القلعة المقوّمات العسكرية والاقتصادية في "إسرائيل": مظاهر القوة والضعف
31-10-2018

 

تنشر الآداب على عدّة حلقات دراسةً طويلةً بعنوان "القلعة: المقوِّمات العسكريّة والاقتصاديّة في إسرائيل ــ مظاهر القوة والضعف" للأسير القائد كميل أبو حنيش، عضو اللجنة المركزيّة العامّة للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، ومسؤول قيادة فرع المنظّمة في سجون الاحتلال. وقد وصلتنا الدراسة على الرغم من العقبات الكأداء. فشكرًا للقائد البطل لأنه خصّ الآداب بدراسته، وشكرًا لكلّ من أسهم في إيصالها إلينا.

***

تُعالج هذه الدراسة واقعَ "إسرائيل" بوصفها جيْبًا استيطانيًّا غريبًا عن المنطقة، ومن مخلَّفات المنظومة الاستعماريّة العالميّة البائدة. وقد اخترتُ اسمَ "القلعة" لأنّ مواصفاتِ القلعة تكاد تنطبق على "إسرائيل" من حيث القوّة والوظيفة والعزلة، ولأنّ هذه التسمية جاءت على لسان أبرز قادة الحركة الصهيونيّة ومؤسّسي دولة الكيان.

ركزّتْ هذه الدراسة على البعديْن العسكريّ والاقتصاديّ مقوِّميْن رئيسيْن في استمرار هذه القلعة. واستعرضتْ سلسلةَ مواقف صهيونيّة من أجل رسم مستقبل هذه القلعة والدورِ المنوطِ بها، والعلاقةِ العضويّةِ التي ربطتْها (وما تزال تربطها) بالدول الكبرى. كما حاولتْ رسمَ تصوّرات هذه القلعة لـ"السلام" و"التعايش" و"الأمن." واختُتمت باستعراض المأزق الإستراتيجيّ وسلسلة التحدّيات التي تواجه هذه القلعة وتضع علامةَ استفهام كبيرةً حول مستقبلها، وذلك في ظلّ استمرار المقاومة الفلسطينيّة والعربيّة، فضلًا عن تنامي حدّة التناقضات داخل مجتمعها.

على أنّ الإجابة عن مثل هذه الأسئلة تحتاج إلى أبحاثٍ مُعمَّقة. حسبُ هذه الدراسة أن تقدّم إضاءاتٍ خاطفة على أبرز مظاهر قوّة هذه القلعة وضعفها.

 

قلعة "إسرائيل" ــــ في اللغة والسياق التاريخيّ

كان ثيودور هرتزل، مؤسِّسُ الحركة الصهيونيّة، أوّلَ مَن استخدم مفهومَ "القلعة" للدلالة على ماهيّة الدولة اليهوديّة المتخيّلة، وذلك حين كتب في الدولة اليهوديّة أنّ "الدولة اليهوديّة ستكون قلعةً أماميّةً للحضارة الغربيّة في وجه بربريّة الشرق." وفي رأينا أنّ مفهومَ "القلعة" لم يأتِ زلّةَ قلم لدى هرتزل، وإنّما هو بمثابة تصوّر سياسيّ واستراتيجيّ للدولة اليهوديّة المتخيّلة ــــ هويّةً ووظيفةً ومعنًى تاريخيًّا.

في اللغة، "القلعة" تعني الحصنَ الممتنع، أو الصخرةَ العالية التي يَصعب تسلّقُها والوصولُ إليها. وهي تُبنى في أماكنَ مرتفعة، وتُشيَّد بحجارةٍ صلبة، وتُحاط بأسوارٍ منيعة، وتكون مدجّجةً بالأسلحة. وهي دائمًا معزولةٌ عن المناطق السكّانيّة، وتُشرف عليها من بُعد، ويقطنها الأقوياءُ والأثرياءُ. وهي مكانٌ للعساكر والجند. إنّها رمزٌ للقوة، ولا يدخلها إلّا مَن له علاقةٌ مباشرةٌ بها، فتكون أبوابُها مغلقةً معظم الوقت. وهي جزءٌ من النظام السياسيّ: يحميها، وتحميه بالعساكر والموارد.

أمّا في التاريخ، فثمّة أشكالٌ مختلفةٌ من القلاع، ولاسيّما في العصور الوسطى. فقد دأب الإقطاعيون على بناء قلاعٍ حصينةٍ يتحصّنون فيها، ويُشْرفون منها على مُمتلكاتهم، ويُمارسون سطوتَهم وإذلالَهم للأقنان. وقبل ألف عامٍ شهدنا، بعد احتلال فلسطين وأجزاءٍ من بلاد الشام، القلاعَ الصليبيّةَ التي شكّلتْ في غالبيّتها أساسًا للحملات الصليبيّة واستمراريّتها أزيدَ من قرنين، قبل أن تنهار الواحدةُ تلو الأخرى.

إذًا، تطابقتْ رؤيةُ هرتزل لهذه الدولة ــــ القلعة مع المعنى اللغويّ، ومع السياق التاريخيّ والسياسيّ. لكنّ هذه القلعة الصهيونيّة، "البيضاءَ في عالمٍ أسود،" على ما يقول إيلان بابِه، تحتاج إلى مَن يدافع عنها.(1) لذا كان هرتزل يُقدِّم، دومًا، مشروعَه بأفضل طريقةٍ تروق مَن يَستمع إليه: فتعهّدَ لقيصر ألمانيا بأنّ الدولة اليهوديّة ستكون نقطةَ مراقبةٍ لبرلين، ووعد رئيسَ وزراء بريطانيا بأن تكون مستعمرةً للإمبراطورية البريطانيّة، وهكذا.(2)

ولأنّ الحركة الصهيونيّة تبحث عن قوًى عظمى تبني مشروعَها، فقد عثرتْ على ضالّتها في بريطانيا العظمى. وقد وجد حاييم وايزمان، مهندسُ التحالف بين الحركة الصهيونيّة وهذه الدولة، أنّ الفرمان الذي أخفق هرتزل في الحصول عليه من العثمانيين قد حصل عليه وايزمان من البريطانيين سنة 1917، وذلك في تصريح بلفور.(3) فقام وايزمان بتعبيد التحالف مع بريطانيا، وجعله حجرَ الزاوية في السياسة الصهيونيّة طوال النصف الأول من القرن العشرين.(4)

بيْد أنّ الآباءَ المؤسِّسين للصهيونيّة، ومَن جاء بعدهم، كانوا يدركون أنّ العرب والفلسطينيين لن يستسلموا، وأنّهم سيقاومون هذا المشروعَ الذي يَستهدف وجودَهم ويُهدِّد أمنَهم ومستقبلهم. وفي هذا الصدد يقول جابوتنسكي، الأبُ الروحيّ لليمين الصهيونيّ ولبنيامين نتنياهو: "إنّني آمل وأؤمن بأنّنا سوف نُقدِّم لهم ــــ أي للعرب حينذاك ــــ ضماناتٍ ترضيهم. وسوف يتعايش الشعبان في سلام كجيران طيّبين. ولكنَ الطريقَ الوحيد لهذا الاتفاق يَمُرّ عبر تأسيس الحائط الحديديّ، بمعنى أن يتمّ بناءُ قوةٍ في فلسطين لا تتأثّر بالعرب." (5) إذًا، أولًا وقبل كلّ شيء، يجب أن تُبنى القلعةُ العسكريّة، أو "الجدارُ الحديديّ" (على حدّ وصف جابوتنسكي)؛ وهذه القلعة هي التي ستَفرض "السلام"... لكنْ من منطق القوّة والردع. فلقد آمن جابتونسكي وبن غوريون وغيرُهما بأنّ العرب سوف يواصلون القتالَ ما بقي لديهم أملٌ في منع اليهود من السيطرة على بلدهم. وقد توصّلا كلاهما إلى أنّ القوة العسكريّة اليهوديّة هي وحدها القادرة على جعل اليأس يدبّ في نفوس العرب ويرغمهم على القبول بدولة يهوديّة في فلسطين. (6)

ويشرح بن غوريون في خطابٍ له سنة 1948 (بعد إعلان دولة "إسرائيل") مفهومَه الأعمق لقوة هذه القلعة بالقول إنّ أمن إسرائيل لن يعتمد بشكلٍ كلّيّ "على القوات المسلّحة. فأساليبُنا في الاستيطان سوف تُقرِّر أمنَ الدولة على نحوٍ لا يقلّ عن إقامة جيش استيطانيّ زراعيّ كثيف على امتداد الحدود، وسلسلةٍ من المزارع، مع أبنيتها في الشمال، وعلى الساحل، وعلى امتداد الأردن، وفي النقَب. وهو الذي سيقوم بدور الردْع الحقيقيّ من أجل حماية البلاد من أيّ هجومٍ خارجيّ. ليست القلاعُ الحجريّة صامتةً، وإنّما [هي] العيش والعملُ والجدارُ البشريّ المنتِج. إنّه الجدار الوحيد الذي لم تردعْه أو تهدمْه قوّةُ نيران العدوّ...." (7) بمعنًى آخر، هذه الدولة ستتحوّل، بكلّ مقوّماتها، إلى ثكنةٍ حربيّة. فهل تستطيع هذه الدولة ــــ القلعة أن تعيش بغير القوّة والحرب؟

ويلخّص رئيسُ الوزراء الإسرائيليّ الأسبق إسحق شامير سنة 1992 جوهرَ هذه الدولة بالقول: "الحرب لا مفرّ منها؛ أي إنّه من دون ذلك لن تكون هناك فرصةٌ للحياة، ولن تكون هناك أيّةُ فرصة لبقاء الأمّة." (8)  فهل هذا هو منطقُ "دولة ديمقراطيّة تسعى إلى السلام مع جيرانها"؟

وهذا بنيامين نتنياهو، رئيسُ الوزراء الحاليّ، يؤكّد الأمرَ نفسَه في كتابه، مكان بين الأمم (1993)، حين يقول: "إنّ المتطلِّبات القوميّة لإسرائيل تستوجب استمرارَ السيطرة على الجدار الواقي، المتمثّلِ في جبال الضفّة الغربيّة."(9) ويتابع: "القوّة هي حجرُ الزاوية لكلّ جهدٍ يَستهدف كسبَ حلفاء جدُدٍ، والمحافظةَ على تحالفاتٍ قائمة." (10)  ونتنياهو لم يتغيّرْ بعد أكثر من ربع قرن على كلامه هذا، وهو حاليًّا يقود "القلعةَ" من حربٍ إلى أخرى، ويبشّر بحروبٍ في قادم الأيام. ولأنّ القلعة لا يُمكن أن تعيش بلا أسوارٍ وتحصينات، فهو يصرّح عام 2010 بالقول: "في نهاية المطاف، لن يكون هناك من مفرّ سوى إغلاق دولة إسرائيل من كلّ جوانبها. (11)

وبالفعل، منذ أعوامٍ قليلة، وفي عهد نتنياهو تحديدًا، شرعتْ "إسرائيل" في بناء سلسلةٍ من الجدران على حدودها، استكمالًا لجدار الفصل العنصريّ بين الضفّة وفلسطين المحتلّة عام 48. فأنشأتْ جدرانًا على حدود مصر والأردنّ والجولان ولبنان وغزّة، وجدرانًا في البحر أيضًا. وهكذا باتت عبارةً عن قلعةٍ عسكريّة كاملة فرضتْ على نفسها أسسَ العزلة والفصل.  (12)

 

القلعة: بين التوسّع والتراجع

غير أنّ بقاء القلعة يفرض التوسّع أحيانًا. وللتذكير، فإنّه عندما أصبح واضحًا في أواسط الستينيّات أنّ العالم العربيّ والحركةَ الوطنيّة الفلسطينيّة يَرفضان التسليمَ بالواقع الذي أوجدتْه "القلعة،" قرّرتْ هذه الأخيرةُ توسيعَ سيطرتها الإقليميّة. فاحتلّتْ بقيّةَ فلسطين في حزيران عام 1967، بالإضافة إلى أجزاء من سوريا ومصر والأردن، وأضافتْ في وقتٍ لاحقٍ الجنوبَ اللبنانيّ إلى إمبراطوريّتها المصغّرة، وغدّت سياستُها توسعيّةً من أجل حماية هذه القلعة.(13)

إلّا أنّ قوةَ المقاومة في فلسطين ولبنان فرضتْ على "القلعة" التراجعَ. ويدلُّ انسحابُ "إسرائيل" من الجنوب اللبنانيّ (أيّار 2000)، ومن قطاع غزّة (آب 2005)، على أنّ الحكومة الإسرائيليّة انتقلتْ إلى التركيز على الجوانب التي تعتقد أنّها أجدى في المحافظة على مناعة القلعة، من قبيل: تقوية جيشها، وترسيخ قوّتها النوويّة، والحصول على الدعم الأميركيّ غير المشروط.

ثمّة ما يشبه الإجماعَ الحاليّ الإسرائيليّ على دولةٍ تشتمل حدودُها على 90 % من فلسطين، شرط أن تحاطَ أراضيها بسياجاتٍ مكهربة وجدرانٍ ظاهرةٍ وغير ظاهرة، (14) فضلًا عن إقامة قبّةٍ حديديّة في السماءٍ. وهذا التفكير العسكريّ ليس حديثًا. فإذا عدنا إلى التاريخ، وجدنا أنّ قيادات "اليشوف" اهتمّت بتجنيد الشباب اليهوديّ من خلال المنظّمات العسكريّة، وعلى رأسها الهاغانا، من أجل محاربة الإنجليز والعرب، كمرحلة من مراحل الاستعداد لإقامة الدولة اليهوديّة العتيدة. وبعد منح "إسرائيل" صفةَ الدولة، عقب التوقيع على اتفاقيّة الهدنة وتفكيك المنظّمات العسكريّة، تحوّل هذا التوجّهُ إلى جعل "إسرائيل" مجتمعًا مجنَّدًا. (15)

 

قوننة الهيمنة

لم تستطع القلعة، بعد سبعين عامًا من تأسيسها، التحوّلَ إلى قلعةٍ يهوديّةٍ صافية، على الرغم من طردها مئاتِ ألوف الفلسطينيين سنة 1948. فقد بات الشعبُ الفلسطينيّ، بفضل صموده على الأرض، يضاهي من ناحية العدد السكّانَ اليهودَ في هذه القلعة، وقد يتفوّق عليهم في المستقبل القريب. ولهذا اتّبعت القلعةُ مجموعةً من السياسات الهادفة إلى إبقاء هيمنة مستوطنيها، والاستئثارِ بامتيازات الأرض والثروات والاقتصاد والقوة العسكريّة. كما سنّت عددًا من القوانين الأساسيّة، ومن ضمنها قوانينُ العودة والمواطَنة، والقانونُ الأساس الذي يعُرّف "إسرائيل" بأنّها دولةُ الشعب اليهوديّ ويَحصر حقَّ الترشّح إلى الانتخابات النيابيّة بمن يوافق على أنّ "إسرائيل" دولة الشعب اليهوديّ. (16)

 

القلعة والخارج

لكنّ هذه القلعة لا يُمكنها الاعتمادُ على إمكانيّاتها الذاتيّة فقط، عسكرًا واقتصادًا وقوانين، بل تحتاج إلى دولةٍ عظمى تواصل حمايتَها ورعايتَها بوصفها دولةً وظيفيّة. وقد ورثت الولايات المتحدة، بعد بريطانيا العظمى، هذا الدورَ. فـ"إسرائيل" دولة كولونياليّة من إرث القرن العشرين، وما تزال قائمةً لأنّها تخدم الولاياتِ المتحدة، ولأنها تلعب دورًا مهمًّا في الاقتصاد الرأسماليّ.  (17) والعلاقات الإسرائيليّة ــــ الأمريكيّة تعكس مدى الخدمات التي تقدّمها كلُّ واحدة إلى الأخرى. ولعلّ مبدأ الرئيس ريتشارد نيكسون (1969 ــــ 1974) الذي اعتبر أن "إسرائيل" حجرُ الزاوية في السياسة الأمريكيّة في المنطقة، والوكيلُ المخلص الذي يمكن الاعتماد عليه وحده في اللحظات الحرجة، (18) يلخِّص لنا هذه العلاقة.

أمّا الرئيس جورج بوش الابن فقد عبّر عن عمق هذه العلاقة في خطابه أمام الكنيست بتاريخ 15 أيار 2008 حين قال إنّ ماتسادا لن تسقط ثانيةً لأنّ الولايات المتحدة ستقف دومًا إلى جانبها. والمقصود بـ"ماتسادا" هو القلعة اليهوديّة التي حاصرتْها القواتُ الرومانيّة سنة 73 ، ما اضطرّ سكانَها إلى الانتحار جميعًا بدلًا من الاستسلام، كما تروي الرواياتُ اليهودية.

لكنّ كلام بوش الابن لا يخلو من مفارقات، أُولاها أنّ سكّان قلعة الماتسادا كانوا من اليهود المنبوذين، واللصوص، والمجرمين، الذين لا يشكّلون مفخرةً لليهود في ذلك العهد. أمّا المفارقة الأخرى فهي أنّ ماتسادا لم تسقط في معركة، بل بانتحار سكّانها. والانتحار ليس بطولةً كي تتفاخر بها قلعةُ "إسرائيل" الحاليّة. ولا ندري إنْ كان بوش قد اختار هذا المثلَ عن غباءٍ وجهل، أمْ هو نبوءةُ رئيسٍ اعتاد الهذيانَ ــ ــ فكثيرًا ما تَصْدقُ نبوءاتُ البلهاء!

 

الثقافة العسكريّة

كان الفكر الصهيونيّ مؤسَّسًا، منذ ما قبل الهجرة اليهوديّة، على معاييرَ إلهيّةٍ وتوسعيّةٍ بذريعة الحاجة الماسّة إلى توفير الأمن لأراضي الدولة العتيدة ومواطنيها. ثمّ ازداد هذا الفكرُ حضورًا منذ تأسيس الدولة عام 1948، ما أدّى إلى إلى تحوّلها إلى قلعةٍ حربيّةٍ في مختلف مرافقها الحياتيّة؛ وباتت مؤسّساتُ الحكم والخدمة والتنظيم والتعليم والرفاه وغيرها تعمل وفقًا لما تقتضيه هذه الذهنيّةُ الجمعيّةُ أو "الإيثوس" العسكريّ والأمنيّ. (19)

فمن خلال مؤسّساتٍ ذات طابع جمعيّ قوميّ، مثل الهستدروت والكيبوتس، فرَضت الدولة نظامًا تعسفيًّا يَحصر جميعَ المهاجرين اليهود ضمن ثقافة جديدة لا تعترف بالخصوصيّات الثقافيّة ولا بالتنوّع الإثنيّ أو الدينيّ. (20) وقد ارتبط مفهومُ الدولة الصهيونيّة بفكرة الدولة المسلّحة (جيش الشعب)، وبتجنيدٍ شاملٍ للموارد، وبالتعامل مع دول المحيط ومع مواقعها الإستراتيجيّة الحيويّة في وصفها أهدافًا مشروعةً للهجوم. (21)

ولأنّ المجتمع الإسرائيليّ مجتمع عسكريّ في الأساس، فقد تحدّدتْ معالمُ توجّهاته العسكريّة منذ الأيّام الأولى لإعلان الدولة. وتمّ ذلك من خلال سلسلة قوانين، أبرزُها قانونُ خدمة الأمن. وقتها، حدّد بن غوريون، وهو أولُ رئيس وزراء ووزير دفاع لـ"إسرائيل،" أربعَ مهامّ مركزيّة للجيش الإسرائيليّ: 1) تجهيزُ الشعب لحالة الطوارئ باعتباره شعبًا محاربًا. 2) منحُ الشاب المهاجر إلى "إسرائيل" تأهيلًا عسكريًّا. 3) تعميقُ القوّة الضاربة في المجنّدين الحاليّين لصدّ أيّة هجمات مفاجئة، إلى حين تجنيد الاحتياطيّ لمتابعة القتال. 4) بلورةُ شخصيّة الأمّة المتماسكة والناشدة لـ"السلام" والواثقة بقوّتها ومكانتها بين شعوب العالم، وذلك من خلال أطر الجيش. (22)

هذا التوجّه، الصادر من أعلى سلطة سياسيّة وعسكريّة في "إسرائيل" منذ بداياتها، يسود كلَّ مركّبات الدولة.  (23) ولاتزال مسألةُ الأمن القوميّ العسكريّ تشكّل موقعَ الصدارة في قائمة الأهداف الإستراتيجيّة العليا هناك، وهي موضعُ إجماع القوى السياسيّة كافّةً. وستبقى العقليّة الإسرائيليّة مرهونةً بالهاجس الأمنيّ، الذي يقوم على فرضيّة أنّ "إسرائيل" في حالة خطر كيانيّ دائم. (24)

من هنا ظهرتْ "عقيدةُ بيغن" التي تعني منعَ دول الشرق الأوسط من التسلّح بأسلحة نوويّة وامتلاك التكنولوجيا النوويّة. وكانت عمليّةُ قصف المفاعل النوويّ العراقيّ عام 1981 فاتحةً لتطبيق تلك العقيدة. ويأتي قصفُ المنشأة النوويّة السوريّة عام 2001، فضلًا عن التشدّد في منع إيران من امتلاك أسلحة أو تكنولوجيا نوويّة والتهديد بضرب مفاعلاتها، في إطار هذه العقيدة، وإطار الإصرار على احتكار السلاح النوويّ في المنطقة.  (25)

 

دور التربية

ثمّة مساهمة مهمّة في عسكرة المجتمع تقوم بها المؤسساتُ التربويّة. فهي تُبلور المضامينَ بطريقةٍ "تعقلن" خيارَ الحرب وتجعله منطقيًّا. وهي تعزِّز الروحَ القوميّةَ اليهوديّة، وتغذّي القلقَ والذعرَ من احتمال وقوع كارثة كـ"المحرقة النازيّة." (26)  

تهيّئ مراحلُ تنشئة المجتمع خلال سنوات الطفولة والبلوغ أولادَ اليهود وبناتهم في "إسرائيل" لمرحلة الحرب؛ فـ"توقُّعُ" حصول الحرب مركّبٌ مركزيّ في مجرى الحياة اليهوديّة هناك، وأحدُ مركّبات الهويّة الجماعيّة والشخصيّة. وتتغذّى التربيةُ العسكريّة بواسطة الروايات القوميّة الثابتة في مناهج التعليم، ومن أبرزها تلك التي تُقدّس القوّةَ والبطولةَ والرجولةَ وحبَّ القتال، وبواسطتها تُصوَّر الحروبُ جزءًا من عمليّة الصراع على البقاء.. (27)  

 

حقائق عسكريّة عن "إسرائيل"

يُعدّ الجيشُ الإسرائيليّ، من حيث تسليحه وقدراته، الجيشَ الرابعَ على مستوى العالم. وتُخصِّص الدولة 8 % من ناتجها القوميّ للإنفاق على ما يحتاجه من معدّاتٍ وصناعاتٍ حربيّة وتحديثٍ للآليّات والمنظومات العسكريّة. (28)

وتُعتبر الصناعاتُ الحربيّة الإسرائيليّة إحدى دعائم الاقتصاد الإسرائيليّ، إذ تشكّل صادراتُ الأسلحة أكثرَ من 25 % من إجماليّ الإنتاج. وبعد أن اعتمدتْ "إسرائيل" على التكنولوجيا الأمريكيّة بشكلٍ أساس، حصلتْ على تراخيص تصميم أحدث المعدّات والأسلحة الأمريكيّة، وأصبحتْ منتجاتُ الصناعات الحربيّة الإسرائيلية منافسًا قويًّا لمثيلاتها في الدول الكبرى مثل روسيا والصين وألمانيا وبريطانيا وفرنسا والهند. وبدخول "إسرائيل" مجالَ التصدير العسكريّ بهذا الشكل، استطاعت إصلاحَ ميزانها التجاريّ، ناهيك بتشغيل المزيد من الأيدي العاملة الإسرائيليّة وزيادة احتياطها من العملة الصعبة.(29)

ما يُميّز الصناعاتِ الحربيّة في "إسرائيل" ويجعلها إحدى أهمّ عشر دول مصدّرة للسلاح إلى العالم (بلغ حجمُ صادرات الأسلحة الإسرائيليّة 7 مليار دولار سنة 2012 (30) هو ريادتُها في تطوير الأسلحة التقليديّة، وتطعيمُها بقدراتٍ حديثة، وتحسينُ أنظمة الصواريخ والطائرات المقاتلة والدبّابات والرادارات في دولٍ كثيرة (كالهند وتركيا والصين وكندا).  (31) أمّا لماذا تطوّرتْ صناعةُ الأسلحة الإسرائيليّة فذلك يعود إلى ثلاثة عوامل: 1) التمويل الأمريكيّ لإنتاج مشترك لأسلحة متقدّمة ذات تكلفة باهظة. 2) التمويل الأمريكيّ لمشاريع بحث وتطوير مشترك. 3) السماح الأميركيّ لـ"إسرائيل" بتعديل أسلحة أمريكيّة مشتراة من طرف ثالث وتحديثها. (32) والحال أنّ الاستثمارات العسكريّة المشتركة بين "إسرائيل" والولايات المتحدة تزيد سنويًّا إلى 1.5 مليار دولار، وتستوعب مئات الآلاف من الإسرائيليين.

ويقدِّر معهدُ التصدير الإسرائيليّ أنّ "إسرائيل" تملك 350 شركة معنيّة ببيع منتجات الأمن القوميّ والحربيّ. (33) ويجري تسويقُ السلاح الإسرائيليّ في وصفه سلاحًا "مجرّبًا" في وجه "الإرهاب" الفلسطينيّ واللبنانيّ.

غير أنّ "إسرائيل" لا تكتفي بتزويد حوالي 70 جيشًا في العالم بالأسلحة. (34)  فقد عمل الكثيرُ من الإسرائيليين مرتزقةً في بعض دول العالم الثالث. وهناك أكثر من ألفيْ جنديّ إسرائيليّ في أفريقيا يعملون طيّارين ومظلّيين، وبعضُهم يعمل في شركات أمن خاصّة.

هذا وقد دعمتْ "إسرائيل" أسوأ الأنظمة الفاشيّة في العالم: كنظام بوتا العنصريّ في جنوب أفريقيا، ونظام موبوتو في زائير ومالي. كذلك دعمتْ "فرقَ الموت" في السلفادور، وحزبَ الكتائب في لبنان، والفاشيين في كولومبيا. ناهيكم بأنّها تنفّذ كلّ ما تطلبه منها الولاياتُ المتحدة الأمريكيّة في هذا المجال.(35)

 

عن العلاقة العسكريّة بين "إسرائيل" وأميركا

تتميّز العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكيّة و"إسرائيل" اليوم بوجود شراكة استراتيجيّة كاملة بينهما. وقد أقدمت الولاياتُ المتحدة على خطوات متتالية كرّست التبنّي الأمريكيّ المطلق لجميع أبعاد الاستراتيجيّة الإسرائيليّة في الصراع العربيّ ــــ الإسرائيليّ:

أولًا، ربط الجيشُ الأمريكيّ شبكةَ الدفاع الإسرائيليّ ضدّ الصواريخ بالشبكة الدوليّة للأقمار الصناعيّة الأمريكيّة.

ثانيًا، منذ مطلع الثمانينيّات عمد الجيشُ الأميركيّ إلى تخزين أسلحة أمريكيّة في "إسرائيل،" وسمح لها باستعمالها في حال نشوب حرب.

ثالثًا، سنة 2003 أصدر الكونجرس قانونًا داعمًا بشكل مطلق للتفوّق العسكريّ الإسرائيليّ إذ عرّفه بأنّه "القدرةُ على مقاومة وهزيمة أيّ تهديد عسكريّ، من أيّ دولةٍ أو مجموعة دول، أو من فاعلين لا دول لهم، وبخسائر ماديّة وبشريّة لأدنى مستوى، وذلك عبر استعمال وسائل عسكريّة متفوّقة وبكميّات كافية، تشمل قدرات الأسلحة وسيطرةَ القيادة والاتصالات والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، وأن تكون هذه القدراتُ بمواصفات تكنولوجيّة متفوّقة على إمكانيّات أيّ دولة أو مجموعة دول أو مجموعة من الفاعلين غير الدول."(36)

الجدير ذكره أنّ "إسرائيل،" علاوةً على تلقّيها مساعداتٍ ماليّةً من الولايات المتحدة منذ قيامها تقدّر بحوالي 234 مليار دولار أمريكي،(37) تُعتبر أكبرَ متلقٍّ للتمويل العسكريّ خارج أمريكا، إذ شكّلتْ مِنحُ التمويل الخارجيّ التي تحصل عليها سنويًّا بين 18 و22% من إجماليّ الميزانيّة الدفاعيّة الإسرائيليّة.(38)

بيْد أنّ "إسرائيل" لا تكتفي بتحويل نفسها إلى قلعة عسكريّة، وإنما تسعى أيضًا إلى التحوّل إلى قلعة اقتصاديّة. وهذا موضوعُ الحلقة الثالثة من هذا البحث.

 

"إسرائيل" قلعة اقتصاديّة مزدهرة

تمكّنت "إسرائيل" من بناء اقتصاد متطوّر بفعل عوامل مختلفة، أبرزُها بناءُ قاعدة ماديّة متينة، واستمرارُ تدفّق المساعدات الخارجيّة، خصوصًا من الولايات المتحدة. ومع الوقت اندمجتْ "إسرائيل" في الاقتصاد العالميّ، وبرزتْ شركاتُها في الأسواق العالميّة. وفي العام 2011 بلغ الناتجُ القوميّ الإجماليّ الإسرائيلي قرابة 242 مليار دولار، وبلغتْ صادراتُها ما يربو على 70 مليار دولار، وبلغ الدخلُ الفرديّ 31 ألف دولار (وهو ما يضاهي نظيرَه في الدول المتقدّمة). (39)

وقد أصبحتْ صناعةُ التقنيّة العالية هي عجلةَ النموّ في الاقتصاد الإسرائيليّ، وذلك لدورها الرئيس في الإنتاج والتوظيف والتصدير وجذبِ الاستثمارات الأجنبيّة. ففي سنة 2012 مثلًا، كان قطاعُ تقنية المعلومات والاتصالات يوظِّف نحو 8 % من اليد العاملة، ويشكّل ما يعادل 17 % من الناتج المحلّيّ في القطاع الخاصّ، و 30 % من حجم الصادرات الصناعيّة.(40) وهو ما مكّن "إسرائيل" من الانضمام إلى نادي الدول الغنيّة المعروفة باسم "منظمة التعاون والتنمية الاقتصاديّة."(41)

ويكن القول إنّ فروع صناعة التقنية العالية كلّها هناك، من إلكترونيّات وأدواتٍ طبّيّة وماكينات ذكيّة وإنسان آليّ وغير ذلك، قد وُلدتْ من رحم الصناعات الحربيّة، وبإشراف المؤسّسة العسكريّة، في وصفها تقنيّاتٍ جديدةً تلبّي حاجاتِ الجيش الإسرائيليّ القتاليّة. ثم جرى تكييفُ هذه التقنيات في الاستخدامات المدنيّة في القطاع الخاصّ. (42)

على أنّ خطورة موضوع التقنية العالية في "إسرائيل" لا تكمن في حقيقة هذه الصناعة فحسب، بل في الأسطورة التي نُسجتْ من حولها أيضًا. ففي الوضع الإسرائيليّ ليست صناعةُ الأساطير دليلًا على ضعفٍ بل قوة؛ ذلك لأنّها تهدف إلى تمكين القلعة من تحقيق نتائج أكبر مما تسمح به إمكانيّاتُها الذاتيّة. (43)

من أهمّ الظواهر الاقتصاديّة في "إسرائيل" في العقدين الماضيين صعودُ شركات إسرائيليّة إلى مرتبة الشركات المتعدّدة الجنسيّة ــــ أي التي أسستْ فروعًا في بلادٍ أجنبيّة، ويعمل فيها عمّالٌ من هذه البلاد، ويشارك في ملْكيّتها مستثمرو هذه البلاد. (44) كما أصبحت "إسرائيل" مركزًا لكثير من تلك الشركات العالميّة، وخصوصًا في صناعة التقنيَة العاليَة. (45)

وعلى المستوى العامّ أصبحتْ علاقاتُ "إسرائيل" بدول المركز الحاليّة، مثل أمريكا وأوروبا، علاقاتٍ ندّيّة؛ ذلك لأنّ التبادل التجاريّ معها مُماثل للتبادل القائم بين هذه المراكز. والدلائل تشير إلى أنّ "إسرائيل" ستكون قادرة على تطوير علاقاتها الاقتصاديّة بالمراكز الجديدة في آسيا بشكل يُعزّز مكانتها العالميّة.

أما على صعيد الشرق الأوسط تحديدًا، فقد حقّقتْ "إسرائيل" من الإنجازات ما قد يكرّسها مركزًا بين أطراف. فقد أقامت مع الفلسطينيين في الضفّة والقطاع، وإلى حدّ ما مع الأردن ومصر، علاقات "مركز وأطراف،" بحيث تصدّر السلعَ الصناعيّة إلى الأطراف ويستورد منها العمالةَ الرخيصة والموادَّ الخام. (46)

فإذا انتقلنا إلى مجالات متخصّصة غبر مجال التقنيات، وجدنا أنّ الزراعة، على سبيل المثال، تؤمِّن 90 % من حاجات الإسرائيليين إلى السلع الغذائيّة، وأنّ "إسرائيل" تصدّر منتوجاتها الزراعيَة (إلى أوروبا وأمريكا بشكل خاصّ) بمعدل يتجاوز ملياريْ دولار سنويًّا. وقد تمكّنت، بفضل أبحاثها العلميّة في هذا المجال، من تعظيم كمّيّات الإنتاج الزراعيّ، وتحسين نوعيّته. فقد طوّرتْ، على سبيل المثال، تقنيّات الري المقطّر ونظّمتها وفق جهاز الكمبيوتر المتقدّم. (47)

أمّا على مستوى التعليم، فتأتي "إسرائيل" في المرتبة الخامسة في العالم بعد الولايات المتحدة وكندا وألمانيا واليابان، وفي المرتبة الثالثة بالنسبة إلى تعليم الإناث تحديدًا. هذا، ويَقتطع قطاعُ التعليم أكثرَ من 7.5 % من الناتج المحلّيّ الإجماليّ، وهي من أعلى النسب في العالم.

وعلى مستوى النشاط العلميّ، جاءت "إسرائيل" في المرتبة الرابعة سنة 2015 بعد سويسرا والسويد والدنمارك. ويُعتبر هذا النشاط على مستوى العالم معادلًا نشاطَ عشرة أضعاف عدد سكّانها. (48) وحسب التقديرات فإنّ في الكيان الصهيونيّ 135 مهندسًا و140 عالمًا لكلّ 10 آلاف نسمة، وهي أعلى نسبة في العالم. (49) وتقدَّر حصّةُ البحث العلميّ من الناتج القوميّ بـ 4.8 %، وهي نسبة عالية. (50)

أمّا من حيث الرعاية الصحّيّة، فتقدّر نسبة الإنفاق على الصحّة من الناتج المحلّيّ الإجماليّ سنة 2011 بحوالي 7.7 %. (51) ويتمتّع المواطن الإسرائيليّ بشبكة ضمان اجتماعيّ شاملة مدعومة من الدولة: إذ يوجد نظامُ تأمين ضدّ البطالة، ونظامُ تقاعد، ونظامٌ خاصّ بمساعدة الأطفال، ونظامٌ لمساندة العاملين ذوي الأجور المنخفضة، (52) وذلك بهدف امتصاص الأزمات الاقتصاديّة ومنع مئات الألوف من المستوطنين من العودة إلى أوطانهم الأصليّة.

 

القلعة والسلام الإقليميّ

خاضت "إسرائيل" أكثرَ من 15 حربًا، فضلًا عن مئات الهجمات العدوانيّة على شعوب المنطقة. وفي كلّ مرّة كان تتحدّث عن "السلام" مع شعوب المنطقة. ولكنْ ما هو السلام الذي تؤمن به هذه القلعةُ العسكريّة؟ وما هو الثمن الذي تستعدّ لدفعه في سبيله؟

إنّ رؤية "إسرائيل" للسلام تستند إلى رؤية أيّ قلعة عسكريّة تؤمن بالقوّة والإخضاع. وقد حدّدتْ هذه الرؤيةَ مبكّرًا منذ ما قبل إقامة الدولة العبريّة.

فقد أصرّ بن غوريون، في خطابه إلى المجلس التنفيذيّ للوكالة اليهوديّة في يونيو 1936، على أنّ السلام مع العرب مجرّدُ وسيلةٍ للوصول إلى التحقيق الكامل والتامّ للصهيونيّة. (53) ورؤية السلام هذه هي منطقُ القلاع العسكريّة عامّةً: "السلام" هنا مجرّدُ وسيلة، أمّا الغاية فبناءُ القلعة وتعزيزُها بهدف استمرارها في الاستيلاء التدريجيّ على المنطقة. وهذه الرؤية تشبه رؤيةَ الرجل الأبيض، الذي ينادي بـ"السلام" مع السكّان الأصليين في أمريكا الشماليّة، بعد أن أبادهم واستولى على أراضيهم.

ويضيف بن غوريون "أنّ الاتفاق الشامل هو، بلا شكّ، أمرٌ مستبعَدٌ الآن. فقط بعد أنْ يدبّ اليأسُ الكامل في نفوس العرب، ذلك اليأس الذي سوف يأتي فقط من فشل الاضطرابات ومحاولة التمرّد... ومن تنامي قوّتنا في هذا البلد؛ فيمكن عندئذٍ أنْ يذعن العربُ لوجود إسرائيل اليهوديّة." (54) إذنْ، فالسلام هنا هو سلامُ الاستسلام الذي تصوّرته القلعةُ حتى قبل أن ترى النور، ويجري تشييدُها على أنقاض الشعب الفلسطينيّ، وذلك بعد قمع أيّ ثورةٍ وسحق أيّ جيشٍ يحاول المساسَ بها.

هل تغيّرتْ رؤيةُ "إسرائيل" إلى السلام منذ تصريحات بن غوريون هذه؟

لم تتغيّر قطّ منذ بدء "التسوية" مع أوسلو قبل ربع قرن. فهذا شمعون بيريز، أبرزُ الإسرائيليين المسوِّقين لمفردة "السلام،" ومهندسُ اتفاقيّات أوسلو، قد صرّح سنة 1993 "بأنّنا لا نبحث عن سلامِ رايات، بل نهتمّ بسلام الأسواق." السلام هنا يتلخّص بابتلاع "إسرائيل" لأسواق المنطقة والهيمنة عليها. وما استسلامُ الفلسطينيين سوى مدخل إلى السلام الاقتصاديّ (كما عبّر عنه نتنياهو).

ولأنّ "إسرائيل" متماهية مع الرأسماليَة العالميَة، فإنّنا نجد بيريز يُصرح سنة 1995 بأنّ "الشرق الأوسط الجديد سوف تسوده البنوكُ لا الدبّابات، والانتخاباتُ لا الرصاصات، وسوف تكون الجنرالات الوحيدة هي جنرال موتورز وجنرال أليكتريك."

فهل تحقّقت نبوءةُ بيريز للسلام؟ الحقّ أنّ المنطقة غرقتْ في بحرٍ من الدماء والحروب الأهليَة، وكان لـ"إسرائيل" والولايات المتحدة دورٌ بارزٌ فيها. وما تحقّق فعلًا هو المزيد من هيمنة الشركات على المنطقة وثرواتها وأسواقها.

عايشتْ عمليّةُ "التسوية" كلَّ أشكال الحكومات الإسرائيليّة، ولم يتحقّق السلام. ذلك لأنّ ما يحكم "إسرائيل" هو طبيعتُها المُصمَّمة كقلعةٍ عدوانيّة، لا يُمكنها أنْ تفهم السلامَ إلّا من زاوية القوّة والردع والإخضاع. وهو ما يعبِّر عنه حاليًّا رئيسُ حكومة القلعة بنيامين نتنياهو، الذي وضع رؤيته للسلام في المنطقة في كتابه المعروف مكان بين الأمم حين قال: "إنّ أيّ تسويات سلميّة منوطة بقدرة إسرائيل على ردع الطرف الثاني عن خرقها وشنّ حربٍ جديدةٍ عليها." (55) ويواصل في الكتاب ذاته قوله: "بما أنّ السلام في الشرق الأوسط يرتكز أولًا، وقبل كلّ شيء، على الأمن، فيجب أن نحدّد الحدودَ الآمنةَ لإسرائيل. ومن الواضح أنّ حدودَ ما قبل حرب الأيّام الستّة كانت حدودَ حرب، وليست حدودَ سلام."

إذن فالسؤال الذي يحتاج إلى الإجابة هو: إلى أيّ مدًى يجب توسيعُ الحدود لتحقيق الأمن المطلوب وضمان بقاء "إسرائيل"؟ (56)

الحق أنّ نتنياهو يقصد بالحدود هنا ما هو أبعد من حدود الـ1967. فالقلعة لا تكتفي بما احتلّته من أراضٍ عربيّة حتى الآن. وهو ما أكد عليه نتنياهو في الكتاب ذاته حين أضاف: "ليس المقصود إضافةَ عمق استراتيجيّ فقط وإنّما السيطرة على سلسلة جبال الضفّة ـــ الجدار الواقي للدولة ـــ من أيّ هجومٍ قادمٍ من الشرق." أيْ إنّ "إسرائيل" ليست قادرةً على التخلّي عن السيطرة العسكريّة على هذا الجدار، ولا عن هضبة الجولان التي تحمي شمالَ البلاد، من دون تعريض نفسها لخطرٍ حقيقيّ في حال نشوب حرب. لذا "لا يُمكن الحديث عن السلام والأمن الإسرائيليين، وفي نفس الوقت أطالب بانسحاب إسرائيل إلى حدودٍ غير قابلة للدفاع عنها." (57)

 

 

مأزقُ القلعة

لكنْ هل تمكّنت القلعة من التغلّب على جميع التحدّيات التي تَحُول دون بقائها؟ وهل انتهت الحروب ومظاهرُ المقاومة العربيّة والفلسطينيّة بحيث تسترخي "إسرائيل" وتعيش في حالة أمانٍ تامّ؟ وهل التحدّيات الماثلة أمام هذه القلعة خارجيّة فقط؟

تقتضي الإجابةُ عن هذه الأسئلة إجراءَ دراسات معمّقة. ولكن ما نستطيع أن نقدّمه هنا هو مجرّد إضاءات على بعض مظاهر الضعف التي تعتري هذه القلعة، بعد أن سلّطنا الضوءَ على بعض مظاهر قوّتها.

نبدأ بالتحدّيات الداخليّة. يعاني مجتمعُ القلعة تفاوتًا اجتماعيًّا واقتصاديًّا عميقًا. فقد كشفت اللجنة الإسرائيليّة لدراسة التفاوتات الاجتماعيّة والاقتصاديّة أنّ "إسرائيل" وصلتْ في تسعينيّات القرن الماضي إلى أن تكون ثاني دولة رأسماليّة بعد الولايات المتحدة من حيث تلك التفاوتات. وقد تبيّن للجنة أنّ 10 % فقط من السكّان يحوزون 70 % (أيْ 177 مليار دولار) من الثروة (التي تبلغ 253 مليار دولار)، بينما يحوز 90 % من السكان على 30 % فقط (ما يعادل 75.9 مليار دولار). (58)

كما ازدادت نسبُ الفقر والتوسّع المستمر في المداخيل بين الأغنياء والفقراء: ففي سنة 2000 كان هناك 305 آلاف عائلة فقيرة، أو حوالي مليون شخص فقير، 25 % منهم أطفال؛ أمّا في سنة 2011 فقد كان هناك 442 ألف عائلة فقيرة، أيْ حوالي 1.8 مليون شخص فقير، 36% منهم أطفال. (59)

والسؤال الجوهريّ هنا هو: لماذا توجد في "إسرائيل" مؤشِّراتُ فقر بهذه النِّسَب العالية؟

الجواب يكمن في تركّز نسبة الفقر في البطالة العالية لدى مجموعتين هناك، هما: المجموعة الدينيّة اليهوديّة الملتزمة، والعرب الفلسطينيون. وتتفاقم المشكلة لدى الرجال اليهود المتديّنين، والنساء العربيّات. (60)  فالعرب الفلسطينيون الذين يشكّلون 20% من مجموع سكّان "إسرائيل" (فلسطين المحتلّة عام 48) يملكون أقلَّ من 3.5 % من مساحة الأرض. وفي سنة 2008 كان متوسّط الدخل الشهريّ للرجل العربيّ أقلّ بنحو 42 % من متوسّط دخل الرجل اليهوديّ، أما متوسّط دخل المرأة العربيّة فأقلّ بنحو 28 % من متوسّط دخل المرأة اليهوديّة. (61)

ولم يقتصر تنامي الفقر على الطبقات الفقيرة، بل تجاوزها إلى الطبقة الوسطى التي أخذتْ تتآكل: فمثلًا، كانت نسبةُ الطبقة الوسطى سنة 2010 ما يقارب 28%، متراجعةً عن 30.8% قبل عقدين. (62)

كما أنّ ارتفاعَ رواتب بعض المدراء العامّين إلى أرقام قياسيّة يعكس مدى التفاوت في الاقتصاد الاجتماعيّ في "إسرائيل"؛ ففي سنة 2012 وصل راتبُ المدير العامّ لكلّ من الشركات الإسرائيليّة المائة الأكبر إلى نحو 376 ألف شيكل في الشهر. (63) كما انعكس التفاوتُ في الدخل على المساحة التي تشغلها كلُّ فئة؛ فالأشكنازيّ يحوز حوالي 8286 مترًا مربّعًا، والمزراحيّ نحو 4729، والعربيّ نحو 266. (64)

وإذا كان الاقتصاد من أهمّ ركائز "إسرائيل" كما رأينا، فإنّ ما وعدت به هذه القلعةُ جمهورها من رفاه كان مجرد أوهام بعد استئثار فئة محدّدة به، لتعيش بقيّةُ الفئات في أوضاع اقتصاديّة صعبة.

فماذا عن الركيزة الثانية للقلعة، وهي ركيزة الأمن؟ هل استطاعت "إسرائيل" بعد سبعين عامًا أن تحقق الأمن؟ وهل انتهت حروب "إسرائيل" في المنطقة؟ وهل تقبل شعوبُ المنطقة بقلعة "بيضاء" غريبة الشكل، ورأس حربة للأنظمة الاستعمارية؟

في ظلّ بقاء هذه القلعة على حالها، فإنّ حالة المقاومة العربيّة والفلسطينيّة ستتنامى. وسيظلّ الهاجس الأمنيّ الوجوديّ يقلق راحةَ هذه القلعة.

وكما رأينا، فقد حوّلت ظاهرةُ الخوف المستمرّ المجتمعَ الإسرائيلي، منذ بداية تكوينه، إلى مجتمع عسكريّ. (65) ولهذا خاضت "إسرائيل" حروبًا عديدةً ضد الفلسطينيين والعرب، ولكنّها لم تحصل على السلام أو الأمن، بل صارت المكان الأكثر خطورةً على اليهود. (66)

ولعلّ نتنياهو خيرُ مَن عبّر عن هذا التوجّه حين صرح بالقول: "إنّ إسرائيل، إذا هُزمتْ في ميدان المعركة، فلن تنهض بعدها أبدًا." (67) وإلى اليوم ما زال يَستخدم الهاجسَ الأمنيَّ لبثّ الخوف في أوساط سكّان القلعة من أجل ضمان استمراره في الحكم.

أمّا أبراهام بورغ فيقول: "لقد شكّلت المحرقةُ [النازيّة] الوطنَ الجديدَ لكلّ المعتقدات اليهوديّة المدنيّة (...). ويتحصّن اليهوديّ الصهيونيّ في أرض إسرائيل بوصفها الملاذ الأخير. (68) إذًا، من خلال الإبقاء على حالة الذعر القائمة، كان لا بدّ من تقديس الهولوكوست، وإلصاق صفة النازيّة بالعرب, وهو ما عبّر عنه إيلان بابيه بالقول: "لقد كانت هناك حاجة لدور مستمرّ يمكن إثارتُه بسهولة من خلال استدعاء الهولوكوست." (69)

لكنْ تبقى هذه السياسة سيفًا ذا حدّين. فقد فاقمت الهواجس الأمنيّة هجرة أعدادٍ كبيرة من سكّان القلعة إلى الخارج. ففي سنة 2000 قُدّر عددُ الإسرائيليين الذين يعيشون في الخارج ما بين 300 إلى 350 ألف إسرائيليّ. وفي العام 2001 تضاعف هذا العدد ليصل إلى حوالي 750 ألفًا. (70)

أما الهاجس الديمغرافيّ، فقد دفع القلعةَ إلى إقامة أنماط معينة من الفصل بين العرب واليهود، بل من بين مختلف الطبقات الاثنيًة اليهوديّة. وتضمن آليّاتُ الفصل رسمَ حدود الحكومة المحليَة، والمناطق التعليميَة، وتوزيع الخدمات غير المتساوية، خصوصاً في مجال التعليم والإسكان. (71) وقد عمّقتْ هذه الآليّاتُ الشروخَ القائمة أصلًا داخل مجتمع القلعة، فازدادت حدّةُ الاستقطاب بين الثنائيّات المتنافرة: العرب واليهود، والشرقيون والأشكناز، الخ. وهذه ليست تناقضاتٍ طبيعيّةً كما هو الحال في مختلف المجتمعات، وإنّما وصفات لصراعاتٍ تناحريَة، أهمها على الإطلاق الصراع ما بين العرب واليهود المهيمنين على الأرض.

يشكّل الفلسطينيون حاليًّا نحو 46 % من سكّان ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط، محصورين في جيوب متفرّقة على امتداد نحو 14% فقط من مساحة هذه المنطقة. ويشكّل الفلسطينيون العرب 12% من مواطني "إسرائيل" لكنهم يسيطرون على 3.5% من الأرض، وهم ممنوعون فعليًّا من الإقامة في نحو 80% من مساحة "إسرائيل." ويعلّق نتنياهو على هذه المعضلة بالقول: "إذا صار العرب يشكّلون 40% من السكّان [داخل 48]، فإنّ هذا سيكون نهاية الدولة." وأضاف: "لكنّ نسبة 20% هي أيضًا مشكلة. وإذا صارت العلاقة بين هؤلاء الـ 20% إشكاليّة، فإنّ للدولة الحقَّ باللجوء إلى إجراءات متطرّفة." (72)

هذا التصريح الخطير لا يمكن فهمُه إلّا في إطار استعداد القلعة لارتكاب مجازر وتطهير عرقيّ جديد وكامل في حقّ العرب كما جرى عام 1948. ذلك لأنّ مأزق "القنبلة الديمغرافيّة" يكمن في صميم رفض السماح للفلسطينيين بممارسة حقّ العودة خوفًا من تفوّق العرب على اليهود عدديًّا. وهذا الخوف يثير مشاعر قويّة لدى الإسرائيليين إلى درجة أنّه لم يعد يهمّهم أن يدين العالمُ بأسره أفعالهم. (73)

وهذا من شأنه أن يحكم على "إسرائيل" في أن تظلّ متحفّزة للحروب. ويعلق المؤرِّخ الإسرائيليّ البارز إيلان بابِه بالقول: "إنّ هذا الوضع ليس مختلفًا عن وضع الصليبيين الذين بقيتْ مملكتُهم في القدس قرنًا كاملًا تقريبًا جزيرةً منعزلةً محصّنةً، بينما هم محتمون في قلاع حصينة ضدّ الاندماج مع جيرانهم المسلمين، وأسرى واقعهم المشوَّه. ونجد مثالًا حديثًا لمثل عقليّة الحصار هذه في المستوطنين البيض في جنوب أفريقيا في أوجه فترة حكم الفصل العنصريّ، ولم يصمد طموحُ البيض إلى المحافظة على رقعة نقيّة عرقيًّا بيضاءَ مثل الصليبيين في فلسطين إلى فترة تاريخيّة وجيزة، قبل أن تنهار." (74)

ويضيف بابه أنّ "رفض حقّ العودة للاجئين الفلسطينيين يعادل تعهّدًا غير مشروط بمواصلة الدفاع عن الجيْب الأبيض وتدعيم القلعة. فإنّ التمييز العنصريّ مرغوب فيه بصورة خاصة من جانب اليهود الشرقيين الذين هم اليوم أشدّ مؤيّدي القلعة صخبًا، مع أنّ القليل منهم ــــ خصوصًا مَن تعود جذورُهم إلى دول شمال أفريقيا ـــ سيجدون أنفسَهم يعيشون حياةً مريحةً على غرار حياة نظرائهم الاشكيناز. وهم يعرفون ذلك ويدركون أنّ خيانتهم لتراثهم وثقافتهم العربيّة لم تُحصّل لهم مكافأة القبول الكامل." (75)

إنّ استمرار "إسرائيل" دولةً كولونياليّة عنصريّة في ممارستها ضدّ الشعب الفلسطينيّ يقوّض يضع علامة استفهام كبيرة حول مستقبل هذه القلعة الفاشيّة، التي تضربُ بعرضِ الحائط حياةَ شعبٍ بكامله، وتشكّل تهديدًا لشعوب المنطقة برمّتها. وهو ما يستدعي اشتدادَ حدّة المقاومة الفلسطينيّة والعربيّة ضدّ القلعة دفاعًا عن الوجود العربيّ.

وقد ظهرتْ في السنوات الأخيرة المئاتُ من المواقف داخل "القلعة" وخارجها تنادي بضرورة إنهاء الوضع القائم في "إسرائيل" وتحويلها إلى دولة ديمقراطيّة حقيقية. وحسب أحد هذه الآراء، "فإنّ مشروعات التعايش المشترك لا يمكن أن تبدأ إلّا بتفكيك الصهيونيّة السياسيّة (76)ــ ــ أيْ تفكيك "إسرائيل" بنيةً ومؤسسات. ويلي ذلك بناءُ دولة ديمقراطيّة لجميع السكّان الذين يعيشون على هذه الأرض، عربًا ويهودًا.

ولعلَّ أكثر هذه المواقف حدةً ووضوحًا قد جاءت من جانب مَن يُعرفون بـ"مؤرّخي ما بعد الصهيونيّة،" وأبرزُهم إيلان بابِه الذي ألّف سلسلةً من الكتب الناقدة للدولة الصهيونيّة وفضح جرائمَ العصابات اليهودية عام 1948 في كتابه المعروف: التطهير العرقيّ في فلسطين.

ويقدم بابِه حلًّا لمأزق القلعة حين يقول: "بما أنّ إسرائيل هي الجيْب الاستعماريّ الأوروبيّ الأخير المتبقّي في العالم العربيّ بعد انتهاء الاستعمار، فلا خيار أمامها سوى أن تتحوّل طوعًا في يومٍ ما إلى دولة مدنيّة ديمقراطيّة." (77) ويضيف: "لكنّ نافذة الفرص لن تبقى مفتوحةً إلى الأبد. وقد يكون كُتب على اسرائيل أن تبقى بلدًا مملوءًا بالغضب، وأن تظلّ أفعالها وسياساتها محكومةً بالعنصريّة والتعصّب الدينيّ، وأن يشوِّه السعيُ للمعاقبة ملامحَ الناس فيها بصورة دائمة." (78)

ويختم بابِه كتابه قائلًا: "إلى متى نستطيع أن نستمرّ في الطلب من إخواننا الفلسطينيين، ناهيك بأن نتوقّع منهم، أن يظلّوا متمسّكين معنا بالأمل، وألّا يستسلموا كلّيًّا لليأس والأسى اللذيْن استوليا عليهم يوم أقامت إسرائيلُ فوق قراهم ومُدنهم مدمّرة؟"(79)

ونحن بدورنا أردنا أن نختتم هذه الدراسة بهذه العبارة البليغة، التي جاءت على لسان أحد المؤرِّخين الإسرائيليين الشجعان، وقد تفوّق بمواقفه الأخلاقيّة والسياسيّة على كثيرين من الفلسطينيين والعرب. وهي دعوة إلى الفلسطينيين بألّا يستسلموا للقلعة، وأن يواصلوا طريقَ المقاومة والتسلّح بالأمل، لأنّ قدر القلاع أن تسقط وتتهاوى، في حين أنّ قدَرَ الشعوب هو أن تنتصر وتواصل رحلةَ الحياة مهما تعثّرت بالأشواك وتعاظمت التضحيات.

سجن ريمون، النقب، فلسطين المحتلّة

[1] - إيلان بابه، التطهير العرقيّ في فلسطين، ترجمة: أحمد خليفة (بيروت: مؤسّسة الدراسات الفلسطينيّة، ط1، 2007)، ص 282.

[2] - آفي شلايم، الجدار الحديديّ: إسرائيل والعالم العربيّ، ترجمة: ناصر عفيفي (القاهرة: مؤسّسة روزاليوسف، 2001)، ص7.

[3] - المصدر السابق، ص 13.

[4] - المصدر السابق، ص 13.

[5] - المصدر السابق، ص 15.

[6] - المصدر السابق، ص 26.

[7] - أورن يفتاحئيل، الاثنوقراطيّة: سياسات الأرض والهويّة في إسرائيل/فلسطين، ترجمة سلافة حجاوي (رام الله: مدار، ط2، 2012)، ص 261.

[8] - الجدار الحديديّ، مصدر سبق ذكره، ص 474.

[9] - بنيامين نتنياهو، مكان بين الأمم، ترجمة تحقيق: محمد عودة، كلثوم السعدي (عمّان: الأهليّة للنشر والتوزيع، ط1، 1996)، ص 368.

[10] - المصدر السابق، ص 416.

[11] - يديعوت أحرنوت، 11-1-2010.

[12] - جوني منصور وشادي نحّاس، المؤسّسة العسكريّة في إسرائيل (رام الله: مدار، ط 1، 2009)، ص 10.

[13] - التطهير العرقي، مصدر سبق ذكره، ص 283.

[14] - المصدر السابق، ص 283.

[15] - المؤسّسة العسكريّة في إسرائيل، مصدر سبق ذكره، ص 439.

[16] - الاثنوقراطية، مصدر سبق ذكره، ص120.

[17] - ايلان بابه، فكرة إسرائيل: تاريخ السلطة والمعرفة، ترجمة محمد زيدان (بيروت: المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، ط 1، 2015)، ص 480.

[18] - يوسف العاصي الطويل، البعد الدينيّ لعلاقة أمريكا باليهود و"إسرائيل" وأثرُه على القضيّة الفلسطينيّة خلال الفترة 1948 ــــ 2009 (بيروت: مكتبة حسن العصريّة، ط1، 2014)، ص 195.
 

[19] - المؤسسة العسكريّة في إسرائيل، مصدر سبق ذكره، ص 9.

[20] - أحمد رفيق عوض، دعامة عرش الرب، الأهلية للنشر والتوزيع، عمان، ط1، 2011، ص 133.

[21] - المؤسسة العسكريّة في إسرائيل، مصدر سبق ذكره، ص 248.

[22] - المؤسّسة العسكريّة في إسرائيل، مصدر سبق ذكره، ص 120.

[23] - المصدر السابق، ص 121.

[24] - المصدر السابق، ص 248.

[25] - المصدر السابق، ص 279.

[26] - المصدر السابق، ص 429.

[27] - المصدر السابق، ص 434.

[28] - ماجد كيالي، تحوّلات إسرائيل في عالم متغير (بيروت: منشورات مركز الأبحاث، م.ت.ف، بيروت، ط1، 2015)، ص25.

[29] - المصدر السابق، ص 378.

[30] - المصدر السابق، ص 98.

[31] - الاقتصاد السياسي لصناعة التقنيّة في إسرائيل، مصدر سبق ذكره، ص7.

[32] - المصدر السابق، ص 99.

[33] - نعومي كلاين، عقيدة الصدمة، ترجمة نادين فوزي (بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، ط4، 2017)، ص 573.

[34] - دعامة عرش الرب، مصدر سبق ذكره، ص 62.

[35] - المصدر السابق، ص 68.

[36] - الاقتصاد السياسيّ لصناعة التقنية في إسرائيل، مصدر سبق ذكره، ص 95.

[37] - تحوّلات " إسرائيل" في عالم متغير، مصدر سبق ذكره، ص 64.

[38] - جيرمي شارب، المساعدات الخارجيّة الأمريكيّة لإسرائيل (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة، ط1، 2012)، ص 18.

[39] - تحوّلات إسرائيل في عالم متغيّر، مصدر سبق ذكره، ص 35.

[40] - المصدر السابق، ص 105.

[41] - الاقتصاد السياسيّ لصناعة التقنيّة في إسرائيل، مصدر سبق ذكره، ص 7.

[42] - المصدر السابق، ص 106.

[43] - المصدر السابق، ص 3.

[44] - المصدر السابق، ص 172.

[45] - المصدر السابق، ص 15.

[46] - المصدر السابق، ص 68.

[47] - المصدر السابق، ص 2.

[48] - المصدر السابق، ص 79.

[49] - تحوّلات إسرائيل في عالم متغير، مصدر سبق ذكره، ص 35.

[50] - المصدر السابق، ص 36.

[51] - الاقتصاد السياسي لصناعة التقنية في إسرائيل، مصدر سبق ذكره، ص 83.

[52] - المصدر السابق، ص 81.

[53] - مصدر سبق ذكره، ص25.

[54] - المصدر السابق، ص 25.

[55] - مكان بين الأمم، مصدر سبق ذكره، ص 357.

[56] - المصدر السابق، ص359.

[57] - المصدر السابق، ص 359.

[58] - الاقتصاد السياسيّ لصناعة التقنيّة في إسرائيل، مصدر سبق ذكره، ص 164.

[59] - المصدر السابق، ص 165.

[60] - المصدر السابق، ص167.

[61] - المصدر السابق، ص193.

[62] - تقرير مدار الاستراتيجي (رام الله: مدار، ط 1، 2014)، ص 164.

[63] - المصدر السابق، ص166.

[64] - الاثنوقراطيّة، مصدر سبق ذكره، ص 180.

 

[65]المؤسسة العسكريّة في إسرائيل، مصدر سبق ذكره، ص 429.

[66] دعامة عرش الرب، مصدر سبق ذكره، ص 41.

[67]مكان بين الأمم، مصدر سبق ذكره، ص 358.

[68]ابراهام بورغ، لننتصر على هتلر، مدار رام الله، ط1، 2010، ص 319.

[69]فكرة إسرائيل، مصدر سبق ذكره، ص 231.

[70]مجلة قضايا إسرائيليّة، 2011، عددان 41-42، 2011، 85.

[71]الاثنوقراطية، مصدر سبق ذكره، ص 142.

[72]ايديعوت أحرنوت، 17-12-2003.

[73]التطهير العرقي، مصدر سبق ذكره، ص 282.
[74]المصدر السابق، ص 282.

[75]المصدر السابق، ص284.

[76]مفترق طرق، مصدر سبق ذكره، ص 14.
[77]التطهير العرقي، مصدر سبق ذكره، ص 285.

[78]المصدر السابق، ص 285.

[79]المصدر السابق، ص 285.

كميل أبو حنيش

وُلد سنة 1975 في قرية بيت دجن في فلسطين المحتلّة. نال البكالوريوس في الاقتصاد، وأصبح مسؤولًا لـ"جبهة العمل الطلّابي" ولـ"المكتب الطلّابي" في الضفّة المحتلة. اعتقله العدوّ الإسرائيليّ وسجنه عدّة مرات. كما سُجن لدى أجهزة السلطة الفلسطينيّة. وما إنْ بدأت الانتفاضةُ الثانية حتى حمل سلاحَه وتقدّم الصفوفَ الأولى، ثمّ أسّس مع رفاقه في الأرض المحتلّة "كتائب الشهيد أبي علي مصطفى" ــ ــ الذراعَ المسلّحة للجبهة الشعبيّة.
تعرّض لغيرِ محاولة اغتيال، ومن بينها استهدافُه بسيارةٍ مفخّخة بتاريخ 25/5/2001 أصيب خلالها إصابةً بالغة.
هدمتْ قواتُ الاحتلال منزلَ عائلته أثناء ملاحقته، بعد اعتقاله بتاريخ 15/4/2005.

طالبتْه "المحكمة" بدفع مبلغ 15 مليون دولار ردًّا على عمليّة مستوطنة "ايتمار" التي اتهمتْه بالتخطيط لها (نُفّذتْ في حزيران 2002 وأسفرتْ عن مصرع خمسة مستوطنين). وقد وَجّهت "المحكمةُ" الصهيونيّة إليه تهمًا أخرى، بينها تجنيدُ منفِّذ العملية الاستشهاديّة في سوق نتانيا في أيّار 2002 (أسفرتْ عن مصرع ثلاثة مستوطنين).
صدرتْ له دراسات سياسيّة واقتصاديّة وأدبيّة. كما صدرتْ له رواية بعنوان: وجع بلا قرار.