التطبيع في التربية والتعليم في لبنان 1 (ملف): جلسة الافتتاح
10-02-2020

 

عبادة كسر، محمد محسن، سماح إدريس، علي خليفة

في 17/5/2019، عقدتْ حملةُ مقاطعة داعمي "إسرائيل" واللقاءُ الوطنيُّ ضدّ التطبيع في لبنان مؤتمرًا بعنوان: "التطبيع في التربية والتعليم في لبنان: الواقع وسُبل المواجهة." هنا كلمات جلسات الافتتاح، وهي لكلٍّ من: عُبادة كسر، ومحمد محسن، وسماح إدريس، وعلي خليفة.

***

كلمة د. عبادة كسر (عريفة الاحتفال)

 

 

قبل يوميْن حلّت الذكرى الحادية والسبعون لنكبةِ فِلسطين، وفيها كما تعلمون دُمّرتْ مئاتُ القرى والبلدات العربيّة الفلسطينيّة، وهُجِّر مئاتُ ألوف الفلسطينيين في أربعِ رياحِ الأرض. وما زال ملايينُ الفلسطينيين إلى اليوم يُحْرمون حقَّهم الطبيعيَّ – والمكفولَ بموجب القرار الدوليّ رقم 194 – في العودةِ إلى أرضِهم، والتعويضِ من مُمتلكاتِهم التي فقدوها.

إحدى وسبعون سنةً من إحدى أكبر مآسي التاريخ، تتواصل اليومَ ثقافيًّا وتربويًّا. فحين نواصِل تعتيمَ ما حصل ويحصل، فإنّنا نحوِّل نكبةَ فلسطين إلى نكبةٍ عربيّةٍ شاملة، تربويّةٍ وثقافيّةٍ وأخلاقيّةٍ وسياسيّة. فكيف "يشارك" لبنان في هذه "النكبة" التي حلّت بفلسطين، وهو قد عانى مثلَها الكثيرَ من الاجتياحات وأعمال القتل والتهجير والمجازر على يد أحفاد العصابات الصهيونيّة، التي لبستْ منذ العام 1948 لباسَ "الدولة" المتحضّرةِ المتمتِّعةِ بدعم "المجتمع الدوليّ"؟ وإلى اليوم ما زال لبنان عرضةً لسرقة أرضه ومياهه، ويتعرّض لتهديداتٍ دوريّةٍ بالغزو والتدمير، ويطمع العدوُّ الإسرائيليُّ في نفطه العتيد. ولهذا، فإنّ مواجهة آثار النكبة المستمرّة على مستوى بنيتنا التربويّة والتعليميّة والثقافيّة تخدم لبنانَ، وتخدم سيادتَه الفعليةَ على أرضه وممتلكاته.

ليس أقدرَ على مواجهة النكبة التربويّة والتعليميّة والأخلاقيّة من المدرسة الوطنيّة والجامعة الوطنيّة. وإنّه لمن دواعي شرفنا الكبير أن يستضيفَنا اليوم هذا الصرحُ الأكاديميُّ الوطنيُّ المَهيب. على أنّه قد يكون من الضروريّ أن نشير إلى أنّ كلمات المؤتمرِين لا تُلزم الصرحَ المذكورَ بما سيَصدر عن المؤتمر من توصياتٍ ومقرَّرات.

على امتداد عامٍ، عملتْ حملةُ مقاطعة داعمي "إسرائيل" واللقاءُ الوطنيُّ ضد التطبيع في لبنان على الإعداد لهذا المؤتمر. فقد شعرنا أنّ عملنا على صعيد فضح الشركات الداعمة لاقتصاد العدوّ، وكشفِ الفنّانين العالميين الداعمين للعدوّ، سيبقى ناقصًا إنْ لم نتوجّهْ إلى مصادرَ رئيسةٍ من مصادرِ الخلل الوطنيّ في مجتمعنا؛ وأعني: المدرسة، والإعلام، والجمعيّات، والنقابات، والثقافة. ومن هنا عمدْنا إلى الاتصال بأكثر من عشرين عاملًا في الشؤون التربويّة والإعلاميّة والثقافيّة والنقابيّة والدينيّة من أجل الإضاءةِ على مكامن العَطَب في منظومة المواجهة الاستراتيجية المنشودة مع العدوّ الصهيوني. إنّ مؤتمرَنا هذا، على ما نأمل، مِدماكٌ أساسٌ من مداميك المقاومة الثقافيّة والتربويّة للمشروع الصهيونيّ - الاستعماريّ، الذي يحمل اليومَ عنوانًا برّاقًا، "صفقة القرن" - - وهي صفقةٌ تَهدف إلى القضاء المبرَم على قضيّة فلسطين،  وتشتيتِ شعبِها بين الدول المجاورة لفلسطين، لقاءَ ملياراتٍ من دولارات النفط العربيّ.

لقد توهّم الإسرائيليّون والاستعماريّون وأثرياءُ النِّفط أنّ شعبَ الشيخ الثائر عزّ الدين القسّام، والشهيد الروائيّ غسّان كنفاني، والمثقف المشتبك باسل الأعرج، والأب المناضل عطالله حنّا، والمطران المقاتل ايلاريون كبّوجي،... يمكن أن يُشترى بالمال! وكيف يتوهّمون ذلك؟ هذا شعبٌ يردِّد كلَّ يوم، منذ ما قبل العام 1948، وخصوصًا كلَّ يوم جُمعة، كيوم الجُمعةِ المباركةِ هذه، أثناء مسيرات العودة المتواصلة أمام حدود غزّةَ الباسلةِ مع فلسطين المحتلّة عام 48، ما ردّده الشاعرُ الفلسطينيُّ عبد الرحيم محمود، قبل حوالي عشرِ سنوات من استشهاده وهو يقاتل عصاباتِ العدوّ دفاعًا عن أرضه سنة 1948:

سأحْمِلُ رُوحي على راحتي / وأُلقي بها في مَهاوي الرَّدى
فإمّا حياةٌ تَسُرُّ الصَّديقَ / وإمّا مماتٌ يُغيظُ العِدى
ونَفْسُ الشريفِ لها غايتانِ: / وُرُودُ المَنايا ونيْلُ المُنى
وما العيشُ؟ لاعشتُ إنْ لم أكُنْ / مَخُوفَ الجَنابِ حَرامَ الحِمى!
إذا قلتُ أصغى ليَ العالَمونَ / ودوّى مَقالي بينَ الوَرى
لَعَمْرُكَ إنّي أرى مَصْرعي / ولكنْ أغُذُّ إليه الخُطَى!

أيها الحاضرون والحاضراتُ الكرام، أرحّبُ بكم، وأتمنّى لكم يومًا مليئًا بالغذاءِ الثقافيّ والوطنيّ.

***

كلمة د. محمد محسن (عميد المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة في الجامعة اللبنانيّة)

 

 

صباح الخيرِ من الجامعة اللبنانيّة. صباح الخير من المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة. صباح الخير من وطني لبنان، الذي هو في مقدّمة الدول التي تواجه الإرهابَ الصهيونيّ وإرهابَ التطرّف على كلّ المستويات.

مؤتمرُكم هذا دليلٌ ساطعٌ على أنّ العملَ البحثيّ والدراسات الأكاديميّة لها دورٌ فاعلٌ في مواجهة الخطر الصهيونيّ الذي يتسلّل إلى ثقافتنا وهويّتنا وتقاليدنا وأعرافنا - - تارةً بعدم دراية واقع الصراع العموديّ بيننا وبين العدوّ، وتارةً أخرى تحت عناوينَ طنّانةٍ مثل "الانفتاح" و"العولمة" و"حقوق الإنسان" و"الاعتبارات الدوليّة."

الجيّد في هذا المؤتمر:

- أنّه مؤتمر وطنيّ مدرِك تمامًا لأهمّيّة مناهضة التطبيع وفق أسس علميّة.

- أنّه متخصّص في محتوى مناهج التعليم في لبنان، ويستوفي شروطَ المؤتمرات العلميّة من حيث التنظيم والبنية والأوراق البحثيّة التي ستُعرض أمامكم.

- أنّه يحاول أن يحدِّد الخللَ في المناهج التربويّة من خلال ما نسمّيه "عالم فتح المسارات" في الآداب والعلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة. وهذا ما نذهب إليه في "المعهد" عندما نعالج أيَّ مشكلة بحثيّة أو ظاهرة اجتماعيّة في إطار تشابك العلوم الإنسانيّة وتقاطعها، لكي نقدّم صورةً متكاملةً للحلول المرجوّة.

- أنّه يحاول أن يؤسِّس لسياسات وطنيّة وتربويّة وثقافيّة وإعلاميّة لمواجهة الخطر الصهيونيّ ومناهضة التطبيع؛ فمن دون ذلك ستبقى المواجهةُ مسألةً محدودةً بإمكانات ضئيلة. وإنّي أتفهّم واقعَ الأمر - - فما لا يُدرَك كلُّه لا يُترَك جُلُّه.

- أنّه يبحث في الجانب الأخطر من عمليّة التطبيع الثقافيّ والفكريّ والتربويّ، إضافةً إلى السياسيّ؛ عنيتُ به: الجانب الإعلاميّ الوطنيّ. فالمؤسّسات التربويّة والثقافيّة تساهم في بناء الأفكار والمواقف التي تنتج سلوكًا سليمًا ومواطَنةً سليمة؛ أمّا الوسائل الإعلاميّة بشقها التقليديّ والرقميّ فتلعب أدوارًا مضاعفةً في قولبة الأفكار وتبسيطها، وفي صناعة صورة "الآخر" إمّا برسمه بطلًا لا يُقهر أو بشيطنته واحتقاره.

لا يمكن أن يتحوّل العدوُّ إلى صديق. العدوّ يبقى عدوًّا، بإيديولوجيته وأفكاره وتسلّطه، ما دام مغتصِبًا ومعتديًا ومُصادِرًا لحقوق الإنسان. أفكارُه الناعمة يجب أن لا تسودَ ولا تهيمن. وإذا ما حصل ذلك، ولن يحصل، فإنّ هويّتنا ستتلاشى وتصبح نسخةً غيرَ حضاريّة وغيرَ إنسانيّة وغيرَ وطنيّة، تشبه عدوَّنا المتربِّصَ بنا أبدًا!

وهنا ندعو وسائلَ الإعلام إلى أن يكون لديها ميثاقُ شرفٍ إعلاميٌّ جديد متطوّر، برعاية "المجلس الوطنيّ للإعلام،" يؤكّد محظوراتِ التطبيع مع العدوّ ومواجهةَ مصطلحاته التي تغزونا عبر أصدقائه في العالم.

أخيرًا أتمنّى لمؤتمركم النجاح، وأن يكون هذا النشاطُ البحثيّ بنيةً أساسيّةً لتأسيس سياسة وطنيّة جامعة لمواجهة أخطار التطبيع والغزو الفكريّ والثقافيّ والتربويّ.

وفققكم الله ورعاكم. عشتم وعاشت الجامعة اللبنانيّة.

***

كلمة د. سماح إدريس (باسم حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل" و"اللقاء الوطنيّ ضدّ التطبيع في لبنان")

 

 

ينعقد مؤتمرُنا اليوم وسط أزماتٍ اجتماعيّةٍ واقتصاديّةٍ كبيرة تهدِّد الوطنَ بانهيارٍ شامل، على الرُّغم من "تطمينات" المسؤولين (وهي تطميناتٌ لا تُطَمْئن، في الحقيقة، لأنّ بعضَها صدر عن مسؤولين ضالعين في أزمات الفساد والهدر التي نعانيها). فما أهميّةُ مقاومة التطبيع الثقافيّ والتربويّ مع العدوّ الإسرائيليّ حين لا يجد آلافُ الأهالي المالَ كي يدفعوا أقساطَ مدارس أولادهم، بل لا يملكون ما يَسِدّون به أفواهَهم الجائعة؟

هي معضلةٌ فعلًا: أن تصبحَ المواجهةُ الثقافيّةُ مع العدوّ ثانويّةً بالمقارنة مع مواجهة الجوع والمرض!

لكنْ، هل هي فعلًا مواجهةٌ ثانويّةٌ أو ترف؟

لا أمّةَ تُفْلح في الحياة الهانئة والازدهار إنْ لم تحصِّنْ وجودَها المادّيَّ والروحيَّ ضدّ الاحتلال والغزو والنهب والإذلال والتبعيّة السياسيّة والاقتصاديّة، وضدّ الخوفِ الدائم من الاعتداءات الخارجيّة. وجودُ لبنان على حدود فلسطين المحتلّة لا يمنحُه "ميزةَ" الانشغال بالهموم الاقتصاديّة - الاجتماعيّة وحدها. وربّما علينا أن نذكِّر مَن يَحْلمون بدولةٍ سيّدةٍ عادلةٍ حرّةٍ مستقلّة، وبربيعٍ خالٍ من الاستبداد والاستغلال، بأنّ حلمَهم صعبُ التحقيق في وجود كيانٍ استيطانيٍّ مزروعٍ إلى جانبهم، قائمٍ على "فكر" المجزرة، وعلى الاستعلاء الدينيّ والعرقيّ، وعلى التحالف الإستراتيجيّ مع الاستعمار العالميّ.
في لبنان، لا سيادة ولا استقلال، عمليًّا، مع بقاء جزءٍ من أرضه محتلًّا، ومع بقاء التهديدات الإسرائيليّة اليوميّة ضدّه، ومع بقاء مئاتِ آلاف الفلسطينيين في لبنان ممنوعين حقَّهم في العودة إلى فلسطين.

فلسطين، أيّها الأعزّاء، قضيّةٌ لبنانيّة، ثقافيّةٌ سياسيّةٌ أخلاقيّةٌ في الصميم، لا مجرّدُ مسألةٍ أمنيّة. والشعب الفلسطينيّ في لبنان مسألةٌ وطنيّةٌ لبنانيّة وقوميّة وإنسانيّة عادلة، لا محضُ "ملفّ أمنيّ" في دوائر الاستخبارات. وجامعاتُ لبنان، التي نتشرّف بأن نكونَ في أبرزها اليوم، مَدينةٌ لشعب فلسطين بأبرز الجامعيّين والمدرِّسين الفلسطينيين، وعلى رأسهم إحسان عبّاس ومحمد يوسف نجم وطريف الخالدي وعشراتٌ آخرون. ومن غير الجائز، بل من المريب، أن يتخرّجَ كثير من طلّابنا من المدارس اللبنانيّة وهم يعرفون عن الثروة السمكيّة في اليابان ولا يعرفون شيئًا عن نكبةِ فلسطين أو مجزرةِ حُولا أو اجتياحِ بيروت صيف العام 1982.

كيف نغيِّب نضالَ شعب فلسطين، منذ أكثر من مئة عام، عن مدارسنا؟ هل لأنّ المقاومة الفلسطينيّة كانت "شريكًا" في الحرب الأهليّة اللبنانيّة؟ ولنفترضْ أنّ هناك خلافًا عميقًا بين اللبنانيين على قراءة الدَّوْر الفلسطينيّ في تلك الحرب، فهل يَحُول ذلك دون تعليم طلّابنا شيئًا عن النكبة والانتفاضةِ الأولى سنة 1987 وانتفاضةِ الأقصى سنة 2000 والكفاح المسلّح والمقاطعة العربيّة والعالميّة، وعن غسّان كنفاني وجورج حبش ووديع حدّاد والمطران هيلاريون كبّوجي؟

أو لنفترضْ أنّ هناك خلافًا عميقًا بين اللبنانيين على المقاومة في لبنان، وعلى حزبِ الله تحديدًا، على الرغم من التزام الدولة في كلّ بياناتها الوزاريّة تحريرَ شبعا وكفرشوبا وشمال بلدة الغجر من الاحتلال الإسرائيليّ، فهل يَحُول ذلك دون تدريسهم شيئًا عن عمليّة مقهى الويمبي ضدّ جنود الاحتلال في شارع الحمرا صيفَ العام 1982، أو عن الفتى نزيه قبرصلي الذي واجه المحتلَّ الإسرائيليَّ في صيدا؟

السؤال الأهمّ الذي ينبغي على كلّ واحدٍ منّا أن يسألَه: أيّ جيلٍ جديدٍ نُنْشئ في لبنان إذا ابتعدْنا عن قيمِ البطولةِ والشهادةِ والفداء، أكان ذلك في فلسطين أمْ في لبنان؟ هل نكتفي بتدريسهم معركةَ الاستقلال سنة 1943، ونُغفلُ كلَّ بطولات شعبيْنا في مواجهة "إسرائيل"؟
إنّ حملة المقاطعة واللقاء الوطنيّ يخوضان غمارَ مقاومة التطبيع منذ زمنٍ طويل. فنحن نرى أنّ مقاومة التطبيع مع العدوّ ليست ترفًا فكريًّا، وإنّما هي حلقةٌ رئيسةٌ من حلقات السيادةِ الحقيقيّة والكرامةِ الفعليّة والوجودِ الحرّ. هي جزءٌ لا يتجزّأ من كفاح شعبنا، اللبنانيّ والفلسطينيّ والعربيّ، ضدّ العدوّ وداعميه. وهي الخزّانُ الروحيّ والمعنويّ والثقافيّ لمقاومة أبشع عدوانٍ نزل بأمّتنا في عصرها الحديث.

***

كلمة د. علي خليفة (باسم اللجنة التربويّة المنبثقة عن حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل" واللقاء الوطنيّ ضدّ التطبيع في لبنان)

 

 

لماذا التربية من أجل مقاطعة "إسرائيل" على أنواعها، ومناهضة التطبيع معها، في عصرٍ انمحت فيه الحدودُ كافّةً، وانفتحت الآفاقُ والعوالم؟

لأنّ التربية ليست، بل لم تكن يومًا، بمنأًى عن المشروع السياسيّ للمجتمع. فهي تقدّم معرفةً تختارها دون غيرها، وتوجّه السلوكاتِ في اتجاهٍ دون غيره، وتوظّفها لرسم ملامح أجيال من المتعلّمين.

التربية مشروعٌ غيرُ حياديّ، وعمليّةٌ موجّهة!

فهل تنحاز التربيةُ إلى الحثّ على مقاومة المشروع الصهيونيّ في المنطقة في وصفه مشروعََ عدوانٍ واحتلالٍ وعنصريّةٍ دينيّة، في زمن استغلال الوعي الدينيّ وتحويله إلى وعي اجتماعيّ وثقافيّ، بل إلى وعي قوميّ أيضًا (على ما تضيف الصهيونيّة)؟ مشروعٍ يقتلع أصحابَ الحقوق من أرضهم وتاريخهم، بمزاعمَ تاريخيّةٍ باطلة، مغلّفةٍ بغلافٍ دينيّ يغذّي الأصوليّاتِ الدينيّةَ في المنطقة، ويزعزع استقرارَها، ويهدّد أمنَها على الدوام؟

يجب أنْ تكون الإجابة عن هذه الأسئلة غايةً في الوضوح والالتزام. فتعليقُ "محور القضيّة الفلسطينيّة" في منهج التاريخ، مثلًا، موقفٌ متخلٍّ. وعدمُ التطرّق إلى مجريات الصراع العربيّ – الإسرائيليّ موقفٌ مريب. وعدمُ بثّ روح المقاومة بكافّة أشكالها في المنهج التعليميّ موقفٌ مرفوض - - وأعني بـ"المقاومة" مقاومةَ أبناء الأرض، بكافّةِ فئاتهم وتنظيماتهم وأديانهم، لا مقاومةَ حزبٍ بعينه ولا طائفةٍ بعينها.

في هذا المناخ، نشأت "اللجنةُ التربويّة" المنبثقة عن حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل" واللقاء الوطنيّ ضدّ التطبيع. على أجندة هذه اللجنة مشاريعُ كثيرةٌ، منها إحياءُ ذكرى المقاومين بقلمهم وفكرهم. وفي هذا المجال نظّم الرفاقُ في بعلبك مسابقةً مدرسيّةً تستعيد فكرَ غسان كنفاني وكتاباتِه ونضالاتِه. ونأمل أن تستمرّ المسابقة في أعوام تالية، مستهدفةً عددًا أكبر من المدارس، ومحورُ اهتمامها منصبٌّ على وعي الخطرِ الصهيونيّ.

علاوةً على ذلك، أصدرت "اللجنة التربويّة" عريضةً من أجل مناهضة التطبيع في التربية والتعليم، وهي بين أيديكم.[1] وتطمح أنْ تلقى أوسعَ انتشار، وأنْ تصل إلى المقرِِّرين في عمليّة تطوير مناهج التعليم، ليُصار إلى التشديد على إعادة "محور القضيّة الفلسطينيّة" إلى منهج التاريخ عودةً فعليّةً، وإيلائه الأهمّيّةَ التي يستحقُّها، ولحظِه في التقويم، لا سيّما في الامتحانات الرسميّة، وعدمِ شمول "التخفيف" الدروسَ المتعلّقةَ بوعي الخطر الصهيونيّ على لبنان ومطامعِ "إسرائيلَ" واعتداءاتها المتكرّرة، ومتابعةِ تطبيق القرارات والتعاميم التي تنصّ على منعِ ما تحتويه الكتبُ (اللبنانيّةُ أو المستوردة) من إشارةٍ إلى "إسرائيل" بالاسم، خصوصًا في خرائط كتب الجغرافيا، واستبدالها بعبارة "فلسطين المحتلّة."

وتنادي العريضةُ التربويّة بالتوسّع في التطرّق إلى سيرورة الصراع العربيّ - الإسرائيليّ لتشمل كافّةَ مراحله ومستجدّاته، فضلًا عن نضالات حركات المقاومة المختلفة، ولجانِ المقاطعة، والحثّ على توجيه برنامج "خدمة المجتمع" نحو الأنشطة المتعلّقة بالتزام أجيالنا مناصرةَ قضيّة تحرير فلسطين وسائر الأراضي العربيّة المحتلّة، ومناهضة التطبيع مع "إسرائيل."

هذا هو توجّهُ اللجنة التربويّة، وموقفُها، وعنوانُ نضالاتها وأنشطتها، التي تحطّ رحالَها اليوم في مؤتمر "التطبيع في التربية والتعليم في لبنان: الواقع وسبل المواجهة." وستنشر مجلة الآداب مشكورةً أعمالَ المؤتمر كاملةً لتشكِّل إطارًا مرجعيًّا في هذا المجال. وفي المقابل، فإنّ كلّ ورقة تُقدّم اليوم تُلزم صاحبَها بما تحتويه، وفيها رأيُه الحرّ، لأنّ المقاومة هي قبل كلّ شيء مجموعُ الإرادات الحرّة. وفي هذا الصدد، أُعلنُ أنّي لستُ محايدًا، ولا مع الحياد بداعي "الموضوعيّة." فالصمت (أو التجنّب) بداعي الحياد إنّما هو افتقارٌ إلى الموضوعيّة المنهجيّة في بثّ الآراء الجريئة أو غير المعهودة (بل الصادمة).

ونحن في اللجنة التربويّة المنبثقة عن حملة المقاطعة واللقاء الوطنيّ ضدّ التطبيع، بالتربية نقاطع، وبالتربية نناهض التطبيع، وبالتربية نقاوم.

بيروت