قصة قصيرة

  (1) كان سمّار يقضي وقته جالسًا في مضافة أبيه. وكان أبوه يردّد دائمًا في مجلسه المثل الشعبيّ: "إذا كبر ابنك خاويه." يردّد هذا المثلَ أمام الجميع، بل يعمل به أيضًا؛ إذ لم يشعر سمّار يومًا إلّا أنّه صديقه الحميم. حسب سمّار أنّ هذه الأخوّة ستتيح له...
  عندما قرّرتُ أنْ أصبحَ مثــقّـــفًا، بالمفهوم الذي يعني الدخول إلى دائرة الضوء، ارتكبتُ بعض الحماقات التي تصلح لتصوير فيلم قصير سينجح حتمًا في إضحاك الجمهور. وقد كتبت السيناريو بالفعل، وأنا مستعدّ لتمثيل الدور الرئيس، باعتباري البطل الذي عايش...
  ــــــــ العمر لك أستاذ، للأسف ماتت المريضة. العمليّة الجراحيّة لم تسعفها من قدرها. هكذا أخبرني البروفيسور. أحسستُ بدبيبٍ في أناملي، وبضيقٍ يكاد يكتمني. طأطأتُ رأسي. جاءني صوتُ البروفيسور من بعيد كأنّه من قاع بئر: ــــــــ تلك حال الدنيا......
  منذ بداياته الباكرة في المدرسة كان يستمع إلى الدرس بإنصات. يحفظ المقرَّر، يؤدّي الواجب، ويحصل على أعلى درجةٍ ممكنةٍ في الامتحانات. كان يحفظ ما سيردّده على زملائه من كلماتٍ لا تستعدي أحدًا ضدّه، ويحفظ ما يقوله لأساتذته ليتجنّب العقاب وليحصل على...
  السيّد زار المدينة. وزّع ابتساماتِه في وجوه الأحياء الأموات، ثمّ قتلهم، أحياهم، قتلهم... السيّد يفعل كلّ ما يريد لكي يُثبت للناس الضعفاء أنّه: السيّد. شيء واحد لم يفعله: لقد ترك الإنسَ والجنّ تعبث في المدن والناس كيفما شاءت لها المهمّاتُ...
  "كنتُ الوحيد في الحيّ الذي يُشعلُ الشموعَ على الشرفة من دون مناسبة. أرى نفسي طبيعيًّا مثلك... بل أكثر طبيعيّةً من أيّ إنسانٍ آخر." هذا ما يقوله ميشيل، الشابُّ العشرينيّ، وهو يتمشّى معي في أحد شوارع القامشلي. ندنو من المحلّ الذي استأجره في وسط...
  الرؤيا والكلام: • يا بنيّ: "حطّ اللهُ السرَّ، وأغنى المعنى." أنظر... كنتُ أنظرُ في عينيَّ كالأبله. أسحبُ جفنيَّ بقوّة. أكتبُني فوق الرصيف عبارةً وحيدةً أليمةً. رأيتُ أعمدةَ الكهرباء التي تتراصُّ في زحام صمت الليل المخيف، والشوارع الجانبيّة الخالية...
  انقدتُ طائعًا إلى رغبة كنعان في اقتناء عصافير وقفص. أوقفتُ السيّارة لصق الرصيف أمام محل طيور وحيوانات أليفة. فتح كنعان بابَ السيّارة المحاذي للرصيف، واندفع باتجاه واجهة المحلّ، وأخذ يتأمل الطيور المختلفة الألوان والأحجام. وراء الزجاج، تحت أقفاص...
  قضيتُ طفولتي في حارةٍ منسيّةٍ في قاع المدينة، قريبةٍ من شاطئ البحر. في ليالي الصيف كان يحلو لي أن أنامَ في أرض الديار، أحدّق إلى القمر الذي يتسلّل من خلال أغصان شجرة المشمش. كانت لديّ قناعةٌ مطلقة بأنّني أستطيع الوصولَ إلى القمر بقفزةٍ صغيرة،...
  ــ  الله يساعدنا عَ هَالليلة يا مَرا... قالها جدّي وهو يحاول جاهدًا إغلاقَ الباب خلفه؛ فالريح في الخارج في مهرجانٍ صاخب منذ الصباح الباكر. جحافلُ من الغيوم السود تتدافع في السماء منذرةً بطوفانٍ عظيم، ما دفع الفلّاحين إلى الخروج من أكواخهم علَّهُم...
  قال لي: "طيّبُ الأشياءِ مثلُ سيّئها حين يصيران اعتيادًا." سألتُه: "وما الضيرُ في محبّة الأشياء الطيّبة ثمّ اعتيادِها؟" لا يردّ، يكتفي بالإشارة إلى براحٍ كبير يمتدّ فضاءً، لا يحيط به سور. أمّا لماذا هذا الحديث،  فلذلك حكاية قصيرة. لي خمسة أصدقاء،...
  اسمي "زويا،" ويخطئ أساتذتي الجدد في كتابته أو قراءته فيصبح "رؤيا." يزعجني هذا الأمر، لا لأنّ اسم "رؤيا" لا يعجبني، بل لأنّه يذكّرني بفتاةٍ كانت تعضّني عندما كنتُ صغيرة، فأبكي وأتوعّدها بالانتقام، ولم أجرؤ يومًا على تنفيذ الوعد. كثيرًا ما أرى في...
  على الرصيف الغارق بأشعّة الظهيرة مشى عامر يفكّر: ماذا لو لم يقْبلْ أن يُرْجعَه؟ لكنْ، لماذا لا يقبل وأنا اشتريتُه البارحة؟ إذا رفض أن يردّ ثمنه فليعطني بثمنه قطعةً أخرى!   مرَّ بجانب شحّاذٍ يعدُّ أرباحَه. نظر إلى النقود في يديه، فعَلَت وجهَه حسرة...
  انطلق همام قبيل الفجر بنحو أربعين دقيقة إلى المقبرة، وفي قلبه نشوةٌ وغبطة. وما إنْ وصل حتّى وجد بابَها مغلقًا. التفت يمينًا ويسارًا علّه يرقب الحارس المكلّف بالباب، لكنْ من دون جدوى. سار بمحاذاة جدارها الذي لا يتجاوز ارتفاعُه المائة والسبعين...
  "ستحظى بوقتٍ ممتعٍ اليوم،" قال الرجل ذو الشارب بهدوءٍ وثقة. "لا أظنّ ذلك،" قلتُ في نفسي، "إنّ الأب الذي يجعل طفلَه المدلّل يغفو على أنغام تشايكوفسكي وبيتهوفن، ويحاول تعليمَه الشطرنجَ في سنّ الرابعة، من دون أن يكون لدى هذا الأب أيُّ ولع بكرة القدم...