كيف تصبح وزيرًا؟
17-09-2016

 

صحيحٌ أنّنا شعبٌ لا يقرأ إلّا الكفَّ والأبراج، لكنّ هناك نوعيّةً من الكتب تُطبع عشرات المرّات، ويُقبِل الناسُ على مطالعتها بنهمٍ شديد، ومن المؤكّد أنّ مؤلّفيها يجْنون الملايين. وعلى سبيل المثال نذكر من هذه العناين التي تلقى رواجًا كبيرًا:

ــــ كيف تحمي نفسك من العين والحسد؟

ــــ كيف تحصلين على قوام رشيق خلال شهرين وساعتين؟

ــــ كيف تتعلّم الإيطاليّة في ثلاثة أيّام؟

طمعًا في ما تدُرُّه مبيعاتُ هذه العناوين من أموال على أصحابها، عقدتُ العزمَ على تأليف كتاب من الوزن نفسه، يحمل عنوان: "كيف تُصبح وزيرًا؟" ولن يكون هذا الكتاب مجرّدَ هرطقات، أو محضَ تنظيرٍ لا علاقة له بما نعيشه، بل ستكون جذورُه ضاربةً في أعماق واقعنا؛ إذ تُعتبر تونس، حاليًّا، من أكثر البلدان التي يحظى فيها المواطنُ بفرصةِ أن يصبح وزيرًا. والأمر ليس مبالغة، بل يُعدّ حقيقةً علميّةً إذا ما نظرنا إلى المسألة من زاوية حسابيّة. وأسُوق إليكم، في ما يلي، المُعطيات التي تؤسّس لهذه الحقيقة:

أوّلًا: نحن بلدٌ صغيرٌ لا يتجاوز عددُ سكّانه 11 مليون نسمة؛ بينما تحكمنا حكوماتٌ أخطبوطيّة يتراوح عددُ أذرعها بين 25 و30 وزيرًا.

ثانيًا: في السابق، كان متوسّطُ عمر الوزير بين 8 و10 سنوات. أمّا في زمن الثورة، فهو في حدود السّنة... وبعض العقارات.

ثالثًا: تتغيّر الحكوماتُ بصفة دوريّة وسريعة. وكلّ حكومة تسكن في قصر القصبة أكثرَ من عام ونصف العام تُعدّ حكومةً هرِمةً ويجب أن تُشيّع إلى مثواها الأخير.

ولمّا كنتُ أعتبر هذه المقالة إشهارًا للكتاب، فسأُفصح عن بعض ما يحتويه من أفكار عامّة.

أولًا، المطلوب من أيّ متقدّم إلى هذه الوظيفة أن يكون مشهودًا له بالفساد ووساخة اليد. أمّا إذا كان نزيهًا وشريفًا ونظيفًا، فقد ضيّع الطريقَ أصلًا، أو سيكون عليه بذلُ مجهود مضاعف في الفساد والإفساد ليرتقي إلى مصاف المستَوزرين.

ثانيًا، سنعمل في الكتاب على تنمية مَلَكات الطامحين في التوزّر، ومنها: مَلَكةُ تغيير القناعات باستمرار بلا آلام ووخزات ضمير. وتُستحسن السرعةُ في التنقّل بينها، وصقلُ موهبة "الكنغَرَة" (أي القفز من حزب إلى آخر في زمن قياسيّ). وهنا نسأل: كم كنغَارو وزاريًّا قفز بين أكثر من ثلاثة أحزاب في زمن قياسيّ؟ وكيف قفزوا قفزتهم الكبرى وارتموْا في حضن السلطة؟ ولو أرسلنا بعضهم مع فريقنا الأولمبيّ لحصدنا بعض الميداليّات الإضافيّة، وتجنّبْنا الحصيلة الهزيلة التي خرجنا بها من مشاركتنا الأخيرة.

بالإضافة إلى ما سبق، سنُفرد حيّزًا مهمًّا من الكتاب للاستفاضة في شرح قيمة الكذب. ولن يكون ذلك دفاعًا عن هذه الرذيلة، وإنّما دفاعًا عن فضيلة "مُواكبة العصر"؛ فالوزير مُطالبٌ بألّا يتخلّف في أفكاره وممارساته عن عصره، ولا سيّما أنّ الصِّدق بات يُهرَّب كالسلاحِ من ليبيا، وكالبنزينِ من الجزائر.

وما زال في جعبتنا الكثيرُ من النصائح، لكنّنا نتركها كي تشتروا كتابنا، الذي ستجدونه في المكتبات قبل تغيير هذه الحكومة بإذن الله. وننتظر تفاعلاتكم وآراءكم حوله؛ فإذا شجّعتمونا فقد نعمد إلى إصدار جزءٍ ثانٍ بعنوان: "كيف تصبح رئيسَ وزراء؟"، أو جزءٍ ثالثٍ بعنوان: "كيف تُصبح رئيسَ جمهوريّة؟"

فلا تبخلوا علينا بالرأي والنصيحة والتجربة من دولكم العربيّة.

تونس

وائل بنجدو

كاتب وباحث من تونس.