أوقفوا تمويل الشرطة! والموجة الحالية من حركة "حياة السود مهمة"
28-06-2020

 

نقله إلى العربيّة: سماح إدريس

خلال الأسابيع الماضية تواصلت التظاهراتُ الشعبيّةُ على امتداد الولايات المتحدة، في حدّةٍ وانتشارٍ غيرِ مسبوقيْن في التاريخ الحديث. وكان قد أوقد شرارةَ هذه التظاهرات شريطُ فيديو يصوِّر قتلَ شرطة مِنيابولِس لسائقٍ أسودَ أعزلَ، هو جورج فلويْد.

ناشطون وحلفاء من جميع الخلفيّات العِرقيّة والإثنيّة، بقيادة منظِّمين سودٍ، ومنظِّماتٍ سوداواتٍ بشكلٍ خاصّ، في أكثر من مئةٍ وأربعين مدينةً وضاحيةً وبلدةً صغيرةً في كلّ منطقةٍ من الولايات المتحدة، تجمّعوا من أجل إشهار إدانتهم لممارسات الشرطة العنصريّة.

خلال الليالي القليلة الأولى من الانتفاضة، كانت الصداماتُ العنيفةُ مع شرطة مكافحة الشغب، المجهَّزةِ بكافّة الأسلحة، من الأمور الروتينيّة؛ وغالبًا ما أثارت الشرطةُ نفسُها تلك الصدامات. وقد برّرتْ الشرطةُ استخدامَها المحمومَ للقنابل المسيِّلة للدموع، والرصاصِ المطّاطي، وكريّاتِ الفلفل (pepper balls)، والهراوات، بدعوى "حفظ السلام" و"وقف أعمال النهب." ومع أنّ وتيرةَ هذه الصدامات قد خفّت بعضَ الشيء في الفترة الأخيرة، فإنّ عناصرَ الشرطة أظهروا استعدادًا دائمًا لإطلاق العنان للقوّة المفرِطة والوحشيّة عند تفريق حشود المتظاهرين. اللافت أنّ هدفَ هذه الحشود الأوّلَ من التجمّع كان شجْبَ العنف القمعيّ الذي اختارت الشرطةُ استخدامَه، بشكلٍ ثابتٍ ومحمومٍ، ضدّها.

 

أدّى استخدامُ الشرطة للمقذوفات "غير القاتلة" إلى الموت وتهشيمِ الجماجم واقتلاعِ العيون

 

أُوقِف الآلافُ من المتظاهرين. وشملت الإصاباتُ التي لحقتْ بهم: تهشيمَ الجماجم، واقتلاعَ العيون، نتيجةً للرصاص المطّاطيّ ولغيرِه من المقذوفات "غيرِ القاتلة" (non-lethal)، وفقدَ حوالى ثلاثين شخصًا حياتَهم حتى الآن. أمّا المسؤولون الذين يحرِّكُهم هجسٌ مَرَضيٌّ بحماية الأملاك والتخفيفِ من احتمالات "النهب،" بدلًا من الاهتمام بحماية حياةِ البشر، فقد سارعوا إلى فرض منع التجوّل، واستُدعي "الحرسُ الوطنيّ" في إحدى وعشرين ولايةً من أجل قمع الاضطرابات.

***

المدهش أنّ الانتفاضات، على الرغم من تهديد الشرطة الدائمِ والمرعب بالاعتداء، لم تَصْمدْ فحسب، بل كبرتْ أيضًا. فالمنظِّمون أثبتوا أنّهم دُهاةٌ في تبنّي استراتيجيّات احتجاجٍ بطرقٍ دعمت الطاقةَ المتّقدةَ للحركة: من توظيف الهتافات التحشيديّة على إيقاع/وألحان موسيقى التكْنو والأندية في ديترويْت، إلى قيادة الجموع في رقصات سلايد آند شافِلْ [1] (slide and shuffle) في تظاهرات نووارك (Newark)، إلى قيامهم الجريء برسم شعار "حياة السود مهمّة" (Black Lives Matter) باللون الأصفر البرّاق على الطريق المؤدِّية إلى البيت الأبيض في حروفٍ ضخمةٍ تُمْكن رؤيتُها من السماء فوق عاصمة بلادنا. المشاركون في هذه الحركة "المليئةِ بالقادة"[2] (leader-full movement) أظهروا مثابرةً ملهِمةً، والتزامًا ثابتًا بممارسة "التعديل الأول" من الدستور[3] وإسماعِ أصواتهم.

ليلةً بعد ليلة، تدفّق المحتجّون من كل أرجاءِ البلاد إلى الشوارع، متَحَدِّين منعَ التجوّل، متصدّين بشجاعةٍ للعنف الوحشيّ الذي تمارسه قواتُ فرض القانون، مجازفين بأرواحهم في مواجهة الأخطار المرتبطة بانتشار فايروس Covid-19 السريع، المسؤولِ عن الجائحة الكونيّة الحاليّة، ومطالبين بالعدالة ومحاسبةِ الشرطة.

أسهم تصميمُ المحتجّين وشجاعتُهم في تأجيج الدعم الواسع لمظالمهم ولدعواتهم إلى العمل على المستوى المحلّيّ. لكنهما دفعا الحركةَ أيضًا إلى خارج الحدود الأميركيّة، بحيث باتت تتضمّن بعدًا أمميًّا، وذلك من خلال شعاريْن تضامنيّيْن صدحتْ بهما المظاهراتُ العارمةُ في برلين ولندن وباريس، وصولًا إلى أوكلاند وكيْب تاون ومونريال: "حياةُ السود مهمّة" و"أوقفوا تمويلَ الشرطة!"

علاوةً على ذلك، فقد راح بعضُ الشباب اللبنانيّ والهونكونغيّ "يشيِّرون"[4]مع المتظاهرين الأميركيين، عبر هاشتاغات التويتر، دروسًا في التعليم الذاتيّ (do-it-yourself tutorials) من أجل التعامل الفعّال مع القنابل المسيِّلة للدموع، ولنقْلِ وسائل الدعم بشكلٍ سريعٍ إلى خطوط التظاهر الأولى - - وهي دروسٌ تعلّمها أولئك الشبابُ بأنفسهم من ثوراتهم الأخيرة. أمّا عشّاقُ موسيقى البوب الكوريّ (K-Pop)، فقد استَخدموا صورًا لفنّانيهم المفضَّلين من أجل خلق "عواصف" على وسائل التواصل الاجتماعيّ، أربكتْ وشوَّشتْ تطبيقاتِ الشرطة الهاتفيّةَ (tip apps)، وسط دعوات قوى فرض القانون إلى الحصول على تقارير مصوَّرةٍ يمكن استخدامُها للتعرّف إلى هويّات المتظاهرين في الولايات المتحدة.

***

غير أنّ الدعمَ الكونيّ الواسعَ للانتفاضة الأميركيّة الحاليّة، سواءٌ في شوارع العالم أو على المنصّات الرقميّة ووسائطِ التواصل الاجتماعيّ، إنّما هو واحدٌ فقط من الأبعاد التي أسهمتْ في جعل هذه اللحظة من لحظات النشاط المعادي للشرطة الأميركيّة فريدةً نوعًا ما.

ويبدو أنّ الناشطين والمحلِّلين والنقّاد الثقافيّين متّفقون على أنّ حماسَ المتظاهرين وعنادَهم، علاوةً على تلقّيهم الدعم الواسع والمتعدّد الإثنيّات، قد أعطت الانتفاضاتِ الحاليّةَ سمةً مميَّزةً عند مقارنتها بلحظاتٍ سابقةٍ من الانتفاضة. وهذه السمة المميَّزة قد تُعزى جزئيًّا إلى خليطٍ فريدٍ من العوامل الاجتماعيّة-السياسيّة والثقافيّة والتكنولوجيّة.

بدايةً، فإنّ بزوغَ فايروس Covid-19، وردودَ الحكومة الفدراليّة الفاشلةَ على الجائحة المتنامية، فاقمتْ شعورَ الأميركيين السود بانعدام أمانهم الجسديّ والاقتصاديّ. فوجودُهم الكثيفُ في الوظائف المنخفضةِ الدخلِ، التي اعتُبرتْ ضروريّةً ومنعتْهم من التزام الحَجْر الصحّيّ بشكلٍ فعاّل، حملَهم على التقاط الفايروس (الذي يمكن أن يَقْتل) بوتائرَ أعلى نسبيًّا من المواطنين الآخرين. سلسلةُ الحقائق هذه عرّتْ أمامَنا التبعاتِ المدمِّرةَ للعنصريّة الممأسَسة التي تخترق نظامَ التوظيف والرعاية الصحّيّة في الولايات المتحدة.

عاملٌ مساعدٌ آخر كان قربَ حادثة قتل جورج فلويْد، زمنيًّا، من حادثتيْن:

- حادثة قتل بريونا تيْلور (Breonna Taylor) - - وهي عاملةٌ سوداءُ في المجال الطبّيّ، في السادسة والعشرين من عمرها. وقد قتلها عناصرُ شرطةٍ كانوا يرتدون لباسًا مدنيًّا، ويحملون ترخيصًا قانونيًّا بدخول البيوت من دون إعلام أصحابها مسبّقًا، إذ قرعوا المنزلَ الخطأَ حين كانت نائمةً في سريرها في آذار.

 

قتلُ بريونا تيْلور أثناء وجودها في بيتها أمرٌ مغيظٌ يكفي - في ذاته - لقيام احتجاجاتٍ جماهيريّةٍ عارمة

 

- نشْر شريط فيديو في أوّل أيّار، بعد محاولة بعضِ المسؤولين المحلّيّين إخفاءه، لمقتل آمد آربيري (Ahmaud Arberry)، وهو رجلٌ أسودُ في الخامسة والعشرين، كان يمارس رياضةَ المشي السريع حين أطلق عليه أبٌ وابنُه الأبيضان النارَ لأنّهما شعرا أنّه لا ينتمي إلى حيِّهم.

وأخيرًا، وربّما كان هذا هو العاملَ الأقوى، فإنّ أسلوبَ قتْل جورج فلويْد أسهم بشكلٍ كبيرٍ في اتّقاد نبرة هذه الانتفاضات، وفي انتشارِها السريع. صحيح أنّنا، ويا للأسف، شاهدْنا مرارًا وتكرارًا أشرطةَ فيديو تُظْهر عناصرَ شرطةٍ يَقتلون سودًا عزّلًا من مجالٍ قريبٍ غالبًا؛ لكنّ المقطع الذي شاهدْنا فيه دِرِك شوفِن (Derek Chauvin)، رجلَ الشرطة السابق من مِنيابولِس، وهو يجثو بركبتِه على رقبة جورج فلويْد بلامبالاة، معتصرًا منه الحياةَ طوال ثماني دقائق وستٍّ وأربعين ثانيةً، ضرب وترًا أكثرَ التهابًا في الجمهور الأميركيّ. إنّ الفظاعة التي تعامل بها شوفِن وزملاؤه من عناصر الشرطة مع قتل فلويْد تُذكِّر كثيرين من متابعي هذا الفيديو بأنّ ما شاهدوه لا يعدو أن يكون "إعدامًا غوغائيًّا" علنيًّا.[5]

إنّ قتلَ تيْلور أثناء وجودها في بيتها، وهي التي كانت، بحكم مهنتها الطبّيّة، تُعرِّض حياتَها لخطرٍ يوميٍّ من أجل مساعدة الآخرين أثناء جائحة الكورونا، أمرٌ مغيظٌ، ويكفي - في ذاته - لقيام احتجاجاتٍ جماهيريّةٍ عارمة. لكنْ علينا الإقرارُ بأنّنا نعيش في مجتمعٍ بصريٍّ إلى حدٍّ كبير. لذا، فإنّ فعْلَ النظر/المشاهدة لشريطَيْ مقتل آربري وفلويْد يحمل دلالةً تحريضيّةً خاصّةً، تدفع المشاهدين من كلّ الأعراق إلى التفاعل مع مشاعر الخوف والألم والغضب التي يثيرها الإرثُ الطويلُ من الإرهاب المعادي للسود في هذه البلاد.

***

إنّ العطفَ والسخطَ اللذيْن فجّرتْهما وحشيّةُ هاتين الجريمتيْن المسجَّلتيْن ــ خصوصًا في حالة فلويْد حيث اللامبالاةُ جليّةٌ في تعابير وجوه عناصر الشرطة وتصرّفاتِهم وهم يستلّون الحياةَ من رجلٍ أسود ــ قد يكونان وراء تأجيج الحماس والجاذبيّة الواسعة والعزيمة التي اتّسمتْ بها اللحظةُ الحاليّةُ من الانتفاضة. ومع ذلك، فإنّ ثمّة سماتٍ أخرى تُميّز هذه الانتفاضة. ويستحقّ التفكيرُ الخلّاقُ الذي يُسند المطالبَ الأساسيّةَ لهذه الحركة تأمّلًا دقيقًا.

إنّ الانتفاضة الأميركيّة ردًّا على القتلِ المرَّخص من قِبل الدولة، وعلى جرائم الشرطة ضدّ السود، ليست أمرًا جديدًا في الولايات المتحدة، بل يمكن تعريفُ النصف الثاني من العقد الماضي بمثل هذه الأحداث. وفي أعقاب إخلاء سبيل العنصريّين البيض، وقرارِ عدم ملاحقة رجال الشرطة المسؤولين عن جرائم القتل (وكلُّ هذه الجرائم جرى توثيقُها بتقاريرَ مصوَّرةٍ أو مسموعةٍ) التي طالت كلًّا من ترايفون مارتين (سنة 2013) وايريك غارنر ومايْكل براون وتايمر رايس (سنة 2014) وفريد غراي (سنة 2015) وفيلاندو كاستيل وألتون ستيرلينغ (سنة 2016) وكثيرين آخرين، نزل الناسُ إلى الشوارع، تحدوهم الصرخةُ التعبويّةُ لـ"حياة السود مهمّة" (Black Lives Matter) من أجل المطالبة بالعدالة. وتمحورت اللغةُ التي استخدمها المنظِّمون والناشطون أثناء الموجة الأولى من حركة "حياة السود مهمّة" حول محاسبة الشرطة وإجراء إصلاحات على نظام العدالة الجنائيّة.

نجحت الحركةُ في أمور مهمّة، أبرزُها:

1) تعميمُ مطلب [وجود وتشغيل] آلات التصوير المعلّقة على ملابس عناصر الشرطة (body cameras).

2) الضغطُ على الحكومة الفيديراليّة كي تتدخّلَ وتلاحقَ عناصرَ الشرطة بسبب استعمالهم الظالم للقوّة القاتلة، على ما رأينا في اتّهام الشرطيّ مايكل سلاغر (Slager) والحُكمِ عليه في جريمة قتلٍ (مسجّلةٍ بالفيديو أيضًا) طاولتْ والتر سكوت (سنة 2017) في كارولاينا الجنوبيّة بعد أن كانت محاكمةٌ محلّيّةٌ قد علّقتِ الحكمَ.

3) دفعُ وزارة العدل الأميركيّة الى اتّخاذ دورٍ أكثر فعّاليّةً في الكشف عن أقسام الشرطة ذاتِ التاريخ الموثَّق من الممارسات العنصريّة، على ما تُظهره تحقيقاتُ هذه الوزارة لتلك الأقسام في فيرغيسون وبالتيمور وشيكاغو.

***

بصرف النظر عن الانتصارات التشريعيّة والثقافيّة الكثيرة التي أحرزتها الموجةُ الأولى من حركة "حياة الناس مهمّة،" فإنّ أهمَّ إسهاماتها في الانتفاضات الحاليّة قد يكون منصّةً نُشرتْ نهايةَ صيف العام 2016، تحت عنوان: رؤيةٌ لحياة السود: مطالبُ سياسيّة من أجل قوّة السود وحريّتهم وعدالتهم (AVBL).

هذه المنصّة تقدّم أجندةً رؤيويّةً تلتزم هدفَ تحرير السود وتحوّلهم الاجتماعيّ، وتنبع من الجهود التنسيقيّة لـ "الحركة من أجل حياة السود" (Movement for Black Lives) - - وهذه الأخيرة جبهةٌ موحّدةٌ مكوَّنةٌ من أكثر من خمسين منظّمةً تركِّز على مطلب العدالة وتعمل على امتداد الولايات المتحدة. ولقد وُجدتْ منصّةُ AVBL لتكون استجابةً مباشرةً لـ "العنف المستمرّ، والظاهر بشكل متزايد، ضدّ جاليات السود" في الولايات المتحدة وخارجها. وأصدرتْ ستّةَ مطالب أساسيّة تدعو إلى: إنهاء كلّ العنف ضدّ السود؛ وتحويلِ المصادر [الماليّة الحكوميّة] من السجون والعسكر إلى مجالات صحّة السود وتعليمِهم وأمنِهم؛ والعدالة الاقتصاديّة للسود والقوّة السياسيّة لهم ضمن ديمقراطيّة حقيقيّة...[6]

الموجة الحاليّة من حركة "حياة السود مهمّة" التي ترتكز إليها الانتفاضاتُ المتواصلةُ تُثْبت أنّها أنجحُ من التجسّدات السابقة في وضع الأفكار الراديكاليّة في موقع المركز. هذا التطوّر الجذريّ يُعزى بشكلٍ كبيرٍ إلى العمل التثقيفيّ الذي ألهمتْه منصّةُ AVBL، ووضعه المنظِّمون في الجاليات (المنجمعات) على امتداد الولايات المتحدة خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، ويتجلّى بشكلٍ خاصٍّ في الوتيرة المتزايدة لمطلب "أوقفوا تمويلَ الشرطة!" واليوم، إذ يدرك ناشطو "حياة السود مهمّة" أنّ المساعي "المعتدلة" إلى إصلاح الشرطة قد أتت بنتائجَ سطحيّةٍ (في أحسن الأحوال) وأخفقتْ في التصدّي الفعّال لـ"ثقافة" معاداة السود داخل جهاز الشرطة، فإنّهم يطالبون بتغييراتٍ أكبرَ وأهمّ - - تغييراتٍ تتراوح بين تضييق مجالات المراقبة البوليسيّة، والدعوةِ إلى الردّ على الجريمة العنيفة فقط، وصولًا إلى إعادةِ توزيع أجزاءٍ كبيرةٍ من ميزانيّات الشرطة المتضخّمة لتمويل برامج اجتماعيّةٍ ذاتِ أهميّةٍ في تحسين نوعيّة الحياة، مثل المدارس ونظام الرعاية الصحّيّة والإسكان، وانتهاءً بإلغاء الشرطة نهائيًّا.

إنّ "سحْب التمويل من الشرطة" يشمل إعادةَ التفكير في مفهوم "الأمان العامّ" (public safety) ومفهوم "الغاية الاجتماعيّة" (community purpose). وهو يشمل سحبَ الاستثمارات العامّة من المؤسّسات التي تُقصي وتعاقِب وتؤْذي، وإعادةَ وضع تلك الاستثمارات في مؤسّساتٍ ومخطّطاتٍ اجتماعيّة تهدف إلى التمكين وترسيخ فرص العمل.

***

طوال اثنين وثلاثين يومًا متواصلًا، تجمّع ناشطو "حياة السود مهمّة" وحلفاؤهم في أعدادٍ ضخمةٍ مطالبين بإنهاء نظام المراقبة العنصريّ، وبإنهاء العداء للسود في المجتمع ككلّ. الضغط المتواصل الذي ولّدتْه هذه التظاهراتُ قد كان فعّالًا إلى هذه اللحظة في تعميق الحوار العامّ حول العِرق وفرضِ القانون، وبدأ يُظْهر تباشيرَ آثارٍ محسوسةٍ بشكلٍ أكبر مع انتخاب موظّفين في مدن كمِنيابولِس وبوسطن يتبنّوْن أجندةَ "سحب التمويل من الشرطة" ويَجًهرون بأنّ العنصريّة أزمةُ "صحّةٍ عامّة."

الموجة الحاليّة من "حياة السود مهمّة" واسعةُ الخيال بشكلٍ جذريّ، وديناميكيّة، ومتواصلة. ولذلك نجحتْ في أن تقودَ العالمَ الى منعطفٍ حاسم، وألهمتْ أصحابَ الأمل مِن بيننا بأن يؤمنوا بأنّ "النارَ هذه المرة"[7]قد تضيءُ الدربَ نحو مستقبلٍ أكثرَ عدلًا.

الولايات المتحدة

 


[1] زحِّطْ ونقِّلْ، أو ازلقْ وبدّلْ: نوع من الرقص. راجع:

https://www.youtube.com/watch?v=Ft1Zct6-7R4

[2] نقيضًا للحركات بلا قيادة، أو بقيادةٍ فرديّة. (المترجم)

[4] يشاركون على وسائل التواصل الاجتماعيّ. (المترجم)

[5]public lynching: أعمالُ قتلٍ حصلتْ بشكلٍ خاصّ بين العاميْن 1890 و1930 في الولايات المتحدة، نفّذها بيضٌ في الغالب لا يثقون بالقضاء الأميركيّ عادةً، فعمدوا إلى شنق ضحاياهم السود من جذع شجرة، أو إلى إطلاق النار عليهم مرارًا وتكرارًا، أمام الحشود. وقد بلغ عددُ الضحايا عدّة آلاف. (المترجم)

[7] هنا إحالةٌ على عنوان كتاب شهير لجيْمس بالدوِن، بعنوان النار في المرّة القادمة (1963). وهذا التعبير يستخدمه عدد من الباحثين لوصف الموجة الحاليّة من الاحتجاجات الأميركيّة. (المترجم)

كريستوفر هارِسْ

أستاذ مساعد في دراسات الاتصال في نيفادا ستيْت كولدج منذ العام 2010. نال البكالورويوس من جامعة راتغرز في علم النفس، والماسترز من جامعة كورنلّ في الدراسات الأفريقيّة، والدكتوراه من جامعة ميامي (كورال غيبلز) في دراسات الاتصال.