تاريخ الإضراب عن الطعام في سجون العدوّ الإسرائيليّ (ملفّ)
22-05-2017

 

تقديم: تحطيم غاية السجن

"أنا الأسير.. قرّرتُ الخوضَ في إضرابٍ مفتوحٍ عن الطعام، بناءً على قرارٍ داخليّ، حتى تحقيق كافّة المطالب التي تمّ تقديمُها": هذه الرسالة يرسلها كلُّ أسيرٍ إلى إدارة السجن قبل الدخول في الإضراب بيومٍ واحد. وبذلك يمتلك حقَّ تقرير مصيره، في الحياة أو الموت، ويمتلك السلطةَ اللازمةَ لذلك، بعد أن ظنّ السجّانُ أنّها ملْكُه وحده. وبذلك تتحطّم غايةُ السجن، ألا وهي: السيطرةُ على الجسد بالرقابة والضبط والنفي وهندسةِ حقّه الوجوديّ والقانونيّ والمعنويّ. فالإضراب يحطّم فكرةَ "النِكْروبولتيكس،" أيْ قدرة السلطة على منح الأجساد الحياةَ أو الموت، وهي من خواصّ السلطات الكولونياليّة الاستيطانيّة.

الإضراب المفتوح عن الطعام، أو "معركة الأمعاء الخاوية،" هو امتناعُ المعتقَل عن تناول الموادّ الغذائيّة كافّةً، باستثناء الماء والقليل من الملح.(1) وهي خطوةٌ نادرًا ما يلجأ إليها الأسرى، لما يترتّب عليها من أخطارٍ بلغتْ حدّ استشهاد عدد منهم. وهم يلوذون بها بعد نفاد الخطوات النضاليّة الأخرى جميعِها، وبعد عدم الاستجابة لمطالبهم عبر الحوار المفتوح بين إدارة السجون واللجنة النضاليّة التي تمثّلهم. لكنّ القراءة التاريخيّة للحركة الأسيرة الفلسطينيّة تشير إلى أنّ الأسرى لم يحصلوا على أيٍّ من حقوقهم الأساسيّة داخل سجون الاحتلال إلّا عبر "معركة الأمعاء الخاوية": معركة الإرادة والتصميم، معركة الحريّة أو الشهادة.

 

في تاريخ الإضراب عن الطعام

يشير التاريخُ الحديث إلى العديد من الأمثلة عن استخدام الإضراب عن الطعام وسيلةً للمقاومة، ومنها:

ــــ إضراب البريطانيّات المناديات بحقّ المرأة في الاقتراع.

ــــ الإضرابات التي قام بها الجيشُ الجمهوريّ الإيرلنديّ، ومن أبرزها: إضرابُ العام 1920 الذي استُشهد فيه تيرينس ماك سويني بعد 74 يومًا من الإضراب، وإضرابُ العام 1981 الذي استُشهد فيه بوبي ساندز بعد 66 يومًا من الإضراب مع 9 آخرين من رفاقه.(2)

ــــ إضرابات حركة التحرر الهنديّة، ومن أبرزها تلك التي قام بها مهونداس غاندي، الذي قال إنّ الإضراب عن الطعام تحت بعض الظروف اليائسة هو "السلاح الوحيد."

ــــ إضرابات نمور التاميل، ومن أبرزها إضرابُ ثيليبيين عن الطعام والماء 12 يومًا.

ــــ إضراب الطلّاب سنة 1989 في ميدان تيانامن في الصين.

ــــ الإضرابات المتعدّدة في تركيا، وأطولُها في العام 1996، حين أضرب حوالي 2000 سجين مدّة 69 يومًا، ما أدّى إلى استشهاد 12 منهم.

 

أهمّ الإضرابات التي خاضها الأسرى الفلسطينيون
خاضت الحركة الأسيرة الفلسطينيّة مجموعةً من الإضرابات قبل بروز ظاهرة التنظيمات والأطر النضاليّة داخل السجون. منها
1. إضراب سجن الرملة بتاريخ 18/2/1969، واستمرّ 11 يومًا.

2. إضراب معتقل كفاريونا، مرافقًا للإضراب السابق، واستمرّ ثمانية أيّام.
3. إضراب الأسيرات في سجن نفي ترتسا بتاريخ 28/4/1970، واستمرّ تسعة أيّام.
4. إضراب سجن عسقلان بتاريخ 5/7/1970، واستمرّ سبعة أيّام.
5. إضراب الأسرى في سجن عسقلان سنة 1971 أسبوعين متواصلين، فسُمح لهم بالعودة إلى النوم بعد عمليّة العدّ الصباحية (حتى الاستلقاء كان ممنوعًا)، وبعدم البقاء بملابس السجن الرسميّة الموحّد، وزيدتْ وجبةُ الإفطار من نصف بيضة إلى بيضة كاملة؛ كما زيدت شرحاتُ الخبز والمربّى وما شابه. وهذه الإنجازات، على قلّتها ظاهرًا، اعتبرها الأسرى كبيرةً بطريقة انتزاعها.
بعد بروز التنظيمات والأطر النضاليّة داخل السجون، نُظّمت الإضراباتُ الآتية:
6. إضراب سجن عسقلان بين 13/9/1973 و7/10/1973.
7. الإضراب المفتوح عن الطعام بتاريخ 11/12/1976، وقد انطلق من سجن عسقلان واستمرّ 45 يومًا بهدف تحسين شروط الحياة الاعتقاليّة. وحصل إضراب مفتوح آخر في المعتقل نفسه بتاريخ 24/2/1977 واستمرّ 20 يومًا.
8. إضراب معتقل نفحة بتاريخ 14/7/1980. المعلوم أنّ هذا السجن افتُتح في 1/5 من العام نفسه، وكان يتّسع لحوالي مائة أسير، وهدفتْ سلطاتُ الاحتلال من تشغيله إلى عزل الكادر التنظيميّ عن الحركة الأسيرة. وكان الأسرى البارزون في سجن نفحة قد جُمّعوا في ظروف قاسية جدًّا، من حيث الطعام الفاسد والمليء بالأتربة، وزُجّ بأعدادٍ كبيرةٍ منهم في الغرفة الواحدة، التي كانت تفتقر إلى الهواء، إذ الأبواب محكمةُ الإغلاق وفتحاتُ التهوية صغيرة. كما حُرموا القرطاسيّة، وسُمح لهم بساعة واحدة يوميًّا فقط من أجل "الفورة" في ساحة السجن. ولهذه الأسباب عزم الأسرى هناك على الإضراب عن الطعام، بعد التنسيق مع معتقلي سجنيْ عسقلان وبئر السبع.

هوجم المضربون بقسوة، لكنهم استمرّوا في الإضراب. فاستعملتْ إدارةُ السجن أسلوبَ الإطعام القسريّ وبرابيجَ بلاستيكيّةً (زوندا) تُدفع إلى معدة الأسير من خلال فتحة الأنف. إثر ذلك نُقلتْ دفعةٌ من الأسرى ممّن ساءت حالتُهم الصحّيّة إلى سجن نيتسان في الرملة، حيث تعرّضوا للتنكيل الشديد، فقضى الأسير راسم حلاوة يوم 21 تمّوز، وكاد يلحق به الأسير إسحق مراغة، لولا وجودُ المحامية ليئا تسيمل في مستشفى السجن. وقد توفّي الأسير إسحق بعد سنتين متأثّرًا بما أصابه. وقضى أيضًا خلال هذا الإضراب الأسير أنيس دولة.

بعد حوادث الوفاة التحقت السجونُ الأخرى بالإضراب، الذي تواصل 33 يومًا، وترافق مع حملة عنيفة من قبل مصلحة السجون بإشراف وزير الداخلية الإسرائيليّ آنذاك يوسف بورغ، ونُقل قسم من المضربين من سجن نفحة إلى سجن الرملة. ويُعتبر هذا الإضراب الأشرس والأكثر عنفًا.
مع تواصل الإضراب شكّل الاحتلالُ لجنة "كيت،" التي بحثتْ في ظروف الاعتقال، ولاسيّما في معتقل نفحة، فأوصت بإدخال الأسرّة، وتوسيعِ مساحات الغرف والساحات، ورفعِ الصاج عن السقف العلويّ من الباب بحيث يُستبدل بالشبك. وسارت الأمورُ في تحسّن مستمرّ: فتقلّص عددُ الأسرى في الغرف، وسُمح بإدخال الأهل لألبومات الصور والقرطاسيّة، ورُكّبت الأسرّةُ في كلّ السجون بالتدريج.
حظي هذا الإضراب بتغطية إعلاميّة واسعة، خصوصًا بعد استشهاد الأسرى؛ كما حظي بإسناد شعبيّ كبير من قِبل ذوي الأسرى ومناصريهم. وقد أحدث هذا الإضراب نقلةً نوعيّةً في شروط حياة الأسرى، وإنْ لم تكن كافية.

9. إضراب مفتوح عن الطعام في أيلول (سبتمبر) 1984 بعد افتتاح سجن جنيد في مدينة نابلس. وبعد 13 يومًا انضمّ باقي الأسرى في سجون الاحتلال. ولقد اعتُبر هذا الإضرابُ نقطةَ تحوّل استراتيجيّة في تاريخ الحركة الأسيرة، إذ قام وزيرُ الشرطة الإسرائيليّ حاييم بارليف بزيارة السجن، وجلس مع المضربين، واقتنع بضرورة تحسين شروط حياتهم، خصوصًا في القضايا التي كانت تُعتبر خطوطًا حمراء، مثل الراديو والتلفاز والملابس المدنيّة، فسَمح بها جميعًا؛ إضافةً إلى تحسين أنواع الطعام والعلاج.
بعيْد هذه الأحداث عُيّن مديرٌ جديد لمصلحة السجون الإسرائيليّة، هو رافي سويسا، الذي وافق على إدخال الشراشف والبيجامات والسمّاعات والمسجّلات وزيادة مبلغ الكانتينة المسموح به، ووافق مبدئيًّا على اقتناء جهاز تلفاز.
10. إضراب الأسيرات الفلسطينيّات بتاريخ 12/11/1984 عدة أيّام.
11. إضراب معتقلي سجن نفحة في آذار (مارس) 1985 لمدة 6 أيّام.
12. إضراب سجن جنيد بتاريخ 25/3/1987، وخاضه أكثر من 3000 أسير، وجاء بعد استلام دافيد ميمون مهمّة مديريّة السجون، إذ سحب العديدَ من الإنجازات: فمنع الأسرى من تلقّي ملابس من أهاليهم، ومن زيارات الغرف، وقلّص مدّةَ الفورات وكمّيّات الطعام. ولذلك أعلن الأسرى إضرابًا مفتوحًا عن الطعام 20 يومًا، وانضمّت سجون أخرى إليه، لكنّه انتهى من دون نتائج ملموسة.
13. بتاريخ 23/1/1988 أعلن الأسرى الإضراب عن الطعام تضامنًا وتزامنًا مع إضرابات القيادة الموحّدة للانتفاضة ضدّ الاحتلال (كانون الأول 1987).
14. إضراب سجن نفحة في 23/6/1991 في ظروف اشتداد الانتفاضة. وقد خرج شاؤول ليفي من مديريّة السجون إثر انتقادات واسعة لأسلوب عمله، نظرًا للشروط التي قدّمها إلى الأسرى. وعُيّن مكانه مدير جديد هو جابي عمير في أثناء حرب الخليج الأولى وحالة الطوارئ التي فُرضتْ على السجون. بعد الحرب رفضتْ إدارةُ السجون إعادةَ الأمور إلى ما كانت عليه، فدخل أسرى سجن نفحة في الإضراب، دون السجون الأخرى، 16 يومًا، وانتهى بمجرّد وعود لم تنفّذ إدارةُ السجون شيئًا منها. وقد اعتُبر هذا الإضراب من الإضرابات الفاشلة، ولكنه شكَّل الأرضيّة لإضراب العام 1992.
15. بعد فشل إضراب نفحة سنة 1991، بدأت السجونُ كلّها بالتحضير عامًا كاملًا لإضراب شامل. بدأ الإضراب في 25/9/1992، واستمرّ 18 يومًا في غالبيّة السجون، و19 يومًا في معتقل نفحة. تفاعل الشارعُ الفلسطينيّ مع الإضراب بصورة كبيرة، وتأجّجتْ فعّاليّاتُ الانتفاضة، ونشط الفلسطينيون داخل الخط الأخضر.
على غير العادة لم تُسحب أجهزةُ التلفاز من الأسرى، ما رفع معنويّات المضربين عند مشاهدتهم تفاعلَ الناس معهم. وقد أدّى هذا الإضراب إلى صدام بين وزير الشرطة ومدير مصلحة السجون "المتشدّد" تجاه الأسرى، غابي عمير، وانتهى بنجاح كبير، إذ تحقّق الكثير من المطالب الضروريّة، مثل: إغلاق قسم العزل في سجن الرملة، ووقف التفتيش العاري، وإعادة الزيارات إلى الأقسام، وزيادة وقت زيارة الأهل، والسماح بالزيارات الخاصّة، وإدخال بلاطات الطبخ إلى غرف المعتقلات، وشراء المعلّبات والمشروبات الغازيّة، وتوسيع قائمة المشتريات في الكانتينة.
16. إضراب معظم السجون بتاريخ 21/6/1994، إثر توقيع "اتفاقيّة غزّة ــــ أريحا أوّلًا،" احتجاجًا على آليّة تنفيذ الشقّ المتعلّق بالإفراج عن خمسة آلاف أسير فلسطينيّ حسب الاتفاقيّة. واستمرّ الإضراب ثلاثة أيّام.
17. إضراب الأسرى بتاريخ 18/6/1995 تحت شعار "إطلاق سراح جميع الأسرى والأسيرات دون استثناء." وجاء الإضراب لتحريك قضيّتهم السياسيّة قبل مفاوضات طابا، واستمرّ 18 يومًا. ومع الإعلان عن نيّة الرئيس الأمريكيّ بيل كلينتون القدومَ إلى غزّة لحضور اجتماع المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ لتغيير بعض بنود الميثاق الوطنيّ، وبهدف أن يحرّك الأسرى قضيّتَهم على المستوى الإعلاميّ، أعلنوا الإضراب. ولكن لم تحدث أيُّ نتائج عمليّة.
18. إضراب أسرى سجن عسقلان عن الطعام عام 1996 لمدّة 18 يومًا، إذ لم يتناولوا غيرَ الماء والملح. توقّف الإضراب بناءً على وعود من مديريّة السجون بتحسين الشروط الحياتيّة، وعلى رأسها إعطاء كلّ أسير فرشةَ إسفنج. ولكنّ المديريّة تنصّلتْ من وعودها، فاضطرّ الأسرى إلى الإضراب مجدّدًا، حتى رضخت المديريّة وأحضرت الفرشات وأدخلتْ بعض التحسينات الحياتيّة.
19. إضراب الأسرى عن الطعام بتاريخ 5/12/1998 إثر قيام الاحتلال بالإفراج عن 150 سجينًا جنائيًّا ضمن صفقة الإفراج عن 750 أسيرًا مع السلطة الفلسطينيّة، وفق اتفاقيّة واي ريفر، وعشيّة زيارة كلينتون إلى المنطقة. وقد تزامن ذلك مع نَصْب خيمة التضامن مع الأسرى المضربين عن الطعام أمام نصب الجنديّ المجهول في غزّة وإعلان 70 أسيرًا محرَّرًا الإضرابَ المفتوحَ عن الطعام.
20. إضراب 2/5/2000 احتجاجًا على سياسة العزل والقيود والشروط المذلّة على زيارات الأهالي. وقد استمرّ هذا الإضراب ما يقارب الشهر، ورُفع خلاله شعارُ "إطلاق سراح الأسرى" واحدًا من "استحقاقات عمليّة السلام." وقد انتفضت الجماهيرُ الفلسطينيّة تضامنًا مع الأسرى، وسقط ثمانية من الفلسطينيين في أيّام متقاربة خلال الإضراب، في مناطق قلقيلية ونابلس ورام الله والخليل. كما أضرب العشراتُ من الأسرى المحرَّرين في خيمة التضامن قرب جامعة الأزهر في غزّة.
جاء هذا الإضراب بعد عزل ثمانين أسيرًا في سجن هداريم قسم 3. وقد افتُتح هذا السجن في ظروف صعبة جدًّا، إذ حاولت الإدارة أن تفرض على الأسرى زيارةَ الأهل من وراء حواجز زجاجيّة بدلًا من الشِباك المعمول بها إلى ذلك الحين، وتراجعتْ شروطُ الحياة في بعض النواحي إذ فُرض التفتيشُ العاري من جديد على سبيل المثال.
بدأ الأسرى في هداريم بالإضراب المفتوح عن الطعام، مع تناول الحليب والسوائل. وانضمّ إليهم، بعد حوالي عشرة أيّام، معتقلو سجن نفحة، ثم سجن عسقلان وسجن شطة. كان عدد الأسرى وقتها 1500 أسير، وتمثّلتْ مطالبُهم في السماح لأهلهم بزيارتهم من خلال الشبَك، والسماح لهم بالاتصال الهاتفيّ، وبالتعلّم في الجامعات العربيّة، ووقف التفتيش العاري، وإخراج المعزولين. وقد أعلنتْ مديريّةُ السجون عن قبولها بالقضايا ذات الطابع الإنسانيّ، لا الأمنيّ. وحضر مسؤولون من جهاز الشاباك للتفاوض مع الأسرى حول هذه القضايا، واشتُرط أن يلتزم الأسرى بعدم مزاولة أيّ أعمال ذات طابع عسكريّ في الخارج.
تمّ الاتفاق على تحقيق بعض الإنجازات، مثل إخراج المعزولين فورًا، ووقف التفتيش العاري. وتمّ الوعد بحلّ مشكلة الهواتف العموميّة، والسماح للأسرى بالتعلّم في الجامعة العربيّة المفتوحة إذا أثبتوا التزامَهم بعدم القيام بأيّ نشاط عسكريّ خارج السجون. لكنْ لم يتحقّق ذلك، إذ انفجرت انتفاضةُ الأقصى بعد شهور وتنصّلت مديريّةُ السجون والشاباك من وعودها. ويعتقد البعض أنّ الإضراب فشل إذ لم تُستغلّ الفرصة لتحقيق الإنجازات المطلوبة؛ لكنّ هناك مَن يعتقد أنّ النتائج كانت ستتطوّر بصورة جيّدة لولا تفجّر انتفاضة الأقصى.
21. بتاريخ 26/6/2001 أضربت الأسيرات في سجن نيفي تريستا عن الطعام 8 أيّام متواصلة، احتجاجًا على أوضاعهنّ السيّئة. فتعرّضن لقسوة سلطات السجون خلال الإضراب.
22. إضراب 2004 في سجن هداريم: ساءت ظروفُ السجون، وهجمت المديريّة هجمةً شرسةً على الأسرى، الذين كانوا قد بدأوا يتحدثون عن الإضراب خلال العام 2003، لكنْ لم تفلح كلُّ المحاولات في جمع السجون في حركة واحدة.
في ظل حالة الضغط اللامحدودة، وبخاصّةٍ في سجن هداريم، دخل الأسرى في الإضراب المفتوح عن الطعام 12 يومًا، فحقّقوا بعض الإنجازات البسيطة، وأوقفت الموجاتُ الأخيرة من الإجراءات التي من أجلها كان الإضرابُ قد تفجّر.
23. إضراب العام 2004: بعد شهرين ونصف من إضراب الأسرى في سجن هداريم، وفي 15 آب (أغسطس) تحديدًا، بدأتْ معظمُ السجون إضرابًا مفتوحًا عن الطعام، والتحقتْ بها سجون أخرى في الثامن عشر من الشهر نفسه. بعض السجون أوقفتْ إضرابَها بعد 10 أيّام من البدء به، وهي التي دخلتْ متأخرة. أما سجون هداريم وأوهلي كيدار ونفحة فقد أوقفتْ إضرابها في اليوم الثامن عشر. وأنهى سجنُ إيشل إضرابَه في اليوم التاسع عشر.
فشل الإضراب، وحمَّلتْ غالبيّةُ الأسرى قيادةَ الإضراب مسؤوليّة ذلك. والحقيقة أنّ قيادة الأسرى لم تكن موحّدةً آنذاك. وقد حاولتْ مديريّةُ السجون تكريسَ شعور الأسرى بالفشل في حواراتها معهم، فشاع الإحباطُ في السجون؛ الأمر الذي جعل إمكانيّة العودة إلى مثل هذا الأسلوب من النضال أمرًا صعبًا.
24. بتاريخ 10/7/2006 أضرب أسرى سجن شطة 6 أيّام.

25. إضراب بدأ في 27/9/2011 واستمرّ 22 يومًا ضدّ سياسة العزل الانفراديّ.

26. إضراب فرديّ بدأ به خضر عدنان واستمر 66 يومًا، وتبعتْه هناء شلبي بإضراب استمرّ 43 يومًا، ومن ثم ثائر وبلال وغيرهم.

27. إضراب الأسرى التدريجيّ، الذي بدأ بتاريخ 17/4/2012 .

خاضت الحركة الاسيرة عددًا كبيرًا من الإضرابات الفرديّة والجزئيّة. فمثلًا تمّ توثيق 62 إضرابًا عن الطعام بين كانون الثاني 2011 و17/4/2012، من بينها 26 إضرابًا خاضها أقلُّ من عشرة أسرى. وكان توزيع الإضرابات على النحو التالي :ريمون (17)، نفحة (11)، عسقلان (13)، إيشل (12)، عوفر (8)، النقب (7) ، مجدو (6).

28. اضراب 2014.

 

تحليل وضع الحركة الاسيرة والظروف المرافقة

لم ينصّ اتفاقُ أوسلو على إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، وترك أمرَ قرابة 12 ألف أسير رهنًا بحسن نوايا مصلحة السجون، التي قسّمتهم وفق تصنيفات "أمنيّة" وجغرافيّة وسياسيّة، معتبرةً (مثلًا) أنّ أسرى مدينة القدس المحتلّة وأسرى أراضي 1948 مواطنين إسرائيليين، وتعاملتْ معهم باعتبارهم سجناءَ جنائيين يعود تقريرُ مصيرهم إلى السلطات الإسرائيليّة حصرًا.

تعرّضت السلطةُ الفلسطينيّة لانتقاد واسع واحتجاجات شعبيّة جرّاء توقيعها على اتفاقيّة أوسلو من دون الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين. وخاض الأسرى إضراباتٍ عدّة عن الطعام، مؤكّدين تمسّكَهم بحريّتهم باعتبارهم أسرى حرب ومدنيين ناضلوا ضدّ الاحتلال.

أفرجتْ قوّاتُ الاحتلال عن آلاف الأسرى في إطار "العمليّة السياسيّة" بعدما أُجبروا على التوقيع على تعهّدات تقضي بنبذهم لـ"الإرهاب" وتعبّر عن موافقتهم على اتفاقيّة اوسلو. وأُدرجتْ هذه الإفراجات في إطار "سياسة حسن النوايا" إزاء القيادة الفلسطينيّة التي قبلتْ توقيع اتفاق أوسلو وفق إملاءاتٍ فرضها ميزانُ القوّة المختلّ لصالح دولة الاحتلال، لا وفاءً من هذه الدولة بالتزاماتها بموجب القانون الدوليّ الإنساني كقوة احتلال، ومن دون أن يكون ذلك إشعارًا بانتهاء احتلالها للأرض الفلسطينيّة المحتلّة عام 67.

تأثّرت الحركةُ الأسيرة جرّاء انخفاض أعداد الأسرى وإطلاق سراح مجموعة كبيرة من القيادات. وبدأ يظهر انعكاسُ أزمة الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة على الحركة الأسيرة في مفاصل عدّة، أهمُّها: تفكّك الهرميّة التنظيميّة للحركة الأسيرة، وغيابُ انضباط الأسرى جرّاء تفشّي اليأس وضياع الهدف، وسيادةُ الفرديّة والعفويّة والبحث عن الامتيازات الشخصيّة.

وعقب إعادة قوّات الاحتلال انتشارَها في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة عام 67، وتشكّل السلطة الفلسطينيّة سنة 1994، أغلقتْ قواتُ الاحتلال المعتقلاتِ هناك، وشرعتْ في عمليّة واسعة لنقل المعتقلين وتوزيعهم على سجون داخل حدود 48، في مخالفةٍ جسيمةٍ لمنطوق المادّة 67 من اتفاقيّة جنيف الرابعة، التي تنصّ على وجوب احتجاز الأشخاص المحميّين المتَّهمين في داخل البلد المحتلّ. وكان من شأن هذا القرار نقلُ مسؤوليّة احتجاز الأسرى الفلسطينيين من القيادة العسكريّة التي تدير الاحتلالَ في أراضي 67 إلى وزارة الأمن الداخليّ ومصلحةِ سجونها داخل فلسطين 48، لتدشَّن مرحلةٌ جديدة، سمتُها الأبرزُ معاملةُ الأسرى وفق لوائح مصلحة السجون الإسرائيليّة الخاصة بالمعتقلين "الأمنيين." وقد أحدث هذا الأمرُ تدهورًا في أوضاع الأسرى والمعتقلين، الذين باتوا عرضةً للعقوبات الفرديّة والجماعيّة بحجّة مخالفة تلك اللوائح، وفي مقدّمتها: العزل، والحرمان من الزيارات العائليّة ومن التبضع من الكنتين، والغرامات الماليّة الباهظة.

ومع اندلاع الانتفاضة الثانية في أيلول 2000، وقد جاءت بعد إضراب الأسرى عن الطعام بشهور قليلة، شرع الاحتلالُ في اعتقال آلاف الشبّان العديمي الخبرة التنظيميّة والاعتقاليّة؛ ما عمّق من أزمة الحركة الأسيرة، وحدّ من قدرتها التنظيميّة والتعبويّة على التصدّي لسياسات مصلحة السجون. فاستغلّت دولةُ الاحتلال هذا التراجع لسحب إنجازات الحركة على مدار العقود الثلاثة الماضية، وهي إنجازاتٌ تكرّستْ (كما رأينا) عبر أكثر من 20 إضرابًا مفتوحًا عن الطعام، سقط فيها ستّة شهداء: أوّلُهم الأسير عبد القادر أبو الفحم في سجن عسقلان في العام 1970 بعد حقنه ببرابش الإطعام القسريّ، وتلاه راسم حلاوة وأنيس دولة وعلي الجعفري الذين استُشهدوا في إضراب نفحة سنة 1980، ومن ثم لحق بهم الأسير إسحاق مراغة جرّاء مشاركته في الإضراب نفسه، وكان آخرهم الأسير حسين عبيدات الذي استشهد في سجن عسقلان سنة 1992 خلال مشاركته في الإضراب العامّ الذي شمل كافّة السجون .

بين العامين 2000 و2004، حاولت الحركةُ الأسيرة استعادةَ عافيتها، لكنّ عمقَ الأزمة لم يسعفها. وفي العام 2004 خاضت إضرابًا مفتوحًا عن الطعام استمرّ أكثر من ثلاثة أسابيع، غير أنّه توقّف من دون أن يحقّق أهدافه.

وبدأتْ مرحلة جديدة في تاريخ الحركة الأسيرة، تميّزتْ بغطرسة مصلحة السجون، وفرضِها سياساتٍ جديدةً، وفي مقدّمتها التنصّلُ من التزاماتها القانونيّة والمعيشيّة "كقوةٍ حاجزة" للأسرى، فاتحةً البابَ على خوصصة السجون بشكل غير مباشر، ملقيةً بمسؤوليّاتها على كاهل السلطة الفلسطينيّة وأهالي المعتقلين، في محاولةٍ لرفع تكلفة النضال الفلسطينيّ وتطويع الأسرى ودفعهم إلى التسليم بالهزيمة وإبطال مفاعيل مقاومتهم.

تزامنتْ هذه الإجراءات مع إجراءات عقابيّة جديدة، وعلى رأسها سياسةُ الغرامات الماليّة على مَن يخالفون لوائح مصلحة السجون من "السجناء الأمنيين" (أي الأسرى الفلسطينيين). كما ضاعفت مصلحة السجون من اعتماد العزل الانفراديّ، وبخاصة تجاه القادة من أجل منعهم من إعادة بناء الحركة الأسيرة. وفي غضون ذلك سحبتْ مصلحةُ السجون المطابخَ من الحركة الأسيرة، و/أو قلّصتْ بشكل حادّ من المخصّصات الشهريّة (الأسبكاه)، التي تتضمّن موادَّ تموينيّةً (كالسكّر والشاي والقهوة) وموادَّ النظافة العامّة والشخصيّة، في مسعًى مستمر لتجفيف موارد الأسرى وتحميلهم وزرَ اعتقالهم.

هزيمة داخليّة وكارثة وطنيّة

ضاعف الانقسامُ الفلسطينيّ بين حركتيْ فتح وحماس بعيْد انتخابات العام 2006 من ترهّل الحركة الأسيرة. وقامت مصلحةُ السجون باغتنام الفرصة، ففصلتْ الأسرى بعضَهم عن بعض في سجونٍ خاصّة، موجِّهةً بذلك ضربةً جدّيّةً إلى بنْية الحركة الأسيرة. وبدا واضحًا، وفق شهادات العديد من الأسرى، أنّ الحركة الأسيرة فقدتْ سيادتَها على قراراتها بعد تنامي نفوذ الأجهزة الأمنيّة التابعة للسلطة الفلسطينيّة على عناصرها المعتقلين.

وبعد أسْر المقاومة الفلسطينيّة جنديًّا من قوات الاحتلال يدعى جلعاد شاليط (26/6/2006) في قطاع غزّة، شرعتْ دولةُ الاحتلال في هجمة غير مسبوقة على الأسرى وذويهم. فحرمتْ 700 أسير من القطاع (انخفض العدد ليصل اليوم إلى 453) حقَّهم في تلقّي الزيارات العائليّة، بعد إعلان القطاع "كيانًا معاديًا تسيطر عليه منظمةٌ إرهابيّة" في منتصف العام 2007، ليرتفع عددُ الأسرى الفلسطينيين المحرومين من الزيارات العائلية إلى الثلث تقريبًا.

كما أخذتْ إدارةُ السجون تتعمّد إذلالَ أهالي الأسرى أثناء الزيارات العائليّة ــــ لمن يُسمح لهم بالزيارة أصلًا. فمارستْ سياسةَ التفتيش العاري في حقّهم، أسوةً بأبنائهم المعتقلين، معتمدةً على قوّاتٍ خاصّة (نحشون ومتسادا ودرور)، مهمّتُها السيطرةُ على الأسرى وتفتيشُ أقسامهم وغرفهم وقمعُ احتجاجاتهم، مستخدمةً أنواعًا خاصّةً من الأسلحة والذخائر تشبه تلك التي تُستخدم لقمع التظاهرات السلميّة المناهضة للجدار والاستيطان. وقد استُشهد، على أثر هذا النوع من القمع، المعتقَل محمد الأشقر في تشرين الأول/ أكتوبر 2007، في سجن النقب، قبل أسبوع واحد من موعد الإفراج عنه.

وبدا أنّ دولة الاحتلال قرّرت استخدامَ الأسرى ورقةَ ضغطٍ لمساومة الفصائل التي تحتجز جنودَ احتلالها، وذلك عبر تصعيد العقوبات الجماعيّة والفرديّة. وتداعت المؤسّسةُ البرلمانيّة والتنفيذيّة إلى سنّ قوانين من أجل تحقيق سياسات المؤسّسة السياسيّة والأمنيّة الاستخباراتيّة، وأقرّ الكنيست العديدَ من القوانين التي تحرم المعتقلين الفلسطينيين أبسطَ حقوقهم، بالتزامن مع تشديد مصلحة السجون هجمتَها على الأسرى وسلبهم بقيةَ حقوقهم كالحقّ في التعليم. وشهدتْ هذه الفترة تدهورًا دراماتيكيًّا لأحوال الأسرى المعيشيّة.

أمام هذا الواقع الجديد، وأمام تراجع قدرات الحركة الأسيرة على التعبئة من أجل العمل الجماعيّ للحفاظ على مكتسباتها التاريخيّة، لجأ الأسرى إلى تفعيل الأدوات القانونيّة الفرديّة التي تسمح بها لوائحُ السجون: كتقديم الالتماسات والشكاوى للاحتجاج على الإجراءات التعسفيّة... هذا على الرغم من إدراكهم الراسخ أنّ اللجوءَ إلى النظام القضائيّ الإسرائيليّ هو بمثابة استدراجهم إلى مربّع الترويج البائس لخطاب "الديمقراطيّة الإسرائيليّة،" وفيه تكريسٌ للحلول الفرديّة على حساب النضال الجماعيّ؛ كما أنّه لا يمكن أن يكون الأداةَ الوحيدةَ، خصوصًا أنّ المعطيات تشير إلى رفض المحاكم المركزيّة 90% من التماسات الأسرى على الرغم من استنادها إلى لوائح مصلحة السجون والقانون الإسرائيليّ نفسه.

 

استعادة السيطرة على المصير

في مطلع العام 2011، وبفعل الانتفاضات العربيّة، وردًّا على غياب استراتيجيّة فلسطينيّة واضحة لتحرير الأسرى، شرع هؤلاء في خوض إضرابات فرديّة وجماعيّة، رفضًا لسياسة العزل الانفراديّ، ومطالبين بمعاملتهم وفق اتفاقيتيْ جنيف الثالثة والرابعة. من أبرز هذه الإضرابات: إضرابُ 500 أسير من الجبهة الشعبيّة طوال 23 يومًا بين نهاية أيلول ومنتصف تشرين الأول 2011، وقد توقف مع إعلان إطلاق سراح 1027 أسيرًا وأسيرةً مقابل إطلاق سراح شاليط.

وقبل يوم واحد من موعد تنفيذ الجزء الثاني من الصفقة أعلن المعتقل خضر عدنان إضرابَه المفتوح عن الطعام بتاريخ 17/11/2011 ، واستمرّ 66 يومًا رفضًا للاعتقال الإداريّ والإذلال. وشكّل نجاحُه شرارةَ لما يشبه انتفاضةً في السجون، بعد أن قدّم الدليلَ على قدرة الشارع الفلسطينيّ على إسناد إضراب الأسرى.

وبعد أن تمكّن الأسرى من إعادة ترتيب بيتهم الداخليّ، وأَسقطوا الرهانَ على المفاوضات للإفراج عنهم بل لضمان كرامتهم، وبعد أن أبقت صفقةُ التبادل 4600 فلسطينيّ في الأسْر، ولم تنجح في إنهاء عزل 19 أسيرًا من قادة الحركة، بات واضحًا أنّ ساعة الصفر قد دقّت لمعركة جديدة فاصلة بين الأسرى ومصلحة السجون، التي بدأتْ تتراجع أمام استنهاض الحركة الأسيرة لنفسها وإصرارها على استعادة مكانتها مكوِّنًا أصيلًا من مكوّنات الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة.

فلسطين المحتلّة

المراجع

1) رأفت حمدونة، "الإضرابات المفتوحة عن الطعام،"

https://groups.google.com/forum/?utm_medium=email&utm_source=footer#!msg...

2) بوبي ساندز، مذكّرات من السجن، ترجمة محمد الحموي (دار طوى للدراسات والنشر، 2016).

فضلًا عن: مؤسّسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان (http://www.addameer.org/ar)، ومقابلات مع أسرى محرَّرين.

مهنّد العزّة

باحث وناشط يعمل في مؤسسة الضمير لرعاية الاسير وحقوق الانسان ــــ وحدة التوثيق والدراسات.