيديولوجيا") وسوّقتْ له. فاستطاع أن يرى خريفَ الرأسماليّة حين كانت ما تزال في ربيع عمرها (أوليست هذه وظيفةَ الباحث الحقيقيّ: أن يَرى ما لا يُرى؟). وقد تأتّى له ذلك من خلال توطين النظريّة الماركسيّة في سياقها العربيّ وسياق العالم الثالث. وهو، بذلك، لم يكتفِ بأن ترك لنا فكرًا يناقِش أو يعالِج حدثًا ما في سياقٍ ما، فحسب، وإنّما ترك لنا أيضًا نظريّةً متكاملةً تتجاوز حدودَ الحدث والزمن؛ فلا نعود إليها في وصفها جوابًا عمّا يواجهنا كلّ يوم وإنّما في وصفها أدواتِ تحليلٍ علميّةً.
رحل أمين وقد ساهم في تشكيل وعي مضادّ؛ وعيٍ يقول، ضمن ما يقوله للشعوب المقهورة والمستعمَرة، إنّ التبعيّة ليست قدرًا، وإنّ الثورةَ ضرورةٌ وحتميّة. وهذا بالضبط ما حاول مركزُ بيسان للبحوث والإنماء في رام الله، ومركزُ دراسات التنمية في جامعة بيرزيت، أن يقولاه من خلال تنظيمهما لمؤتمرٍ عُقد في جامعة بيرزيت في 27/10/2018 تحت عنوان: "سمير أمين: إضاءة في خريف الرأسماليّة."
لم يكن المؤتمر مجرّدَ تكريم لهذا المناضل العربيّ الأمميّ، وإنما إشارةً كذلك إلى أنّ أمين ترك إرثًا للمناضلين والشعوب المقهورة سيبقى حيًّا.
هنا يتقدّم مركزُ بيسان للبحوث والإنماء، ومركزُ دراسات التنمية في جامعة بيرزيت، بالشكر والتقدير إلى مجلّة الآداب لإعادة نشر بعض أوراق هذا المؤتمر كي تصل إلى أكبر عدد ممكن من القرّاء العرب.
م.ك
رام الله
لقراءة الملف كاملًا أنقر هنا