قصائد
تُضاجع الغربةُ ذاكرةَ العابرين؛
وأنا ــــ من شدّةِ الوحدةِ ــــ أضاجعُ كفَّ يدي.
كلُّ الدروب تبدأُ وتنتهي؛
وحدَها الطريقُ إليكِ
تسافرُ بي إلى الوراء.
***
هنا أعمدةُ النورِ تبكي،
والشواطئُ نامت متعبةً.
هنا وجهُ المدينةِ يَرْشحُ...
لا تنظرْ إلى تلك الصور!
تخيّلْ ما نحن عليه الآن:
تخيّلْ كيف تتوارى أجسادُنا في ملابسَ فضفاضة مثلِ ثيابِ الكهنة؛
كيف نُخفي وجوهَنا في لحًى اصطناعيّة،
ونتعكّزُ على أرجلٍ من خشب.
لم نأتِ من الحانات، ولا من التكايا؛
لم نثملْ، ولم تصرعْنا نوباتُ تأمّل...
على الضفاف
أنا شفّافةٌ جدًّا:
كلّما جلستُ تموّجتُ.
جميلٌ أن تبقى ممدَّدًا على شاطئ البحر؛
عندما يسألونكَ عن ارتفاعكَ تجيبُ:
هو ارتفاعُ سطحِ البحر.
وعندما ترى امرأةً جالسةً على كرسيّ،
تتذكّر جبلًا قد يختفي فجأةً...
مثلما ستختفي الآنَ
حين تغورُ...
الكلمة التي لم أنطقْ بها إلى الآن
أكثرُ حرّيّةً
من كلّ ما أطلقه صوتي
قُبالة هذا العالم.
***
يغدو هذا اليومُ
كجرحٍ ينكأ نفسَه
بنفسه.
***
تبعتُ العزلةَ
بكامل قواي العقليّة
خِيارًا
أمام كلّ هذا العدَم...
رجلٌ يشبه حبيبتي الأولى
يقطع الطريقَ الغريب
الطريق ممتلئٌ بأوراق الخريفِ
الاوراق لا صفراءُ ولا خضراء
والرجل لا ثديين له.
***
على المقعدِ الهزّاز نتشاركُ قهوتنا،
انا ودونكيشوت وسانشو،
التلفاز مليءٌ بالقذورات
والكثيرِ من الجنسِ...
خفقةٌ في الروحِ،
أغنيةٌ من الأزهارِ،
ضَمّةُ عاشقيْنِ تواعدا بيروت.
شهقةُ نسمةٍ جمحَ الهواءُ بخفّةٍ...
لتمُرَّ في جسدِ النهار على يديه
وتستريحَ على تنهّدِ فتنةِ امرأةٍ
تمرُّ على طريقِ البحر
تأسرهُ وتمضي.
يركض الزبدُ الخفيفُ على الرمال
ملاحقًا...
1
نكايةً بالقَصيدة،
قد أرسمُكَ غدًا
... دون ملامِح.
لن أغمسَ فُرشاتي
في أكثرَ من لونيْن
... وبعضِ البياضِ.
قد لا تعني اللوحةُ
بقايا العطر العالِق،
لكنّ ملامحَكَ ستهتمّ.
2
لا تفارقِ الجدار.
اُتركْه يلتحِف صمتكَ
أكثرَ...
يهلُّ عليك
وسنبلاتُ القمح تنفرطُ من جبينه على جلبابه الأبيض،
يباغتُك بضحكتِه
التي تذكّركَ بالفخاخ التي كنتَ تنصبُها صغيرًا،
ولم تفلحْ أبدًا فى صيد عصفورةٍ شاردة.
تبتسمُ حين يحاولُ أن يبدو ماكرًا
وهو يغمزُ بعينِه اليسرى
وتراودك فكرة أنّ حساباتِ...
غناء
أنا صديقُ الحياةِ
المتمرّدُ على الموت.
كلّما حاول أن ينتزعَني من حضنكِ
أركلُه بغنائي.
تساقطْ يا هذا الثلج...
تساقط ْ بغزارة ٍ يا هذا الثلجْ
تساقطْ...
قد تجعلُ ثوبَ عبوديّتنا أقلَّ سوادًا.
محطّات
كما تنفرط حبّاتُ الفاكهةِ عن شجرتها
تنفرط...
1
الحربُ بلا قناع،
وفي وضحِ النهار،
أمام عينيْكِ،
تَسرق طفلتَكِ
تَسرق الحلمَ مع وشاحٍ مليءٍ بقوسِ قزح
دمية بين ذراعَيْ راكبةِ الدراجةِ الهوائيّة،
قذيفة تعترض مسارَها،
تمسك برقبتها،
تسرق ضحكتَها،
تترك في الزهور ملابسَها
وبضعَ كيلوغراماتٍ من اللحم....
يقول المحرِّرُ إنّه نصٌّ سريع ...
نصٌّ لاهث.
"كيف نكتب نصًّا لا يلهثُ على بابِ القيامة؟"
ساعي البريد يقولُ إنّه يُثقلُ حركتَه،
ويجعله هدفًا سهلًا لشهوةِ القنّاصة.
الطيورُ المهاجرة تخشى أن تثيرَ الأغنيةُ في الرسالة
حفيظةَ رجال أمن الحدود.
وكلُّ...
بِاْسْمِكْ يَاْ أُمِّي
بِاْسْمِ رَضْوَىْ مُصْطَفَى مْحَمَّدْ عَاْشُورْ
الأرضِ دِي رِضْيِتْ تِدُورْ
رَغْمِ الليْ كَاسِرْ ضَهْرَهَا مِنْ كُلِّ جُورْ
الأرضِ بِاْسْمِكْ قَرَّرِتْ تِبْقَى بَنِي آَدَمْ كَرِيمْ
الضَّهْرِ مَحْنِي بِسِّ بَايِنْ مُسْتَقِيمْ...
1
غريبٌ؛
يضيقُ بي الكونُ،
والكائنات تحومُ،
لتلتفَّ حولي كحبلِ غسيلٍ نثرتُ عليه غنائيَ يومًا.
يضيق الغناءُ،
يُردّدني،
فتنسلُّ حنجرتي مثل لصّ خفيف.
غريبٌ؛
فلا صوتَ...لا أجنحه،
كما دودة أمخرُ الأرضَ؛
أعمى أُلاحقُ ما طاب من جثثِ...
1
الصبيُّ النحّاتُ
غارقٌ
في نحتِ شيخوخته.
2
أختاي الكبيرتان "لا" و"ليس"
أمسكتا بيدي، أنا الأعمى،
ومضينا لننثرَ الجزالاتِ في البحرِ... ونضحك!
3
في تضاعيف الأصواتِ المخنوقة
القادمةِ من...
من دون أيّة رحمةٍ
أو شفقة،
دفعَنا الطغاةُ
من اليابسة إلى البحر.
وهناكَ، في عرضه،
وقعْنا في أيدي القراصنة.
وراحوا يفتّشوننا بنهمٍ
بحثًا عن المال والذّهب،
فلم يجدوا في جيوبنا
سوى دُحل الأطفال،
وتحتَ أظافرنا
ما ادّخرناهُ
من تراب الوطن...