أمرُّ للذكرى فأنساني
26-02-2021

 

لم أنْءَ عن حُلمي

ولم أَنسَ ارتحاليَ في أغاني الماء.

لم أخُنِ النَّبَوءةَ!

سرتُ من وَجَعٍ إلى جُرحٍ،

ومن رُؤيا إلى أُخرى،

لأعبُرَ للصَّدى

واسمي هُناك.

رأيتُ ما آثرتُ أن أنسى يمُرُّ على رؤايَ

يردُّني لطفولةٍ أولى تراوِدُني وتَنْأَى

من سماءٍ ملءُ زُرقتِها تراتيلُ الأُساةِ العابرينَ إلى مَعارِجِها البعيدةِ.. وانتحابُ الياسمين.

 

مررتُ كي أنسى،

فحَاصَرَني التذكُّرُ

واتَّكأتُ على رؤايَ وأوَّلي،

وعلى سَماءٍ راوَدَت لُغَتي وأهدَتْنِي تراتيلَ الأُساةِ وما يُسِرُّ الغيمُ من وجعٍ إلى ريحٍ تسافرُ في مداهُ

ولم أرَ الماضي سوى الغدِ في نشيدِ الحالمينَ

وفي انكسارِ المتعبينَ وفي صداهُ.

 

أمُرُّ للذكرى فأنساني،

وأعبُرُ مثلَ أغنيةٍ تجيءُ من البعيدِ للامكان.

كأنَّني حُرٌّ ومنبعثٌ من الموتِ المُراوحِ في التذكُّرِ..

دُونَما تَوقٍ إلى شيءٍ،

ولا وجعٍ يحاصرُني،

فأجهشُ بالغناء.

 

لظلِّ قافيتي أسيرُ..

لِما يقولُ البحرُ للّيلِ الملازمِ حزنَه..

ولِما تُسِرُّ فراشةٌ قطعتْ مدًى بغنائِها لِلَّيلِ بَاكِيةً:

تعِبتُ من الرَّفِيفِ،

من الترنُّمِ بالمواجِعِ في الحُقولِ،

وليس من أحدٍ هناكَ.

رأيتُ أيّامي التي عبَرتْ تجيءُ كأنّني الولدُ الذي لم تنسَهُ الذِكرَى،

تَفِرُّ مِن الغِيابِ إلى الحَقيقةِ.

سِرتُ في وجعي لبُرءٍ لا يلوحُ..

لآخَري المنشودِ في حُلمي..

لِما أسَرّ الكَمان.

كأنّما امرأةٌ هنا كانت أذابت في تورُّدِهَا انتِشاءَ الأُغنياتِ..

صهيلُها لوزٌ يناثِرُ ما يبوحُ بهِ اشتهاءٌ قاتلٌ..

وكأنّني ما مرَّ فوقَ حريرِها فأذابَها..

فبكى المساءُ وكوكبان.

 

أمُرُّ من عدمي إلى صحوِ الحقيقةِ

لا يراودُني التطلُّعُ نَحو ماضٍ ليس يُشبِهُهُ سوى ما سوف يَأتي من نهاراتٍ غدًا

أو لا يُراوِدُني الحَنينُ.

وَجَدتُ نَفسي عِندَ مِعراجِ النُّبوءةِ

ساريًا لِلَّيلِ.. أُبعَثُ من سماءٍ حاصَرَتْ وَجَعِي بما نَثَرَتْ عليَّ من القوافيَ كي تُحرِّرَني..

وكي تُلغي المزاولَ من مدايَ

فتنتصر لُغَتِي عَلى عَدَمي الضَّرير ولا تزولُ.

ومن سمائي تبتدي أُسطورتي الأُولى

كبَدءِ قصيدتي: تمضي لرؤياها، وتتركني صدًى لأنينها الأبديِّ

يذروني... ويُبقي ما أقولُ.

 

حمزة قنّاوي

شاعر وكاتب مصريّ. محاضر بجامعة الجزيرة، كليّة الإعلام، دبي. من أعماله: الأسئلة العطشى (2001)، وأكذوبة السعادة المغادرة (2003)، وأغنيات الخريف الأخيرة (2004)، وبحّار النبوءة الزرقاء (2006)، وقصائد لها (2007).وفي الرواية/سيرة ذاتيّة: المثقفون (2009)، من أوراق شاب مصري (2012).