قصة قصيرة

    لقمان المليان هو محافظ البلدة الواقعة شماليّ خطّ الاستواء الجديد. كان اسمُه يُطابق تضاريسَ بدنه: فقد كان مُتدلّي الوجنتين، واسعَ المُقلتين، عريضَ المنكبين، كثيفَ اللحم، وافرَ الشحم، ثقيلَ العظم، طويلَ الأذنين واللسان. وُهِبَ سحرُ البيان، لا...
  قذفه الباصُ تحت جسر الثورة. حاول عبثًا تجاوزَ مستنقعات مياه الصرف الصحّيّ، وقِطَعِ الخضراوات المهترئة الزلِقة التي امتزجتْ بزفت الطريق. الرائحة هناك خانقة. شعر بالاسترخاء حينما أخذ الطريقَ المرصوفَ المحاذي لسور قلعة دمشق. رائحة النهر بشعة في هذا...
  كنت أشعر منذ الصباح أنّ أمرًا خطيرًا سيحدث. وأخيرًا سمعتُه يقول لزوجته: هل تسمحين بذلك حقّا؟ فأشارت برأسها موافقة، ولكنّ دموعها انهمرت بغزارة. فأسرع إلى السيّارة قبل أن يتأثّر ببكائها ويتراجع عن القرار الذي توصّل إليه بصعوبة. انطلقت السيّارة إلى...
  جلستْ على حافّة البيانو الأسود اللمّاع، وصارت قريبةً من أصابعه التي ينقر بها لحنَ الحبّ. في فستانها الأحمر اللاصق بجسدها، وضعتْ ساقًا على أختها، ومالت برأسها، فانسدل الشعرُ الحريريُّ على الفراغ، حتّى لامستْ خصلاتُه الرقيقة بعضًا من أنامله التي ما...
  تقدّمتُ بطلب توظيف لدى شركة بحريّة تمتلك أكثر من سبع عشرة سفينة تجاريّة، فحدّدوا لي مقابلة مع قبطان إحداها صباحَ الخامس من نيسان. توجّهتُ في الموعد المقرَّر إلى الرصيف البحريّ، حيث كانت السفينة راسية. سألتُ عن القبطان، فأرشدوني إلى قمرتهِ. كان...
هو وهي كان لهما اسمان، لكنّهما سقطا منهما سهوًا أو إهمالًا، أو لأنّهما يبسا كأوراق الجوز، وتهاويا إلى التراب. تجلس "هي" برفقته في الكافيتريا. كان "هو" من أفضلِ الذين التقتْهم في هذه المدينة. ودائمًا ما تنظر نحو عينيه المشرقتين، فتبتسم باحثةً...
    (1) أشعل سيجارته وبدأ يمجّها وينفث سحبَ الدخان في الهواء. كانت الليلة هادئةً على غير العادة؛  لا حركةَ في محيط البرج. فتح هاتفَه، وأرسل رسالةً عبر الواتس آب: ــــــــ مرحبًا حبيبتي. طمّنيني عنك بخير؟ ــــــــ أهلًا روحي. أنا بخير ومشتاقتلك وكنت...
   ليس غريبًا أن تتعارض أفكاري مع أفكار أبي عرب. وليس غريبًا أن يحمّلني وزرَ ما حصل ويحصل في الوطن العربيّ. ولطالما حاولتُ تفادي النقاش معه، لعلمي أنّه لا يبحث عن حلول للمشاكل بقدر تصيّد الأخطاء وإلقاء اللوم. لكنّني أجد نفسي بغتةً في نقاش تاريخيّ...
  لكلّ امرأة قصّة. ولياسمينة التي ظهرتْ أمامي من العدم قصّة. كنتُ قد خسرتُ حبيبتي قبل أسابيع قليلة من لقائي بياسمينة لأوّل مرّة. كانت اكتمالَ الأنثى البهيَّ، وكنتُ مجرّدَ حطامٍ لرجلٍ تجاوز الثلاثين. حدث ذلك حين كنتُ في المصعد الكهربائيّ لإحدى...
  في يومٍ تشرينيٍّ ملتبس، تدفَّقتْ في شراييني موجاتٌ من الهلع حين أبصرتُ عينيه المسكونتين بالرعب، ووجهَه المغمورَ بنافورةٍ من دم، وجسمَه المغطّى بمساحة واسعة من الشحوب. كان يتلمّس طريقه بين أشجار البرتقال وقد أنهكه الإعياءُ، يقتلع قدميْه من لجّة...
  تمدّدتْ على الكنبة لتأخذ قسطًا من الراحة. كانت قد أنهت جلَّ أعمالها المنزليّة اليوميّة. غسلت الصحونَ، ومسحتْ أرضيّةَ الدار، وأعادت غسلَ قمصان زوجها التي لم تنظَّفْ في الغسلة السابقة. لم يتبقّ من العمل إلّا أيسره: إعدادُ الطعام. كان طبخُها يعجب...
    لَفظني البحرُ صباحَ ذلك الأربعاء من أيلول. رفض أن يضمّني إلى محفوظاتِه، وتخلّى عنّي ثانيةً. في اللحظة التي قاربتُ فيها على فقد التوازن، بعد أن ابتلعتُ ماءً كثيرًا، انتشلني رجلٌ سمينٌ من براثن الغرق. كان يسبح بصحبة ابنه الصغير، مرتديًا سروالًا...
     ـــــــــ 1 ــــــــ   سِتارٌ يرفرف وأنا معه، وليلٌ يَشْرب الخمرَ حزنًا. كعادتي، تهترئ قدمايَ من السير في دربِ ذكرياتنا. بعدُكَ يشبه اللاجئَ الهاربَ في بحرٍ عميق: زفيرٌ، وشهيقٌ، وجسدٌ مُثقل، ورأسٌ خالَطَه ــــ من العراك مع الأمواج ــــ يأسٌ،...
  إلى روح غيفارا ــــ في رمشة عين تقلبون الأرض جحيمًا. غضبي أعورُ مثلي لا يرى إلاّ الخرابَ! امتطى حصانه ثمّ رفع رمحهُ صائحًا في وجوه أتباعه، وانطلقوا نحو الجنوب إلى جبل النار. على سفح الجبل اصطفّ عددٌ من الرجال أمام شيخ عجوز فوق كتفه اليسرى نسرٌ...
  شابّة تريد عبور شارعٍ يقع داخل حقل الرؤية لأحد قنّاصي المدينة. على الرصيف جمعٌ من الناس يخشوْن العبور. يلفّهم صمتٌ مشوبٌ بالتهامس. يقول أحدهم إنّ القنّاص قد أطلق رصاصتين حتّى هذه الساعة، من دون ضحايا؛ يبدو أنّه ليس في مزاج جيّد هذا الصباح. تنظر...