الجميع داخل حقل الرؤية
08-07-2016

 

شابّة تريد عبور شارعٍ يقع داخل حقل الرؤية لأحد قنّاصي المدينة.

على الرصيف جمعٌ من الناس يخشوْن العبور. يلفّهم صمتٌ مشوبٌ بالتهامس. يقول أحدهم إنّ القنّاص قد أطلق رصاصتين حتّى هذه الساعة، من دون ضحايا؛ يبدو أنّه ليس في مزاج جيّد هذا الصباح.

تنظر إلى ساعتها. لقد تأخّرت عن موعدها. تقرّر العبور. ومع الخطوة الأولى تشعر بشيءٍ ما ينقبض داخلها. توجِّه نظرةً خاطفةً في اتّجاه القنّاص، ثمّ تزيح بصرها بسرعة، وكأنّ ثمّة عينًا ما التقت بعينها، فخشيتْ أن يطلق النار عليها في اللحظة التي تنظر فيها نحوه، وفي هذه الميتة شيء من الإهانة: فهي لن تستطيع أن ترصد النظرةَ في عين قاتلها، في حين أنّه سيفعل.

تهبّ ريحٌ خفيفة. تتشبّث بوشاحها وتتابع السير.

تفكّر: أتُراني أموت اليوم؟؟ يقولون إنّ الناس يستطيعون استشعار قرب أجلهم. في الحقيقة، لا أشعر بأيّ شيء غير عادي. شريط حياتي لا يمرّ أمام عيني كما يحدث في الأفلام. ولم أنشر على الفيسبوك مؤخّرًا جملًا مؤثّرةً حول الموت. على أيّة حال، من الأفضل ألّا أموت اليوم بالذات، فتكتشف أختي أّنني أرتدي حذاءها الجديد في مثل هذا الجوّ الموحل.

تسمع خلفها وقعَ خطواتٍ سريعة. تفكّر: أعليّ أن أسرع؟ ماذا لو استقبلتني الرصاصةُ في خطوتي القادمة؟ ربّما عليّ الإبطاء، علّها تكون أسرع منّي فلا أدركها! وما الفرق ما دام الكلّ يتحرك داخل حقل الرؤية؟!

يصل رجلٌ، يصير بمحاذاتها. يهيّأ إليها أنّ القنّاص سيطلق النارَ في اتجاهها، وأنّ الرجل سيتلقّف الرصاصة عنها. ترعبها هذه الفكرة، فتحثّ خطاها، وتتجاوز الرجل. خطوة واحدة تفصلها عن الضفّة الآمنة.

صوتُ إطلاق نار. برودةٌ تغزو جسدَها.

تسمع الرجلَ يتمتم: "حسبي اللهُ ونِعْم الوكيل."

ترى السماءَ أمام ناظريْها. متى نزلت السماءُ إلى الأرض؟

تتذكّر جملةً قرأتْها ذاتَ مرّة: "الرصاصة التي ستقتلك لن تسمع صوتها."

لكنّها سمعتها، والرجلُ ما زال يرفع الصوت: "حسبي الله ونعم الوكيل..."

سوريا

زين خزام

كاتبة من سورية مواليد 1991. لها مقالات ونصوص في عدد من المواقع الالكترونيّة.