قصة قصيرة

  استيقظ حازم مذعورًا، يكاد يختنق من كابوسٍ يلاحقه منذ سنوات. مدّ يده لاهثًا إلى الطاولة القريبة متحسِّسًا نظّارتيْه. جلس بصعوبة ليرى التلفاز يجترّ برنامجَ الليلة الماضية، عن تمساحٍ يعيش في كوبا. نزع نظّارتيْه وبدأ يفرك عينيْه بقوّة، محاولًا ضبط...
  لم أكن أعرف أنّ زيارتي الأخيرة للجامعة، من أجل تصديق شهادة التخرّج قبل السفر، ستعيدني سنواتٍ إلى الوراء. فما إنْ أخذتُ مكاني من الحافلة حتّى راح شريطٌ طويلٌ من الذكريات يمرُّ سريعًا كأنّ يدًا تديرُه رغمًا عنّي. لطالما زرتُ الجامعة بعد تخرّجي...
في سكون عندما رأيتهما في تلك الحديقة جذبني إليهما شيء لا أعرفه، جعلني أتتبّعهما بعينيّ، على الرغم من  بحر الرؤوس السوداء الذي كان يغمر المكان. كانا مسنّيْن تجاوزا الثمانين، ولكنّ البريق الكامن في قلبيهما ينعكس بوضوح على وجهيهما، فيكسو الخطوط...
          العيون كلّها تتلفَّت نحوها. مَشَت متباهيةً بثوبها الصوفيّ الأخضر القصير الملتصق بجسمها. إنّه لَشُعورٌ رائعٌ وغريب أن تمشي في الشارع والعيونُ محدِّقةٌ اليك. عيونُ الرجال تتفحّصُها بدقّةٍ وبإعجابٍ واضحيْن، والنساءُ تَستَرقُ النظر إليها غيرةً...
DNA
  الساعة الواحدة ظهرًا، تشرين الثاني. ما إنْ تراءت له المدينةُ من نافذة الباص العموميّ، حتّى قفزتْ إلى السطح كلُّ الذكريات التي ظنّها منسيّةً. "عشرون عامًا من الغياب مرّت بسرعة البرق،" قال الرجلُ الخمسينيُّ لنفسه.   ــــ أظنّك أتيتَ كي تتطهّر. قالت...
  ينوء جسدي تحت ثقل الحاجيّات والحقائب التي أحملها، وأنجحُ بصعوبةٍ في حشر نفسي في المقعد الأخير من الباص الصغير الذي سيقلّني إلى دمشق، فلم أنتبه في الحال إلى أنّها كانت تبكي إلى جانبي. كانت تبكي بصمتٍ وهي تشيح بوجهها إلى زجاج الشبّاك، إلّا أنّ قطرات...
  عزيزتي أوبرا وينفري: "يجب ألّا نكتفي بالنجاة، بل علينا أن نسعى إلى حياةٍ أفضل." أنا رامي من سورية، مواليد 1978، موظّف، وراتبي الشهريّ حتّى هذه اللحظة خمسون دولارًا تقريبًا. لديّ مقهى ثقافيّ اسمُه "قصيدة نثر" يهتمّ بالشعر، وتُقام فيه شتّى النشاطات...
  تشاجرتْ ناديا مع خطيبها حول أمور متعدّدة، أهمُّها غيابُه المستمرّ عنها للعمل في المدينة، ورمت محبسَ خطوبتها في بئر دارهم!   جاءت ناديا إليّ، بعد أن أوشكا على التصالح ، تطلب إليّ أن أُخرج الخاتمَ من البئر. قلت لها: "كيف أبحث عنه في ظلمة البئر؟"...
  عندما التقينا صافحني بحرارة قائلًا: "أنا سعيد." قلت: "أنا أيضًا." ردَّ ضاحكًا: "أقصد اسمي سعيد، وهو اسمي الحقيقي." ابتسمتُ ونظرتُ إليه مليًّا. لم تكن تبدو عليه أيٌّ من أمارات السعادة، حتّى إنّك عندما تراه تشفق عليه. كان يُسمي نفسه على الفيسبوك: "...
  لا أدري كم أمتدّ نومي على هذه الحالة.   يدي تحت رأسي، وعنقي ملتوٍ، وتنفّسي مضطربٌ حتى لأكاد أختنق. لا يدَ تربّتُ بحنانٍ على رأسي أو كتفي، أو تداعبُ خدّي، لتنبّهَني بسلاسةٍ إلى أنّ نومي سيّئ، وإلى أنّه ثمّة مَن يهتمّ بي وبراحتي. لم أجدْها حيث ننام...
  الأيّامُ التسعة الأولى كانت سريعة، مألوفة، ولنقل إنّها متوقعةً إلى حدٍّ بعيد. كانوا "عادلين": إذ عاملوا الجميعَ بالقسوة نفسها؛ مهنييّن: إذ أدّوا الوظيفةَ المنوطةَ بهم بإتقانٍ شديد. وكانوا كلّهم رجالًا. عنصرُ المفاجأة المفقود قتلَ ارتباكًا كان...
  كان يومًا غائمًا من أيّام الصيف، عندما جاءني زبون وسألني عن المدّة التي أحتاجها لإنجاز شاهدة قبرٍ من رخام. أخرج من جيب سترته الداخليّ ورقة منزوعة من دفتر مدرسيّ، كتب عليها اسم "ميِّتِـ"ـه مع رقم وثيقة الدفن. قدّم إليّ نصف المبلغ المطلوب، ووعد...
لم أعدْ أذكر كيف وقعَ عليّ الاختيارُ للذهاب إلى السّوق وشراء كفنٍ لأعزّ الأصدقاء وأحبِّهم إلى قلبي، صديقي الذي توفّيَ متأثّرًا بالسرطان. ولم أعدْ أذكر كيف، أو لماذا قبلتُ هذه المهمّةَ المؤلمة. ما أذكرهُ أنّ هذا حدثَ منذ أكثر من عشر سنوات، وأنّني...
  الطلقة غطّى الغرفةَ ظلامٌ دامس، عدا خطّ يتيم من النور، انطلقَ من شمسٍ حمراءَ، وتسرّب عبر شبّاك فقدَ هدفه منذ زمن، ليحطّ على وجهٍ خائفٍ دامع. ارتجف صوتُ الوجه هامسًا: ــــ أرجوك، أنور، ماذا يحلّ بعائلتي، بأولادي؟! لم يرتجف المسدّس بيد أنور. نظر إلى...
  ساحةٌ واسعة، وحديقةٌ مترامية، وشرفةٌ محجوزةٌ بالقضبان الحديديّة الغليظة، كأنّما هي رهن الاعتقال! شرفةٌ أوقفتْ عن العمل منذ سنين. اتُّخِذتْ كلُّ الاحتياطات كي لا يعودَ ويصعدَ إليها أحد. ساحةٌ ممتلئةٌ بالحصى. حصًى متزاحم، ولا يشبه بعضُه بعضًا،...