تفجير بيروت: أسئلةُ العمران والثقافة
27-08-2020

 

الثقافة والعمران

كثُر الكلامُ على برامجَ وخططٍ إحيائيّةٍ وإغاثيّةٍ تُعَدّ لإعادة إعمار المناطق المتضرِّرة في بيروت بفعل ارتدادات تفجير مرفأ بيروت: من صوامعِ القمح، ومبانٍ عامّةٍ وخاصّةٍ، ومرفأ، ومساكنَ ومحالَّ ومؤسّساتٍ ومدارسَ ودُورِ عبادةٍ وبنًى تحتيّةٍ وسواها. فما علاقةُ الثقافة بالعمران والإعمار، وبمفهومَي "الحضارة" و"الأنسنة"؟ وأين نحن من ذلك كلِّه؟

يسمّي ابنُ خلدون مجملَ العمليّة الثقافيّة الحضريّة التي تتمّ داخل حضارةٍ معيّنةٍ بـ "العمران." وهذا تعبيرٌ اصطلاحيٌّ رمزيّ، يَتَّخذُ من العمارة رمزًا للدلالة على الثقافة أو الحضارة كلِّها. وقد ورد في القرآن الكريم: ﴿إنّ ما يَعْمُرُ مساجدَ اللهِ مَن آمنَ باللهِ واليومِ الآخر﴾.[1] فالعمارةُ شَغْلُ المكان والائتناسُ فيه، أيْ تحويلُه إلى موطنٍ معمور. ولذلك يسمّي الجغرافيّون العربُ الأجزاءَ المسكونةَ من الأرض: "المعمورةَ." وعند ابن خلدون، يقابلُ "العمرانَ "مصطلحُ "القَفْر،" حيث لا حياةَ إنسانيّة.

ووفق منهجنا القاضي بالمزج بين الإنسانيّات والثقافيّات،[2] نتابع بالقول إنّ الحديثَ عن العمران والإعمار هو في الحقيقة حديثٌ عن الثقافة؛ ذلك لأنّ الإعمارَ نفسَه ثقافةٌ أو جزءٌ منها. فلكلّ ثقافةٍ أنماطُها في الكتابة، وموضوعاتُها، ورسمُها، وأواليّاتُها، وطرازُها المعماريّ. ولا يعني ذلك أنّ هناك حدودًا دقيقةً للإعمار (في ثقافةٍ معيّنة) لا يمكن تعدّيها، بل يعني أنّ الشروط الثقافيّة للإعمار داخلةٌ في بنيته أو روحِه أو نمطِه. وكما أنّ الثقافات تتلاقح، فإنّ أجزاءها أيضًا تتلاقح، ومنها الإعمار.

يصل بنا هذا إلى أنّ العمران أو الإعمار رمزٌ لإنسانيّة الإنسان. لكنّ هذا الإنسان متعيِّنٌ أيضًا داخل الموطن والمكان، وداخل الثقافة والحضارة، وفي الزمان. وبقدْرِ ما يكون العمرانُ إنسانيًّا، فلا بدّ من مراعاة شروط التعيّن في الزمان والمكان والثقافة والبيئة.

***

قد يتساءل قارئ: ما لنا وهذه الفذلكة المفهوميّة ونحن في معرض الكلام المباشر على نكبةٍ نزلتْ ببيروت وأهلِها والمرفأ؟

نبادر إلى القول إنّ تفجير المرفأ لم يُحِلْ دنيانا جحيمًا فحسب، بل أتاح لنا أيضًا فرصةً للتفكّر في تبدّلٍ فجائيٍّ ومدمِّرٍ طال بغمضة عينٍ أحوالَ بلادنا. كنّا نعيش مظاهرَ عمرانٍ برّاق، زائفٍ وعابر، فبتنا بعد 4 آب غارقين في قَفرٍ متغوِّلٍ أتى على الأخضر واليابس، وأحالَ نهارَنا ليلًا.

***

لبنان، القلب والأطراف، الساحل والجبل، المرفأ والمطار، الحقل والمصنع، المتحف والمستشفى، المطعم والفندق والملهى، المطبعة والصحيفة، الجامعة والمدرسة ، أفلح على مرّ العقود في ترسيخ صورةٍ مشرِّفةٍ ومشرقةٍ عن ذاته المتفرّدة المتألّقة. كان، في آنٍ واحدٍ، ملتقى دروب الحضارات، وبيتًا رحبًا مضيافًا لأبنائه وأصدقائه. وقد عَرفتْ بيروتُ مقامَها هذا فتدلّلتْ، منذ أن أسبغ عليها أمبراطورُ ألمانيا غليوم الثاني لقبَ "درّة تاج آل عثمان" لدى زيارته الشرقَ بدعوةٍ من السلطان عبد الحميد الثاني في العهد العثمانيّ المتأخّر (زيارتُه شملتْ بيروتَ ودمشق والقدس، واستهلّها بالنزول في مرفأ بيروت عام 1898).

 

شكّلتْ بيروت بجدارةٍ صورةَ المدينة عن نفسها وإنجازاتِها وفهمِها لعلاقتها بمجتمعها ومن حولها

 

بيروت، "زهرةُ سوريا،" عاشت تحوّلاتٍ عمرانيّةً وجيوسياسيّة. وباتت خلال عقود رمزًا لصيرورة بلدةٍ متواضعةٍ بيئةً حضَريّةً مزدهرةً، فمدينةً عالميّة. "ستُّ الدنيا" ما كانت مجرّدَ صورةٍ شعريّةٍ جميلةٍ تُغنّى وتترنّمُ بها الشفاه. طابعُها الكوزموبوليتيّ، واتّسامُ مجتمعِها بالتعدّد والتنوّع، واتّصافُ أهلِها بالانفتاح والاعتدال، أكسبتْها ميزاتٍ تفاضليّةً عن مثيلاتها من حواضرِ شرقيِّ المتوسّط. انفسحتْ بيروتُ على البحر المتوسّط، وانفتحتْ على الداخل العربيّ، وصاغت بيئةً رائدةً في الحضارة والثقافة والتجارة والإعلام، فشكّلتْ بجدارةٍ صورةَ المدينة عن نفسها ووظائفِها وإنجازاتِها وكفاءاتها وطرائقِ تعاملِها وفهمِها لعلاقتها بمجتمعها وبالعالميْن العربيّ والدوليّ من حولها.

***

آب اللهّاب كان اسمًا على مُسمّى. ما كذَب عند اللبنانيين خبرًا. ثمّة مواطنون مسالمون اتّخذوا من شرقيّ العاصمة سكنًا ومكانَ عملٍ وتسوّقٍ وتعلّم. أدركهم الزلزالُ في عقر دارهم؛ فقضوْا نَحْبَهم مِن دون أن يعوا بأيِّ ذنْبٍ وُئِدوا. كانوا، كدأبِهم في كلّ يوم، يسعوْن جاهدين في مناكبِ بيروتهم لالتماس أبوابِ الرزق. وعملًا بقاعدةٍ متأصّلةٍ في الوجدان الشعبيّ، قوامُها "الرزقُ عند تزاحم الأقدام،" فقد تحاورتْ عقولُهم وتجاورتْ أكتافُهم في بيئاتِ عملٍ قائمةٍ في محيط المرفأ، وفي الشوارع والأسواقِ والأحياءِ السكنيّة المحاذية. وإذ بأبواب الجحيم تُفتح عليهم على مصاريعها، فطار الرزقُ، وتناثرتْ أحلامُ أصحابه.

الأهالي المنكوبون والمتضرِّرون منّوا النفسَ، فاستعادوا - بغصّةٍ من الذاكرة الجَماعيّة - حكمتَهم الشعبيّة: "بالرّزق ولا بِصحابو." لم يصدّقوا أبصارَهم حين هطلتْ فوق رؤوسهم، دفعةً واحدةً، ويلاتٌ أجاد في توصيفها الأسلافُ: "حريقْ وغريقْ وتشُمْشُط عَ الطريقْ!" وسرعان ما هرعت الفضائيّاتُ إلى مسرح الجريمة، فأفاضت نقلًا مباشرًا واستصراحًا للأهالي، وتكفّلتْ ببراعةٍ موصوفةٍ في نقل الحدث المأساويّ، فأثبتتْ صحّةَ هذه المقولة الشعبيّة.

***

تشظّت بيروت واستشاطت غضبًا حينما دُفنَ أحبّتُها وأطفالُها أحياءً تحت ركام مبانيها الحديثة والتراثيّة. إهراءاتُ قمحها انهارت فوق هامات العاملين فيها. غمرتْ بحنانٍ حارسَها الأمين شوقي علّوش، ابنَ حومين الفوقا. بحسرةٍ قالت قريبتُه بلسان كلِّ اللبنانيين: "مات لأنّه ما عنّا دولة." موجوداتُ المكاتب وأحشاءُ البيوت تطايرتْ في الأرجاء، حاملةً أثاثَ أصحابها المُضمَّخَ بذكرياتٍ ذوَتْ في غياهبِ غبارٍ برتقاليّ قاتمٍ وقاتل.

لكنّ الخوفَ لم يتسرّبَ إلى أوصال أناس المدينة الصابرة، ولا اليأس عرف سبيلًا إلى قلوبهم المُدمّاة حزنًا وأسًى. حفظوا الودَّ لحيّزِهم الحضريّ. المصيبة غيرُ المسبوقة جمعتْ شملَهم، فتكاتفوا وتآزروا وتقاربوا. وحَّدوا كلمتَهم، وجوّدوا أدواتِهم التعبيريّة. شحذوا بلاغتَهم الفجّةَ والصائبة، وأطلقوها تنديداتٍ طالت المرتكبين وحُماتَهم.

ومع تباشير الفجر، عبروا الجسرَ خفافًا. شمّروا عن سواعدِهم، ووضعوا كِماماتِهم، وحملوا رفوشَهم. رفعوا شعاراتِهم، وفي مقدَّمِها "كلّن يعني كلّن،" الساحرُ بدلالته، والحاضرُ الناضرُ على الشفاه والجدران واليافطات. أشاحوا بأنظارهم عن رسوم الزعماء، وحيّدوا آذانَهم عن ثرثرات خطابٍ رسميّ خشبيٍّ ومتكلّس، لطالما نبذوه، لرعونةِ مدبِّجيه، ولإصرارِ مَن طالتهم الاتهاماتُ على تجهيلِ الفاعل ومعاقبةِ المفعولِ به.

***

تكائرت السّهامُ المنهالةُ والمتكسّرةُ على أكتاف اللبنانيين. لطالما تفاخروا بأنّ "كتافهم بتِحْمِل." لكنّ الحمْلَ أتى ثقيلًا جدًّا وداميًا هذا الصيفَ الملتهب: فنصالُ الضائقة الماليّة تكسّرتْ على نصال الفراغ السياسيّ، ثمّ على نصالِ جائحة كورونا وهلعِها المتفلّتِ من السيطرة.

ثقافة "التباعد الاجتماعيّ" التي أُكرِهوا على الالتزام بها درءًا لعواقبَ وخيمةٍ على صحّتهم، اندرجتْ في سلوكيّات العديد منهم منذ قدوم الجائحة. لكنّ هذه الثقافة المستجدّة لم تحُلْ دون أن يسارعوا إلى إغاثة مواطنيهم المنكوبين، جهدًا وخبرةً ومساعداتٍ ماليّةً أو عينيّة. أسعفوا الجرحى، واحتضنوا المتضرِّرين، وتطوّعوا لإيجاد مساكنَ مؤقّتةٍ لمن فقدوا بيوتَهم، أو للبحث عن المفقودين. لمرّةٍ رأيناهم ينزعون عنهم أمائرَ التفرقة، كالانتماءات الطائفيّة والمناطقيّة والسياسيّة. ثورة 17 تشرين الأول شكّلتْ أرضيّةً أولى خصبةً ومؤاتيةً لهذه التحوّلات المفصليّة عند جمهورٍ لا بأسَ به منهم. في الحالتيْن (ثورة تشرين 2019 وكارثة آب 2020)، غلّبوا مشاعرَهم الإنسانيّة وحسَّهم الوطنيّ وحيثيّتَهم اللبنانيّة الجامعة على كلِّ ما عداها.

صورةُ الفتى إلياس الخوري، البهيِّ والمبتسم، تلميذِ المدرسة المتنيّة، ابنِ الخامسة عشر ربيعًا، الضحيّةِ التي وُئدتْ ظلمًا وجورًا، انطبعتْ في أذهان اللبنانيّين ووحَّدتْ جموعَهم. "زملاؤه شيّعوه بدلًا من أن يزفّوه،" كما كتبتْ إحدى الصحف. المتضامنون مع حزن عائلته لم يسألوا عن طبيعة انتماء أهله، ولا عن منبتهم المناطقيّ، بل بكوا - بحسرةٍ - فتوّتَه المغدورة.

شهداءُ الواجب، العَشرةُ، من "فوج إطفاء بيروت،" شيَّعهم ذووهم ورفاقُ دربهم في بلداتهم وقراهم المتوزّعة على خارطة الوطن. وذرف مواطنوهم اللبنانيّون الدمعَ عليهم خلف الشاشات الصغيرة، ولم يغُوصوا بعيدًا للبحث عن مشاربهم وطوائفِهم ومذاهبِهم؛ فقد ألّفَ هادمُ اللذّات بين مصائرهم. ثقافةُ التقارب والتضامن بزّت ثقافة التباعد والتنابذ عند الجمهور اللبنانيّ الواسع، بل حلّت محلَّها.

***

قبل أن نتفكّر في مآلات بيروت بعد تفجير 4 آب الإجراميّ، على الصعُد الثقافيّة والمدينيّة والمشهديّة، علينا ألاّ ننسى أنّ معالمَها تغيّرتْ قبل أن يرتدَّ إليكَ طرفُك. فخلال دقائقَ معدودات، بدّلَ التفجيرُ الغاشمُ معالمَ أحياء صاخبةٍ كانت حتى تلك اللحظة تنبض حياةً وتزخم بالعابرين والمتسوِّقين وأربابِ الأعمال والموظّفين والعمّال، فأطاحَ بحضورهم البهيّ، وأزالَ مكاتبَ ومحالَّ ودُورَ عبادةٍ ومبانيَ أثريّةً حافلةً بذكريات أناسٍ عمروها لعقودٍ وعقود. نهاراتُها التي كانت تضجّ بالحركة والنشاط الاقتصاديّ صمتتْ حزنًا وأسًى، وشرايينُ لياليها الساحرة التي كانت تنبض بالفرح والسّهر توقّفتْ عقاربُ زمانها عند السادسة و8 دقائق من ذلك المساء.

 

خلال دقائقَ معدودات، بدّلَ التفجيرُ الغاشمُ معالمَ أحياء صاخبة

 

غير أنّ الكلام على مشهديّة بيروت ما بعد الرابع من آب لا يقتصر على قراءة دلالات مشاهد الخراب غير المسبوق. فلقد استوقَفَنا أنّ الجمهورَ المفجوعَ لم يكتفِ هذه المرّةَ بتوجيه اللوْم وكيْلِ الاتهامات وذرْفِ الدموعِ السخيّة، بل اندفع إلى المشاركة في أعمال الإغاثة ليلَ نهار. المشهد انجلى عن وعيٍ عفويٍّ عارم أظهرتْه قطاعاتٌ شعبيّةٌ عديدةٌ تمثّلتْ في: هيئات المجتمع المدنيّ الناشط، ونقاباتِ المهن الحرّة، والمنظّماتِ الإنسانيّة، والجمعيّاتِ الكشفيّة وسواها. الالتحامُ الوطنيّ بمعانيه العميقة، لا الفولكلوريّة، كان سيّدَ الموقف بامتياز، في الميدان، وعلى منصّات التواصل الاجتماعيّ.

بالطبع لم يخلُ الجوُّ من مشاحناتٍ ومهاتراتٍ بلغتْ حدَّ التشاتم، فضلًا عن محاولات بعضهم "نبشَ قبورٍ" من هنا وهناك. لكنّ صوتَ العقل كان أقوى منها جميعها، فوُئدتْ في مهدها أو كادت.

وفي المقابل، تلمّس المواطنون بأمّ العين تراجعَ مناسيب الأداء الوظيفيّ عند مرتكبين وُجِّهتْ إليهم أصابعُ الاتهام. وأدركوا، بأسًى، حجمَ الإهمال والتسيّب في إداراتٍ ومؤسّساتٍ عامّةٍ نِيطَ بها الإشرافُ على مرافقَ شديدةِ الحيويّة في اقتصاد البلاد وتشغيلها.

وسائلُ الإعلام ومنصّاتُ التواصل الاجتماعيّ فضحت البونَ الشاسعَ بين لامبالاة المكلّفين بالسهر على مَرافق الدولة، والحسِّ المدنيِّ المسؤول الذي أبداه الجمهورُ العريض الذي لم يتوانَ في تسميةِ المرتكبين بـ"الخطّ العريض." التفجير الإجراميّ جعلَ متلقّي ذيوله وشظاياه يستفيقون على الواقع المرير لأجهزتهم الإداريّة المهترئة. مأساةُ أهالي الجمَّيْزة ومار مخايل والمدوَّر والأشرفيّة ومحيط مرفأ بيروت، وغيرها من أحياء العاصمة، شواهدُ حيّةٌ على موبقات عصر "نيترات الأمونيوم" ومستتبعاتِه. فعنابرُ الموت الزؤام، وذيولُ التفجير الإجراميّ الهائل، معطوفةً على سياسات التسيّب والإهمال الإداريّ، فعلتْ فعلَها: طمرتْ أرواحًا، وقتلتْ نفوسًا بريئةً، ووأدتْ أحلامًا زاهيةً ومعلّقةً.

***

مسكُ الكلام يحثّنا على أن نتساءل: هل المدينة كائنٌ ماضويّ أمْ تاريخيّ؟ وأين تكمن حيويّةُ التاريخ الاجتماعيّ للحواضر؟ أهي في الحَراك الاجتماعيّ للناس، أمْ في إنشاءاتهم ومدنهم وأريافهم وغيرها من أشكال سكناهم؟ وفي ما يعنينا نسأل: ماذا عن كيفيّات وآليّات إعمار المنطقة البيروتيّة ؟ وكيف نفهم تداخُلَ عناصر الثقافة والموروثيْن العمرانيّ والشعبيّ في تصوّر مستقبل المدينة ككل؟

ندعُ الإجابةَ الوافية إلى دراسةٍ مستقبليّة، ونترك الكلامَ العلميَّ الشافي لأهل الاختصاص. فالمجال ليس متاحًا هنا للتوسّع في الكلام على الرؤى العمرانيّة الثقافيّة التي ينبغي أن تتضافر في عمليّة إعادة بناءِ ما تهدّم. ولكنّنا نعي أنّ ثقافتَنا التاريخيّة وامتداداتِنا المعاصرةَ ومصالحَنا في المكان والزمان يجب أن تُراعى في كافّة عمليّات الترميم. ونذكّر، ونحن قاب قوسيْن أو أدنى من إطلاق صافرة إعادة الإعمار في بيروت، بأنّه لا يمكن البتّةَ التفريقُ بين الثقافة والحضارة في مجال تتبّع مسائل الإعمار: فالإعمار ينبغي أن يَحفظ للموروث الحيّ معناه، وأن يجمعَ بين الأصالة والتحديث والمنفعة.

بيروت


[1] التوبة/18.

[2]في إطار هذا المزج، وضعنا أربعةَ كتبٍ علميّة تناولتْ تباعًا: فونولوجيا محكيّتها العربيّة المعاصرة، وموروثَها الثقافيّ، وتحوّلاتِها العمرانيّةَ، وأنماطَ سكنها. وهي: محكيّة بيروت العربيّة المعاصرة، وثراثُ بيروت في الحفظ والصون، وأفندي الغلغول شاهدٌ على تحوّلات بيروت خلال قرن، والبيت - السوسيولوجيا واللغةُ والعمران.

نادر سراج

أستاذ مادّة اللغة والفكر في العالم العربيّ في معهد الآداب الشرقيّة-جامعة القدّيس يوسف، وأستاذ مادّة فنّ التواصل في كلّيّة فؤاد شهاب للقيادة والأركان. عضو مجلس أمناء المنظّمة العربيّة للترجمة. يحمل شهادة الدكتوراه في اللسانيّات من جامعة السوربون الجديدة. درّس اللسانيّات العامّة والاجتماعيّة وفقه اللغة والترجمة والتعريب وتذوّق الأدب العربيّ في الجامعة اللبنانيّة. أصدر أربعة عشر كتابًا بالعربيّة والفرنسيّة، جديدُها معجمٌ بعنوان: العربيّة المحكيّة في لبنان: ألفاظ وعبارات من حياة الناس (2020). حاز كتابه، الشباب ولغة العصر: دراسة لسانيّة اجتماعيّة (2012)، جائزة "أفضل كتاب عربيّ لعام 2013 من مؤسّسة الفكر العربيّ.