هروب
04-02-2020

 

- كسرتِ زجاجَ النافذة مرّةً أخرى يا مجنونة!

- ولو أصبتُ هدفي لكان رأسُكَ هوالمحطَّمَ الآن.

اتّجه آدم إلى غرفته مُخرجًا ملابسَه من دولابه، وأصابعُه تهتزّ عصبيّةً. كان صراخُها يأتيه من الخارج:

- ستتركني أنهارُ وحدي، وتغادر مرّةً أخرى أيّها النذلُ الجبان.

حزم ملابسَه في الحقيبة. وعند وصوله بابَ الشقّة قال:

- استمرّي في الصراخ. ربّما يسمعُكِ أحدُهم، وينجيكِ من زوجٍ تلعنينه يوميًّا أمام الجميع.

أغلق بابَ المنزل بعنف وخرج. سمع هديرَ الرعد أثناء هبوطه، وهطلت الأمطارُ مع خروجه من باب العمارة كأنّها تنتظره.

لم يكن ذلك هو شجارَهما الأوّل، لكنّه الأكثرُ تأثيرًا في نفسه. بدأ بالتشكيك في قدراته ومظهرِه أمام الآخرين، وسمعها اليوم تصفه بـ"المجنون" أثناء حديثها مع صديقتها في الهاتف. لن يقبل أنْ تنعتَه بذلك أمام الآخرين، وهي منذ ما قبل الزواج على علمٍ بمرضه النفسيّ، وبمحاولاته المستمرّة للعلاج.

شعر بهاتفه يهتزّ في جيبه. أحسّ بصوت خطواتٍ سريعةٍ خلفه. الشارع مظلم لا يضيئُه سوى عمود نورٍ واحد. ترك هاتفه يرنّ مرّةً بعد مرّة. وعند إخراجه ليردّ في الثالثة، تسارعت الخطواتُ من ورائه، وإذ بأحدهم يخطف حقيبتَه من يده ويهرب. لم يفكّر آدم في العدْو وراء السارق الأبله الذي سرعان ما سيكتشف أنْ ليس في الحقيبة سوى ملابسَ مستعملة. في النهاية ردّ على زوجته وهو يقهقه.

- ماذا تريدين؟

- انت تضحك يا آدم.

- ولِمَ لا أضحك وقد صرتُ بلا ملابس؟

- أين أنت يا ...؟

أغلق الخطَّ في وجهها. لقد كره تلك المرأةَ التي تريد التحكّمَ في كلّ تفاصيل حياته منذ استيقاظه وحتّى نومه!

بدأ ينظر حوله باحثًا عن أيّ معالم تدلّه على المنطقة التي يوجد فيها، لكنّه فشل. وشعر مرّةً أخرى بخطواتٍ تقترب منه. نظر وراءه، فوجد شخصًا آخر يقترب منه. وضع الشخصُ الغريب يده على كتفه، فانتفض آدم من المفاجأة. لم يستطع تبيُّنَ ملامح وجهه بسبب ضعف الضوء. أخرج الغريب سكّينًا من جيبه وقال له:

- أعطني كلَّ ما تملك بهدوء إنْ كنت تريد أن تعيش.

بجرأة، أجابه آدم:

- وماذا إن كنتُ لا أريد أن أعيش؟

- ليس لديّ وقت للنقاش. هل ستُخرج ما في جيبك أمْ...؟

دفعه آدم بقوّةٍ فاجأت اللصَّ وفاجأت آدمَ أيضًا.ثمّركض سريعًا في أحد الشوارع الجانبيّة، وظلّ يجري في شوارع فرعيّة لا يعرفها، لها الإضاءةُ الضعيفةُ نفسها. وقع عدّة مرّات في برك طينيّة حتى ابتلّتْ ملابسُه تمامًا، وصوتُ الخطوات ما يزال يتبعه. عاد هاتفُه إلى الرنين. صرخ بصوتٍ أنهكه الخوف:

- أنا تائه. أنجديني.

سمع زوجته تقول:

- أين أنت؟

- لا أعرف، لكنّه يريد قتلي. أرجوكِ!

- من هذا الذي ...

خطف اللصُّ الهاتفَ من يدِ آدم، وأجابها بهدوء مخيف:

- أنا مَن سيقتل زوجَكِ الليلة.

ثمّ أغلق الخطَّ في وجهها.

***

جو خانق وظلام دامس.لابدّ أنّه في سيّارة تقوده إلى المجهول، وربّما إلى مقرّ اللصّ.تحسّس جيبه فلم يجد هاتفَه أو محفظتَه. توقّفت السيّارة فجأةً. سمع صوت خطواتٍ تقترب منه، تلاها صوتُ مفتاح يدور في مؤخّرة السيارة. انتظرَ ليرى وجهَ اللص مستعدًّا لقتله. وأثناء الانتظار، رأى حياتَه كلّها تمرّ أمامه.

رأى طفولتَه، وتذكّر رفضَ مَن حوله، بمن في ذلك أهلُه الذين اشترطوا شروطَهم الخاصّة ليحبّوه ويقْبلوه. وانعكس ذلك عليه مراهقًا، فسعى إلى أن يقْبل به كلُّ مَن حوله - - وهو ما قلّل من كرامته، فانعزل في الجامعة، يحاصره شعورٌ بالضآلة، فوضع هو الآخر شروطًا لقبول نفسه، ساعيًا أولًا إلى تغيير جسده المترهّل.

وتذكّر ليلته الأولى مع زوجته، وتساؤله إنْ كانت ترى جسدَه قبيحًا. وتذكّر شجارَهما الدائم بعد سؤاله الذي لا ينقطع: "لماذا تزوجتِني؟" فهو يعتقد أنّهلا يستحقّ امرأةً جميلةً مثلها، ولا أنّه يستحقّ الحياة أساسًا!

استمرّ الصمتُ الثقيل، ثمّ استجمع كلّ ما فيه من شجاعةٍ ودفع بابَ حقيبة السيّارة ببطء. خرج ونظر حوله، ليجد شارعًا طويلًا ضيّقًا لا تَبِين نهايتُه مضاءً بأعمدةِ نورٍ برتقاليّة. كانت الأمطار قد توقّفتْ، وصار الهواء باردًا. فكّر أنّ اللصّ قد يكون قريبًا، فركض بكلّ قوّته. لكنّ اللصّ لم يظهر. تساءل إلى متى سيهرب؟ وتذكّر أنّه قضى أكثر من نصف عمره هاربًا من قبول ذاته، أو مواجهتها، وشعر بما كان يشعر به دومًا: أنّ في داخله طفلًا صغيرًا يرغب في البكاء واللعب في الوقت نفسه؛ طفلًا كلُّ ما يتمنّاه هو أنْ يُحتضَن ويُحتوَى. وحين بدأ يشعر بالدموع تسيل على وجهه، سمع نداءً وراء ظهره:آدم!

نظر وراءه يبحث عن مصدر الصوت الأنثويّ، فلم يجد أحدًا. تكرّر النداءُ مرّةً أخرى. تنبّه إلى أنّ الصوت يشبه صوتَ زوجته. ولكن كيف عثرتْ عليه وهو نفسُه لا يعلم أين هو؟

هدأت الرياحُ فجأةً، وبدأت أنوارُ الأعمدة تنطفئ، حتّى لم يبقَ إلّا نور واحد في المنتصف حيث يقف. سمع النداء مرّة أخرى. وفجأة خرج اللص من الظلام، فرآه بوضوحٍ أصابه برعب شديد.

كان يخشى النوم وحده عندما كان صغيرًا بسبب رجلٍ يلاحقه دومًا في أحلامه راغبًا في قتله. كان طويلًا، مثلّث الوجه، ضيّقَ العينين، طويلَ الأنف، غليظَ الشفتين، متّشحًا بالسواد، في يده سكّين طويل. كان الوجه الذي شهده للتوّ هو ما لاحقه في كوابيس الصغر. سأله:

- ألن تردّ النداءَ يا آدم؟

أخذ آدم يرتجف من الخوف وهو يواجه أسوأَ كوابيسه وحيدًا بلا معين. تكرّر النداء، وبدأ اللصّ يقترب، وفي يده اليسرى هاتفُ آدم يرنّ، وفي يده الأخرى السكّينُ الطويلة. أجاب اللصّ على الهاتف قائلًا:

- زوجُكِ معي. سأقتلُه الآن.

انتهز آدم فرصةَ ردّ اللصّ على الهاتف، وأخذ يجري بأقصى سرعة، فسمع صوت اللصّ يأتيه من كلّ اتجاه وهو يضحك ويقول:

- هل تعتقد حقًّا أنّ بإمكانك الهربَ منّي؟

زاد من سرعته بلا فائدة؛ فصوتُ اللصّ قريب دائمًا. وصل إلى طريق مسدود وقد تقطّعتْ أنفاسُه، وبدأ يسير منهكًا بخطواتٍ سريعة، وصار صوتُ تنفّسه مسموعًا، ومختلطًا بضحكات اللصّ، يحوطه الظلامُ من كلّ مكان، ولا يرى ضوءًا قريبًا أو بعيدًا.

بدا له أنّه سيظلّ عالقًا في هذه المتاهة من الشوارع المتماثلة، يعيش حياتَه كلّها في ليلة واحدة. كان يسمع هدير الرعد، فينتفض، ثم يعقب صوتَ الرعد البرقُ، قبل أنْ يظهر وجهُ اللص أمامه مرّةً أخرى، قريبًا جدًّا، وهو يقهقه قائلًا:

- أنا داخلك يا آدم.

شعر بدوارٍ شديد، وكاد يغشى عليه حين أضاء البرقُ السماءَ مرّةً أخرى. عادت السماء تمطر، فركض بكلّ سرعته بعد أن استردّ بعضَ أنفاسه.

مازال الطريقُ طويلًا أمامه. لكنّ ضوءًا خافتًا عاد يرشده. رأى منزلًا خشبيًّا من بعيد، وخطوات اللصّ تقترب منه، وسمع صوتًا يصرخ به قائلاً:

- لا تدخل هذا المنزلَ يا آدم.

بلغ حديقةَ المنزل الذي بدا مهجورًا، فوجد بابَه مواربًا. نظر وراءه، ليجد اللصّ قد اقترب منه بشدّة. دخل مسرعًا، وأغلق الباب.

تحسّس طريقَه في بهو المنزل باحثًا عن مفتاح النور حتّى وجده. كان الضوءُ خافتًا مثل أعمدة النور في الخارج. بدا المنزلُ خاليًا. أمّا اللصّ فقد اختفى.

بدأ يتحرّك في المنزل الذي بدا مألوفًاجدًّا. بحث عن هاتفٍ للاتصال بزوجته، لكنّه لم يجده في الصالة أو المطبخ في الطابق الأرضيّ. صعد السلّمَ الآيل إلى السقوط باحثًا في غرف المنزل العُلويّة. وجد نفسَه في غرفةٍ ذكّرته بغرفته في بيت أهله. بل إنّها غرفتُه بالفعل! فراشُه بجوار الشبّاك كما يفضّله دائمًا حتى يتأمّل النجومَ ليلًا. مكتبتُه التي تحتوي الروايات التي تفصله عن واقعه في شمال الغرفة. على الكومودينو المجاور لفراشه صورُه في مراحل مختلفة من عمره. ووجد في أحد أدراجه مذكّراتِه القديمةَ التي توقّف عن كتابتها منذ عرف زوجته. قرأ بعضًا منها، واستوقفتْه رسالةٌ كتبها في عيد ميلاده العشرين بتوقيع "الهارب آدم":

"عزيزي الله، أتممتُ اليوم العشرين: عقديْن من الزمان على تلك الأرض اللعينة التي أرسلتَني لها. أشعرُ أنّي بلا فائدة أو هدف!

لماذا أنا موجود؟ لماذا أفكّر إنْ كنتُ موجودًا؟ ما فائدة تلك القاعدة؟ ما فائدة الحرّيّة إنْ لم أصل إلى كمالها يومًا؟ أشعرُ أنّك لا تستمع إلى صلواتي أو تساؤلاتي. وأعلمُ أنّني كثيرُ التفكير في أصلي وهدفي؛ ربّما لأنّي شعرتُ بالرفض في حاضري، فسعيتُ مفتّشًا في ماضيَّ عن القبول. وتساءلتُ خلال هذا البحث عن معنى الإنسانيّة والوجود.

أتساءلُ أحيانًا إنْ كنتَ موجودًا أساسًا، أمْ أنّك وهمٌ خلقتُه كي أنامَ مطمئنًّا إلى عدم فناء روحي؟

أتساءلُ أحيانًا أخرى عن حقيقة وجودي أنا شخصيًّا، فأتخيّل أنّني قصّةٌ يكتبها أحدهم - - قصّةٌ مملّة، سلبيّةٌ في حياة من حولها.

أنا أكرهُ نفسي، ولا أقبلها، فكيف أقبلُ حبَّكَ غيرَالمشروط، أو حتى أشعر به؟

أنا كائن غير قادر على الحبّ أو العطاء. شجرةٌ عجفاء بلا ظلّ أو فائدة. فهل ستتركني تلك السنة أيضًا أملًا في أن أُثمر؟"

سالت دموعُه وهو يقرأ تلك الرسالة. فقد مرّت السنون، ومازالت تساؤلاتُه بلا إجابة. سمع صوتَ خطوات يقترب من الغرفة بسرعة، فشعر بنبضه يرتفع. ولم تمرّ ثوانٍ حتّى رأى زوجتَه ماثلةً أمامه.

***

- لقد وجدتِني في النهاية.

- أنا لم أفقدْكَ حتّى أجدَكَ. أنا أنتَ. ألم نصِرْ واحدًا؟

- ولكنّكِ لا تقبلينني.

- كيف أرفضُكَ وأنا جزء منك؟

- لأنّني لا أستحقّكِ.

- أنا من حقّكَ. أحبّكَ. أقْبلكَ. ألا تكفيكَ هذه الأقوالُ لتكفَّ عن إلحاحكَ الدائم؟

- الأفعال هي ما يرضيني، وأنا أشعر برفضكِ عند فشلي.

- أنتَ مَن يريد الشعورَ بالرفض. أنتَ مَن يرغب الحياةَ في ظلام الماضي.

- تختفي عيوبي ويصير نوْحي رفيقي في الظلام...

- بل تظهر لكَ عيوبُكَ في الظلام، وتجلدُكَ لتزيد جراحَكَ تقرّحًا.

- وأراها في النور بوضوح.

- إنْ رأيتَها داويتَها ومنعتَ ظهورَها. وإنْ أخفيتَها التهمتْكَ من الداخل. والحلّ قبولُ وجودها. لقد شابت حياتَكَ تشوّهاتٌ مثل أبطال الروايات التي تهيم بها. عليك التوقّفُ عن الحياة في الكتب والقصص. أنت إنسان حقيقيّ.

- مؤلم أن أكون إنسانًا.

- والحياة في الوهم أكثر ألمًا.

- أهربُ من مواجهتِكِ، وأشعر بالخوفِ منكِ بدلًا من حبّك.

- هذا لأنّك تخشى مصالحتي.

- كيف أصالحُكِ وأنسى الماضي، وشخصيّتي المهزوزة مِن صُنعكِ أنتِ؟

- أنتَ تلومني على أحداثٍ لم يكن في مقدورنا تغييرُها.

- ولكنّها حدثتْ وجرحتني.

- عليكَ بالنسيان يا آدم. كفاكَ نظرًا إلى الخلف؛ كفاك نواحًا على ماضيك.

- لقد رفضوني.

- كانوا يحبّونك.

- كنتُ أصغرَ من استيعاب هذا الحبّ.

- لقد أخطأوا في حقّكَ، واعتذروا مئات المرّات.

- وما فائدة الأسف إنْ فات أوانُه؟

- الانتقام ليس حلًّا؛ فهو لن يعيدَكَ إلى الماضي كي تواجهَ تسلّط أهلك.

- لكنّه سيشفي غليلي.

- مازلتَ تتّخذ أعذارًا واهية كي تهرب من المواجهة.

- أنا أواجهُكِ الآن.

- إذًا أَدرِكِ الحقيقة.

فجأةً، ظهر حوله والداه، وهمايردّدان مع زوجته:

- نحن نحبُّكَ، نحن نَقْبلك.

اقتحم اللصُّ الغرفةَ في هذه اللحظة وهو يصرخ بهم:

- كاذبون. أنا مَن يحبُّكَ يا آدم.

ردّ آدم:

- بل أنت تريد قتلي.

- على العكس. أنا أساعدكَ على الهروب. أنا أعدو وراءك حتى تنسى همومَك، فتنشغلَ بالهروب كي تستمرّ حياتُك.

- تعبتُ من الهروب.

- ألا تتقدّم إلى الأمام؟

- هروبًا لا رغبة. أنا لا أفكّر في وجهتي. ما يهمّني فقط هو الهروب منك، فأصيبُ في اختيار الطريق مرّةً وأخفقُ مئاتِ المرات.

- ها قد قلتَها: تصيب مرّةً.

تدخّلت الزوجة:

- وماذا عن المئات الأخرى؟

ردّ اللص في غضب:

- أنت ترغبين في أن يدركَ صعوبة الحريّة.

- تلك هي الحياة؛ حياتُه. أما انت فكلُّ ما تفكر فيه هو سرقة حياته.

- كاذبة.

نظرت الزوجة إلى اللصّ في تحدٍّ واضح وقالت:

- إذًا، فلنتركْ له الاختيار. آدم، هل ترغب في الحياة هاربًا؟

شعر آدم بدوار شديد في رأسه. وصرخ، فبدأ المنزلُ في التهّدم من حوله. أخذتْه زوجتُه من يده، حتى أوصلته إلى باب المنزل. وهناك، أمسك به اللصُّ من اليد الأخرى، حتى شعر بأنّه سينشقّ إلى نصفين. حينها، سمع زوجتَه تقول:

- آدم، قرّر مع من تريد.

ردّ آدم:

- لا أعرف. أنا أحبّكِ، لكنّه يمتلك سلاحًا قد يُنجيني.

- إنّه يخدعُكَ. عليك مواجهته إنْ كنتَ تحبُّني؛ فقد أهانني مرارًا.

ضحك اللصّ ضحكةً مجلجلةً وقال:

- وسأستمرّ في ذلك إنْ لم تصمتي وتتركيه.

التفت إليه آدم في تلك اللحظة، وخطف السكّينَ من يده وطعنه بها، ثمّ هرب ممسكًا بيد زوجته، وتركها تقوده حتّى اقتربا من المنزل. وقبل دخولهما شعر بنخزة شديدة في قدمه. كان اللص قد تبعهما. أخرجت الزوجةُ مسدّسًا من حقيبتها، وأفرغتْ طلقاتِه فيه، ثمّ ساعدتْ زوجَها في الصعود إلى المنزل، وأوصلتْه إلى فراشه، وضمّدتْ قدمه التي تنزف. وقبل أن يخلد آدم إلى النوم سألها:

- هل ستتركينني؟

أجابته وهي تملّس جبينَه بيدها الناعمة:

- لم ولن أتركك. لا تخف.

***

استيقظ آدم من نومه ورأسُه ثقيل جدًّا. نهض بصعوبة من فراشه، واتجه إلى دورة المياه. كان يشعر بألمٍ في قدمه. نظر في المرآة ليجد شعرَه الأسود وقد استحال أبيضَ، وتغضّن جلدُ وجهه المشدود. شعر بقرب نهايته، فخرج من الحمّام متّجهًا إلى فراشه، وتمدّد تاركًا ضوءَ الشمس يغمره. سمع صوت زوجته من خارج الغرفة:

- هل انت مستعدٌّ لمقابلته اليوم يا آدم؟

- ما دمتِ معي، فأنا مستعدّ دومًا.

دخل اللصُّ الغرفة، فلم يخشَه هذه المرّة، وقابله كعدوّ قديم استحال صديقًا. ابتسم له، وقال:

- مازال أثرُكَ في قدمي.

- هل أنت مستعدّ اليوم؟

نظر آدم إلى زوجته التي ابتسمتْ له، وقال:

- أنا مستعدّ.

اقترب منه اللصّ، فظهر له جناحان قاتما السواد، وطبع قبلةً على شفتيه، وطار بعيدًا.

يوحنا ويليام

كاتب مصريّ.