عَين
10-10-2019

 

مسح بيده البخارَ المتكثّف عن زجاج النافذة، فَلاحَ حُسام لعينيْه الزرقاوين معتليًا درّاجة ناريّة. ياااه! هل أصبحَ حُسام شابًّا يقودُ درّاجة بهذا الحجم؟

لم يكن استغرابُه طارئًا، ولا نابعًا من انقطاعه عن رؤية حُسام زمنًا طويلًا، بسبب العداوة الناشئة مع أبيه مثلًا. فَهُم، في الحقيقة، جيرانٌ قبل كلّ شيء وبعده، ولا سبيلَ إلى التخلّص من هذه السُكنى في ظلّ الظروف الحاليّة والوضع الاقتصاديّ الخانق. ولكنه ناقمٌ فقط على الأيّام التي تكرّ بسرعة، فتطوي معها عمرَه، قبل أنْ يتمكّن من ترك أثرٍ يُذكَر.

يشعر أنَّه بالأمس فقط تناول المغليّ، احتفاءً بالمولود الأوّل لصديقه، الذي صار فجأةً عدوًّا!

كبُر حُسام، وصارت له يدان موشومتان كمنقوشة زعترٍ محروقة، ودرّاجةٌ ناريّةٌ كبيرة بعادمٍ مثقوب وبلا لوحات تسجيل! ههه. وماذا سيكون غيرَ "أزعرٍ" كوالده؟ مجرّد أزعر صغير!

الصوت الداخليّ نفسه لا ينفكّ يناكفه ويقوّض سكينتَه المزعومة، وهو الآن يعايره بأنّ صديقه – عدوّه الأزعر نَجَحَ، أقلّه في إنجاب ولدٍ يخلّد اسمَه، في حين عجز هو عن ذلك، ليترسّخ إحساسُه بالفشل، ولتضافَ إلى سلسلة خيباته حلقةٌ جديدة.

وحين دوّى صوتُ الاصطدام في أذنيه، يسبقه زعيقُ الإطارات على الاسفلت المبلّل بمياه المطرة الأولى، كان قد استدار تاركًا النافذة. ولمّا أطلَّ منها مجدَّدًا كان حسام - أو جثّتُه على وجه الدقّة - ملقًى في ناحية، والدرّاجةُ في ناحية أخرى، وقد أضيفت إلى عناصر المشهد سيّارةٌ حمراءُ صغيرة، تجلس خلف مقودها فتاةٌ يكتظّ وجهُها بعلامات الصدمة والذهول.

فَرَكَ عينيْه الزرقاويْن بيديه، ثمّ فتحهما، فلم يتغيّر المشهد. من قال إنَّه فاشل في كلّ شيء؟

بيروت

مهدي زلزلي

كاتب من لبنان. له مجموعة قصصيّة بعنوان: وجهُ رجلٍ وحيد.