العودة
20-05-2017

 

 

دخلتْ غرفتها متثاقلةً. أغلقت الباب وجلستْ على الفراش. نظرتْ حولها. التقت عيناها بعينيها في المرآة. ــــ أهذه أنا؟!

اقتربتْ ببطء حتّى لم يعد يفصلُها عن وجه المرآة إلاّ بضعة سنتيمترات. حدّقتْ بصمت. لكنّها سمعتْها ــــ في المرآة ــــ تسأل:
ــــ كم مرّ من الوقت وأنـتِ تنتظرين هذه اللحظات؟
ــــ لا أدري... زمنٌ طويل ربّما.
ــــ وإلى أيّ حدٍّ وصل بكِ الشّوقُ إلى مدينتك؟
ــــ إلى حدّ الحرقة.
ــــ هل زرتِها؟
ــــ كلَّ عيد.
ــــ إذًا، لِمَ الحرقة؟
ــــ أحسّ نفسي غريبةً هنا.
ــــ هنا بالذّات؟
ــــ بل في كلّ مدينةٍ عشتُ فيها.
ــــ كالمرتحِلة؟
ــــ أجل... بحسب ما يمليه علينا عملُ والدي.
ــــ وهل الرحيل عن كلّ تلك المدن سهلٌ؟
ــــ صعبٌ، على ما أظنّ. ولكنّني لا أستثقله كثيرًا.
ــــ والنّاس؟ والأصدقاء؟
ــــ سأتعرّف إلى غيرهم. وقد أنساهم فما كانوا إلّا عابرين.
ــــ كلَّهم؟
ــــ فقط واحد، قد لا أنساه!
ــــ ولمَ؟
ــــ على الرغم من أنّني لم أعرفه إلّا قبل أشهر، فإنّه كان الأقرب!
ــــ كيف؟
ــــ لقد اعترف بحبّه لي.
ــــ وأنتِ؟
ــــ أنا ماذا؟
ــــ هل تحبّينه؟
ــــ لا أفهم السؤال!
ــــ لماذا؟
ــــ لست قادرة على ذلك أصلًا. هو حرٌّ أن يقول. أنا لا أعرف كيف يحبّون. أنا أرتحل وأنسى...

ــــ ما اسمه؟
ــــ لا داعي لذلك. أريده أن يبقى نكرةً كي أتذكّرَه دائمًا.
ــــ إذن تحبّينه؟
ــــ تكرّرين الأسئلة السخيفة! لا عجب أنّك محبوسة في المرائي... وكأنّها جحيمُك.

ــــ ماذا عن جحيمِكِ خارجها؟

ــــ الجحيم هو الرحيل ربّما... أو البقاء... أو البقاء كالرحيل الذي لا يهمّ.
ــــ أيَسْهلُ نسيانُ الماضي؟
ــــ لا. إنّه يشبه تمزيقَ أوراق من دفتر الذكريات: صوتُه عالٍ، والورقُ كالفضيحة يجب أن يُحرق.
ــــ هل يعجبُكِ ماضيكِ الذي أبقيتِه لذاكرتك؟
ــــ لم يكن إلّا تجربةً. ولم يذهب من العمر إلّا القليلُ.
ــــ ماذا لو نواصل التجربة؟
ــــ لا. هذا يكفي. أنا تعبتُ.
ــــ أيُّ المدن أقرب إليك غير مدينتك الأمّ؟
ــــ هي ذاتها ليست قريبةً! لكنّني أرتاح هناك.
ــــ ما الجميل فيها؟
ــــ البحر.
ــــ ولكنْ يقولون: ماؤُها رديء الطعم؟
ــــ لا يهمّ... فيها منزل كبيرٌ لي أختبئ فيه، فأبقى غريبة.
ــــ سكّانها يكرهون الغرباء؟
ــــ عندي شخصٌ قال إنّه يحبّني. هذا زادي، ويكفيني.
ــــ بماذا تشعرين الآن؟
ــــ لا أعرف. ربّما بما يجب أن أشعر به. كما كتبَ الشعراء قبلًا عن الوطن والبيت والعودة... سأقرأُ وأقول لك حين أمسحُ الغبار عن وجهِك.

ــــ أتحبّينني؟

ــــ لا تكوني سخيفةً!

بنزرت، تونس

اسامة جلالي

طالب في الثانويّة العامّة في تونس، من مواليد 1999.