المؤامرة خارجيّة!
15-10-2016

 

 

رقمُ الغرفة التي زجّوه فيها  كان 798 806 20، صبيحةَ الخامسِ من الشهر الثاني للعامِ الثالث من الحرب.

لا نوافذَ لهذه الغرفة.

قيّدوا قدميْه ويديْه إلى أطراف السرير. شعر بوخزِ الإبرة في وريده. وبعدَ دقيقتين نام.

دخل الغرفةَ رجلان يرتديان الزيّ الأبيض. وقاما بفكّ وثاقه بعد حقنةٍ غير مُنوِّمة (كما أدركَ فيما بعد).

لم يُجب أيٌّ منهما عن أسئلته المتكرّرة المتعلّقة بطبيعة هذا المكان، وسببِ وجوده فيه.

اكتفى الواقفان إلى جوار السرير بتسجيل ملاحظاتٍ سريعة، ثمّ ذهبا من دون أن يعيدا ربطه.

مضت الساعات من دون أيّ تغيير لأيّامٍ، وربّما لشهور.

فقد الإحساس بالوقت نهائيًّا، لكنّه استطاع في ما بعد تقسيم يومه على الشكل التالي:

عند الصباح، حقنة بعد رغيف خبزٍ وبيضةٍ مسلوقة.

عند الظهيرة، قطعة لحمٍ أو صحن خضارٍ بعد الحقنة.

عند المساء، حبّة بطاطا وحبّة طماطم قبل الحقنة.

ونومٌ... نومٌ طويل.

لم يكن سجنًا بالمفهوم التقليديّ أبدًا.

هناكَ من يعبث بذاكرته التي ترفض أن تعود.

لم يستطع أن يفهم سببَ احتجازه هنا. لكنّه بدأ يقول وكأنّ شخصًا آخر بُعثَ في دماغه:

ــــ المؤامرة خارجيّة.

هكذا راح يردّد بين الحين والحين.

لاحظ المراقبون التغيّرَ المهمّ. لكنّ الحذر ظلّ مصاحبًا لهم؛ فواظبوا على الإجراءات نفسها لشهور عديدة.

في غرفة القيادة، اطّلعَ كبيرُ الأطبّاء على ملفّه باهتمام. وقرأ بالتفصيل المستجدّات التي طرأت على شخصيّة المريض في الغرفة 798 806 20.

ــــ لا نريدُ أن يكون الأمرُ خدعةً.

قال كبيرُ الأطباء لمستشاره المخلص.

بابتسامة رضا أجاب المستشار:

ــــ نحن متأكّدون من الحالة أيّها الكبير.

***

 صبيحة الخامس من الشهر الثاني للسنة الخامسة من الحرب...

وبعد أن سجّل الأطبّاءُ الملاحظات المطلوبة، أُطلق سراحُه.

كانت العبارة الوحيدة القادر على نطقها في البيت والمقهى، في العمل والنزهة، في المتجر والمسرح، وفي كلّ مكان: المؤامرة خارجيّة.

ــــ ففي "قلبِ العروبة النابض" ــــ قال كبيرُ الأطباء ــــ لا وجود للمؤامرات الداخليّة كما كان يدّعي المريضُ.

حازم شحادة

شاعر وقاصّ من سوريا. حاصل على إجازة في الإعلام. نشر العديد من القصائد والقصص في صحف سوريّة وعربيّة. صدر له ديوان بعنوان: أوراق نساء.