سمير أمين إلى جانبنا
26-11-2018

 

ترجمة: عماد خالد الحطبة

أنت جزءٌ من قيادة حركةٍ شعبيّةٍ استحوذتْ للتوّ على السلطة في بلدك. انتماؤكَ ليس إلى البرجوازيّة الوطنيّة، بل إلى الاشتراكيّة. ثمّ إنّكَ من بلدٍ خضع للحكم الاستعماريّ، ومن بعدها للتبعيّة الاستعماريّة الناشئة. أو لعلّكَ من دولةٍ لم تكن مستعمَرةً بشكلٍ مباشر، ولكنّها عانت وطأةَ الإمبرياليّة بكلِّ ثقلها. اقتصادُكَ في حالةٍ يُرثى لها، مواردُه الطبيعيّة مسحوبةٌ إلى الخارج، والشعبُ قد تردّى إلى مصاف العمل في عصابةِ سلسلةِ السِّلَع العالميّة. بلدُكَ لم يستطع صوْغَ سياسةٍ خارجيّة مستقلّة، ولا سياسةٍ اجتماعيّةٍ واسعة.

ثمّ حصلتْ هبّةٌ شعبيّة، سبق أن انطلقتْ بأحداثِ شغبٍ معاديةٍ لإملاءات صندوق النقد الدوليّ، وأتت بك إلى السلطة. وبدأتْ نافذةُ الإمكانيّات المتاحة أمام حكومتك في الانغلاق بمجرّد فتحها. فماذا ستفعل؟

يأتي سفيرُ الولايات المتحدة لرؤيتكَ ورؤيةِ رفاقك، يرافقه وفدٌ من الممثّلين المحلّيّين لشركات رأس المال الاحتكاريّة والأوليغارشيّة (الأقلّيّة) المحلّيّة. هذا السربُ من الأشخاص الرفيعين يحوم ويدور، محاولًا التأكّدَ من أنّ حكومتكَ ستضع جانبًا الوعودَ الكبيرةَ التي قدّمتْها إلى الشعب، وأنّها ستواصل "الوضعَ القائمَ" (الستاتوسكو) لكنْ بعد تنفيذ بعض إجراءات الدفْع البسيطة لمعالجة الفقر المدقْع؛ فالوضعُ القائم، كما يقول السفيرُ الأمريكيّ، كان جيّدًا للبلاد.

هكذا تتدفّق الاستثماراتُ الأجنبيّةُ المباشرة. ويأتي تقريرُ صندوق النقد الدوليّ، بعد زيارة موظّفيه بلدَكَ، إيجابيًّا. ويكون الناتجُ المحلّيّ الإجماليّ مرتفعًا، والعملةُ مستقرّةً نسبيًّا. والأوليغارشيّة، حسنًا، الأوليغارشيّة لاتزال فخرَ الأمة.

يلوِّح السفيرُ بإصبعه في وجهك قائلًا: "يجب التوقيعُ على صفقات الأسلحة، وتنبغي المصادقةُ على الاتفاقيّات العسكريّة." ويكمل: "القارب مستقرّ، ولا فائدة من هزّه."
لقد كنتَ على علمٍ بأنّ هذا الوفد سيأتي لرؤيتك. لا شيء ممّا يقولونه أو يفعلونه يفاجِئكَ. فبلادٌ كبلدك، "متخلّفة،" لا تتحكّم بمصيرها. لقد غيّر الحكمُ الاستعماريُّ البنى السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة. أمّا الزعامات والشخصيّات المحلّيّة القديمة فأُزيحت عن الواجهة، أو جرى استيعابُها في العالم الجديد لتغدو مجرّدَ ممثِّلة للقوى الخارجيّة. وأمّا النخب الجديدة فتمثّل مصالحَها الخاصّةَ بالتأكيد، ولكنها تمثّل، أيضًا، قوًى خارجيّةً، لا سكّانَ البلاد الذين دمّرهم النهبُ الاستعماريّ وحوّلهم إلى ركام.

هكذا تَرافق الفقرُ مع الأمّيّة والمرض. ولم يكن التخلّفُ خطأَ ثقافتكَ، وإنّما خطأَ هذا التاريخ الإمبرياليّ. لقد خرجتْ حركتُكَ الثوريّة من الأحياء الفقيرة، حيث يعيش معظمُ الناس. ولقد تحدّث هؤلاء إليكَ، وسلّموكَ برنامجَ عملهم، ويريدون منكَ أن تتصرّف!
عندما نال شعبُكَ استقلالَه، أو أطاح بنظامه الملكيّ قبل خمسين سنةً، استولت النخبُ الجديدةُ على السلطة. فعرضتْ مواردَ بلادكَ الطبيعيّةَ وقوّةَ عمل عمّالكَ للبيع بأسعارٍ بخسة، مادامت تلك النخبُ ستحصل على نسبةٍ من الأرباح. وهذا هو، أصلًا، سببُ عملها على نيل الاستقلال: زيادةُ حصّتها من السرقة. وقد تكرّرتْ هذه الرشوةُ الكبيرة، الممتدّةُ على نطاق واسع نزولًا على طول السلّم الطبقيّ، فأصبح بلدُك بلدَ الارتشاء، بدلًا من المبادرة الاجتماعيّة.

لم تحصل أيُّ تنميةٍ في بلدك، الذي توقّف تقدّمُه الاجتماعيّ بسبب سلسلةٍ من العقبات الهيكليّة مثل: شروط التجارة المتعلّقة بمنتجات بلدك الرئيسة، واعتمادِه على تمويل القوى الاستعماريّة القديمة. وراحت معادنُكَ الثمينة ومنتوجاتُك الزراعيّة الثمينة تعاني تقلّبًا في الأسعار، ولكنّها تبقى منخفضةً، في حين تزداد أسعارُ السلع المصنَّعة التي تستوردها بلادُكَ من الدول الإمبرياليّة. وخلّفت الفجوةُ، بين هذين الأمرين، ميزانيّتَك العامّةَ في حالة ديْنٍ دائم. أنت تقترض المالَ من بنوك الدول الإمبرياليّة، وأنت تَستخدم عملتَها في تجارتك الدوليّة ــ ــ وكلا الأمريْن يسحبك نحو ما تُدرك أنّه إمبرياليّةُ التمويل العالي. وبذلك يكون التخلّفُ هو "التنميةَ" الوحيدةَ التي يختبرها بلدُك.

 

"التكيّف الأحاديّ الجانب" يعني أنّ الإطار السياسيّ لأيّ حكومةٍ في بلدك ستحدّده قواعدُ مرسومةٌ في مكانٍ آخر

 

لقد أمضت مجموعتُك الثوريّة عقودًا تحت ضباب حرب صندوق النقد الدوليّ وهو يدْرس آليّةَ تطبيق "التكيّف الأحاديّ الجانب" (unilateral adjustment) على بلدك.  وإذ بكَ تكتشف سمير أمين، الذي يوضح لك مفهومَ ذلك التكيّف: إنّه يعني أنّ الإطار السياسيّ لأيّ حكومةٍ في بلدك ستحدّده قواعدُ مرسومةٌ في مكانٍ آخر، وهي قواعدُ تعود بالفائدة على القوى الاستعماريّة القديمة وتؤدّي إلى إفقار بلدك. حتى الاشتراكيون وقعوا في فخّ ذلك "التكيّف." إنّ بنًى تقوم على التبادل غير المتكافئ، وعلى النّهبِ الاستعماريّ التقليديّ، تُنقص ثرواتِ بلدكَ بشكل هائل. لقد أُجبر بلدُك على التكيّف مع احتياجات القوى الاستعماريّة القديمة ومصالحها، بحيث لا يمكنك أن تكون حرًّا أبدًا.

هنا تأتي اللحظةُ المناسبة لاختبار نظريّة "فكّ الارتباط" (delinking)، وهي المفهوم الذي تشرّبتَه من سمير أمين. وفكُّ الارتباط لا يعني الانفصالَ عن العالم وعزلَ النفس. العزلة غير مُمكنة. إذا قطعتَ مع التكيّف الأحاديّ الجانب، فسوف يُطاحُ بك إمّا بانقلابٍ، أو بتدّخلٍ عسكريّ، باسم "إنقاذ المدنيين،" أو ستخضع للعقوبات والحصار الاقتصاديّ عقودًا من الزمن. أنتَ لا تريد عزلَ نفسك؛ فأنت أُمميّ. فكُّ الارتباط، بالنسبة إليك، يعني الكفاحَ من أجل وضع إطار عمل بديل لعلاقاتك بالعالم، ولإجبار الآخرين على التكيّف مع احتياجات ومصالح الطبقة العاملة والفلّاحين في بلدك وفي بلدانٍ أخرى. فكّ الارتباط، كما قرأتَ عند سمير أمين، يعني "تعديلَ شروط العولمة".

تَصْرِفُ الوفدَ بأدب. لا يمكن توقيعُ الاتفاقيّات الآن. سيكون عليهم الانتظار.

أمام القصر الرئاسيّ يتجمهر عددٌ كبيرٌ من أبناء الشعب. تخرج قبل الوفد. يتطلّع المتجمهرون إليك؛ فمستقبلُهم على المحكّ. يَشْخصون بأبصارهم إليك. يريدون منك ومن رفاقكَ أن تمثّلوهم في مواجهة السفير الأمريكيّ، وتاجرِ السلاح، والأوليغاركيين، والجنرالات العسكريين، والرأسماليين الاحتكاريين، وصندوقِ النقد الدوليّ، والبنكِ الدوليّ، والمنظّماتِ غير الحكوميّة...

ستكون خطبتُك أمامهم طويلةً؛ فثمّة الكثيرُ ممّا يقال. سوف تقاطَع؛ فالناس يريدون أن يقولوا رأيَهم أيضًا. وسوف تعلن سلسلةً من المراسيم

مرسوم رقم 1: ضوابط رأس المال. ستعلن أنّ أسواقَ رأس المال لم تعد حرّةً، وإنّما ستوضع حواجز للحدّ من قدرة رأس المال على الدخول والخروج من بلدك كيفما شاءت. وستُضرب قيودٌ على شراء العملة الوطنيّة وبيعها. وسيحدَّد زمنٌ أدنى لبقاء الاستثمار الأجنبيّ في البلد. كما ستُفرض ضرائبُ على تحويل العملات إلى خارج بلدك. هذه الضوابط ــــ الضروريّة كخطوة أولى ــــ ستَمنح الحكومةَ فرصةً لكي تطوّر سياساتٍ نقديّةً مستقلّة، ولكي تتّبعَ أجندةً اشتراكيّة.
مرسوم رقم 2: إعادة التفاوض الفوريّ على جميع صفقات التنقيب. ستقول إنّ جميع اتفاقيّات التعدين السابقة أصبحتْ لاغيةً وباطلة، وسيُعاد التفاوضُ في شأنها على الفور. ستمعن وزارةُ التعدين ووزارةُ الاقتصاد في بلدكَ النظرَ في كلّ الاتفاقيّات، للتأكّد من إزالة أيّ احتمال سوء تسعير، وإزالة الوسائل الاحتياليّة الأخرى التي تستخدمها الشركاتُ الاحتكاريّةُ لجني أقصى أرباح ممكنة من أسعار التعدين. وستصرّ على أن يتضمّن المرسومُ إجبارَ شركات التعدين على تصنيع الموادّ الخام داخل بلدكَ، وعلى نقْل التقنيّات اللازمة إلى شركة التعدين الحكوميّة في بلدك لكي يبدأ بنفسه في معالجة المواد الخام.

مرسوم رقم 3: تنشيط عملتك المحلّيّة. سوف تضع على السكّة إجراءاتٍ لإنهاء ارتباط عملتكَ المحلّيّة بالدولار الأمريكيّ، وستعتمد على سلّة عملاتٍ أكثر تنوّعًا لتحديد قيمة العملة المحليّة (مع الرنمينبي الصينيّ واليورو ودينار الكويت والبحرين، إضافةً إلى الريال العُمانيّ). ولن تسمح لعملتك المحلّيّة باستجلاب التضخّم من خلال المضاربة بالعملات، ولذلك ستؤسِّس معيارًا لضبط نظام صرف عملتك المحليّة.

مرسوم رقم 4: زيادة المشترَكات (the commons). ستَجمع السلعَ والخدمات العامّة ــــ مثل الرعاية الصحيّة والتعليم وتوصيل الماء والكهرباء ــــ وتَنقل إدارتَها إلى الدولة. ستصرخ الجماهير: "هذا ليس كافيًا" ــ ــ فهي تريد المزيد، وهي تدرك أنّ نظام ﺘﻮزﻳﻊ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء المركزيّ  لن يؤدّي إلّا إلى خلق بيروقراطيّةٍ هرميّة. ستخبر الجماهيرَ أنّ هذا أمرٌ موقّت، وستباشر الانتقالَ إلى نظام لامركزيّة شبكات إمدادات المياه والكهرباء، وإلى تعزيز الإجراءات البيئيّة، وبناءِ التعاونيّات المحلّيّة التي تدير هذه القطاعات اللامركزيّة. ستُعتبر هذه السلع والخدمات بمثابة أجورٍ اجتماعيّة، فلا تكون هناك أيُّ رسومٍ مقابل الحصول عليها. سيردّد الناسُ أنْ لا حضارةَ ينبغي أن تجني المالَ من التعليم أو الصحّة. وسوف تشجِّع على إنشاء تعاونيّات ولجانٍ محلّيّة لضمان توزيع الخدمات بشكل صحيح، ولضمان أن يكون العمل التطوعيّ جزءًا أساسًا من عملية خلق مجتمع غنيّ.

مرسوم رقم 5: زيادة الخدمات المصرفيّة الحكوميّة. يهتف الناس: "تسقط البنوك." يريدون منكَ تأميمَ القطاع المصرفيّ وتحويلَه إلى مرفقٍ عامّ يعمل من دون الاكتراث لتحقيق الربح. سيكون المزارعون ورجالُ الأعمال الصغار قادرين على الحصول على قروض، آخذين في الاعتبار أنّ أعمالهم التجاريّة لا يمكن أن تقدّم معدّلَ عائداتٍ، أو سرعةً في تأمين العائدات، مساوييْن لما يحقّقه القطاعُ الماليّ. فالمنافسة على هذه القروض ليست ممّا يمكن تحقيقُه عن طريق الاستثمار في المشتقّات الماليّة أو في سوق العملات؛ ذلك أنّ مهمّة هذه البنوك، على ما سيخبرك الناس، هي تعزيزُ الاقتصاد، لا  حصدُ الأموال لصالح البنوك والأوليغارشية ورأسِ المال الدوليّ.

مرسوم رقم 6: التصنيع الاشتراكيّ البيئيّ. سيُخبرك الناسُ بظروف حياتهم؛ فهم يعيشون في أكواخٍ وسط نفايات سائلة تطرحها المصانعُ القذرة. يريدون منك تأميمَ القطاعات الاستراتيجيّة، والعملَ بسرعة ومن دون تلكّؤ على تحويل التصنيع الملوّث إلى إنتاجٍ معنيٍّ بالبيئة، وذلك باستخدام الموادّ المنتَجة محلّيًّا قدر الإمكان، وعلى منع مشاركة جهات خارجيّة في القضاء على التلوّث من أجل تحويله إلى سلعةٍ مربحة.

مرسوم رقم 7: تقوية نقابات العمّال والفلّاحين. تعْلم أنّ قاعدتك هي في وسط العمّال والفلّاحين، فضلًا عن سكّان الأكواخ العشوائيّة. ولهذا فأنت تريد تعزيزَ قوّتهم، وتحويلَهم إلى جدارٍ قادرٍ على حمايتك من هجمات الأوليغارشية المحلّيّة والعسكر المحلّيين والإمبرياليّة. إذا لم تكن قاعدتُكَ قويّة، فستكون ضعيفًا. "نريد نقاباتٍ قويّة،" يهتف الناس؛ نقاباتٍ للعمّال ونقاباتٍ للفلّاحين. "نريد لنقاباتنا أن تتحكّم في مدّخراتنا ومعاشاتنا،"على حدّ قولهم، "من أجل إنشاء بنوك تعاونيّة للاستثمار في مجتمعاتنا، ولمنحنا التأمين." سوف تصبح هذه النقابات، إلى جانب التعاونيات ولجان الأحياء، أساسَ السلطة السياسيّة المحليّة.

مرسوم رقم 8: ضمان الكرامة. يجب ألّا يشعر الشعبُ أبدًا أنّ المجتمع أو الدولة قد خذلاهم. يقول الشعب: "لا نريد أن تكون الدولة بيروقراطيّةً نائيةً." فالشعب يناضل من أجل تعزيز كرامته، إذ "لا حريّة ما لم تكن لكلّ فئةٍ وجماعة" كما يقول. ستُمزَّق القوانين التي تَنتهك الكرامة، وستَصدر قوانينُ جديدة: قوانينُ تُحقّق المساواةَ بين الرجال والنساء في كلّ مجالات الحياة، من مكان العمل إلى الميراث؛ قوانينُ تمنح جميعَ الأقلّيّات الاجتماعيّة والمجموعات الإثنية الحريّةَ الكاملةَ في المجتمع والدولة. فالعلاقات بين الناس يُدمّرها تدخّلُ التراتبيّات والملْكيّة بينهم. "إنّ الكرامة والاحترام المتبادليْن،" على ما يقول الشعب، "هما القيمتان اللتان ينبغي أن تجمعا الشعبَ بعضَه إلى بعض."

مرسوم رقم 9: إنشاء لجنة حكوميّة للتنوير. جزء من تعزيز قاعدتكَ الشعبيّة يكمن في ضمان أن تكون إيديولوجيا الطبقة الحاكمة غيرَ إيديولوجيا الشعب. "دعونا نقرأ،" يقول الشعب، "دعونا نقرأ الكتبَ التي تتحدّث عنّا، ونقرأ على الإنترنت ما يعكس واقعَنا ولا يقلّل من شأننا." سوف تقوم أنت بتشكيل "لجنة حكوميّة" تدرس جميعَ المناهج المدرسيّة وجميعَ المطبوعات من أجل تقديم تقويمٍ نقديّ للقراءة والعلوم، يُعزِّز من قوّة الناس، ولا يقلّل من إحساسهم بذواتهم. وسوف تصرّ على أن يكافح الناسُ في سبيل جعل الإنترنت مكانًا للاحترام المتبادل، لا ساحةً للتعارك على المال والمصالح الأنانيّة.

مرسوم رقم 10: إلغاء مدح الأوليغارشيّة والانتقال إلى مدح الشعب. ستفكّك النصُبَ التي أقيمت على شرف الأوليغارشيّة والأسيادِ الاستعماريين، وستغيِّر أسماءَ الشوارع. "نكره أسماءَ الشوارع،" يُقاطع شخصٌ ما. ستنقل جميعَ التماثيل إلى "متحفِ تراتبيّات،" حيث سيتعلّم أطفالُ المدارس عن الأيّام القديمة من الاستعمار وحكم الأوليغارشيّة. ستنشئ مؤسّساتٍ ثقافيّةً تعزّز الممارسةَ الثقافيّة الشعبيّة، وستقدِّم أشكالًا أفقيّةً للترفيه والفرح ــــ بما في ذلك الترويجُ للمهرجانات والعروض في المراكز المجتمعيّة التي تديرها لجانُ الأحياء.

 

تتنافس الدول الرأسماليّة على تصدير الأسلحة وبيعها

 

ستتوقّع هجومًا من الإمبرياليّة. وسيأتي هذا الهجومُ فعلًا. فالاستثمار الأجنبيّ المباشر سوف يجفّ، وستأتي السفنُ الحربيّة مقابل شواطئ بلدك. لكنك تعلم أنّك لن تتمكّن من البقاء على قيد الحياة من دون قوّة إضافيّة لا بدّ من تفعيلها لكونها جزءًا من مشروعك لفكّ الارتباط الذي نادى به سمير أمين. وهذه القوّة هي: التحالف الإقليميّ (regionalism).

تدعو جيرانَكَ إلى مؤتمر، تطلب فيه موافقتَهم على تعزيز الاتفاقيّة الإقليميّة القديمة التي بقيتْ مُهملةً. هذه الاتفاقيّة الإقليميّة التي أعيد إحياؤها سيتعيّن عليها تسويةُ النزاعات الحدوديّة القديمة ــــ ومعظمُها من الإرث الاستعماريّ ــــ وستكون السبيلَ إلى  تعزيز الثقة بين جيرانك. ستأمل بالتأكيد أن تكون دولةٌ أو دولتان من دول الجوار ذاتَ قيادةٍ اشتراكيّة، أو أن تكون على الأقل حكومةٌ ذاتَ طروحاتٍ اشتراكيّة. سوف ترغب في دعم هذه الدول ودعمِ قياداتها. وسوف تريد منها أن توافق على شروط مواتية للتجارة الإقليميّة والتنمية الإقليميّة. كما أنّك تودّ أن تعقد معها اتفاقيّاتِ دفاعٍ مشترك كي لا يُضطرّ كلٌّ منكم إلى إنفاق الكثير على استيراد المعدّات العسكريّة. وسترغب في الاستثمار في شركة طيرانٍ إقليميّة، وفي شبكة سككٍ حديديّةٍ إقليميّة، فلا يُضطرّ مواطنوك إلى الذهاب إلى البلد الاستعماريّ القديم لتبديل رحلات الطائرات قبل الوصول إلى عاصمة جيرانك، بل سيستطيعون الانتقالَ مباشرةً من بلدٍ إلى آخر. وقد ترغب في إنشاء نظام عملة إقليميّة، بحيث لا تضطرّ إلى التعامل مع جيرانك باستخدام عملة القوى الإمبرياليّة.

نظام مصرفي إقليميّ، ومَنْفذ إعلاميّ إقليميّ، وتعديل إقليميّ للاحتياجات والمصالح بعيدًا عن عواصم المتروبول ولصالح الجيران: ذلك هو التحالف الإقليميّ غير المرتبط بالاستعمار (delinked regionalism).

عندها، ستَسمع الإمبرياليين يعوون كبنات آوى، عبر المسافات. سوف تأمل أن يكون لديك ما يكفي من الوقت، وأن يكون شعبُكَ صبورًا وقويًّا، وألّا يرضخ شركاؤك الإقليميون للضغط. لديك كتبُ سمير أمين بالقرب منك؛ إنّها إلى جانبك. لديك أملُكَ، وشعبُكَ، وسمير أمين. هذه بداية ... لا شيء جديدًا هنا. كلُّ شيء هنا سبق أن خضع للتجربة من قبل. وكلُّ شيء ينبغي أن يُجرَّب من جديد.

فيجاي براشاد

 

 مدير معهد Tricontinental للبحوث الاجتماعيّة؛ وهو معهد أبحاث مشترك في بوينس آيرس وجوهانيسبرغ ونيودلهي وساوباولو. وهو المحرّر الرئيس لمنشورات LeftWord  في نيودلهي، والمراسل الرئيس لـ Globetrotter.