لمديحِ ظلِّ البحرِ
13-11-2016

 

 

لمديحِ ظلِّ البحرِ يَلْزمُني:

ارتحالٌ في أغاني الماءِ

حتّى أقتفي لغةً تُشابهُه،

وأنثرَ من لآلئِها انهمارَ الضوءِ

والذهبِ المصفّى عابرًا لغتي.

ويلزمني:

مِن النسيانِ أوّلُهُ

ليهجرَني كلامُ الآخرينَ،

وأخرجَ من رؤاهم نحوَ قافيتي.

لهذا البحر ما قالت أغاني الريحِ:

"كُن حرًّا

ولا تأبهْ بقيدٍ مِلء نفسكَ،

وابدإِ السفرَ الطويلَ بلا اشتهاءٍ للوصول."

يمرّ ظلُّ البحرِ في الكلماتِ؛

تُضحي مثلَ عنقاء تغادرُ موتَها،

وتمرُّ في الرؤيا

كما أسطورةٌ سخرَتْ من الزمنِ المقيّدِ في المزاولِ والفصول

وليس من حدٍّ لرؤيايَ التي هجرَتْ لغاتِ الآخرينَ

ولا سماءَ لما أقول!

خرجتُ من نفسي إلى آخَري الملازِم،

نافيًا ظلّي لأبعدَ من وراءِ الشمسِ،

مُبتعدًا عن الصحراءِ؛

عن روحي التي تسري رؤاها للينابيعِ القصيّةِ،

للحقيقةِ لا الطلول؛

مسافرًا للريحِ...

منفيًّا من المدنِ التي كذبتْ عليَّ،

وهاربًا ممّا انتظرتُ وخانني،

ممّا خسرتُ وما حملت له رؤايَ لكي يُطهّرني

فأودعَني التحسّرَ والأفول.

               ***

على انكساراتي وقفتُ...

على سماءٍ لا تراني في معارجِها البعيدة مُفلتًا بحقيقتي.

لم أنتظرْ أحدًا سوايَ لكي أرى ما قد رآهُ

وأقتفي شبحًا يطاردُني.

لظلِّ البحر أصعدُ...

لارتقاءِ الريحِ

حتى ألتقي نفسي البعيدةَ في الغيابِ...

وراء ما تركَ انتثارُ الريح من كلماتِ مَن مرّوا على طللِ الحقيقةِ

ثمّ أنشدَ بعضُهم للظلِّ والنسيانِ:

"لا ذكرى هناك"

وقطّعوا أوتارهُم.

               ***

تمضي الحياةُ ولا ترى أحدًا من المارّين في هذا الفضاء الملحميّ؛

فلا الحقيقةُ تلتقي الذكرى،

ولا النسيانُ صوتٌ للغيابِ.

رأيتُ في صحوي أغاني الحُلم،

فاتّكأتْ جراحي فوقَ غفوتِها لأحلمَ.

من هنا مرَّ الأُساةُ،

ومن هناك بكى الشُداةُ،

ومن مرايا البحرِ تنتثرُ الرؤى شمسًا

فأبصرُ تحت وقدتِها قيامتي البعيدةَ.

               ***

هاربٌ في ظلّيَ المأسور من غدي المُلازمِ،

من تراتيلي،

ومن وجهي المشرّدِ في منافي الأرضِ،

مصطحبًا أنايَ وآخَري المنسيَّ في شبحي

الذي لم يأتِ إلّا كي يمرَّ لموتهِ؛

ومغادرًا نفسي،

وحيدًا في الجهاتِ وفي الزمان.

على أُفول الوقت أمضي

فوق ما قالت سماءٌ تستظلُّ غيومُها بخلود زرقتها لأعبُر برزخي وأمرّ.

لا عدمي المؤجّلَ ينتظرني أو وجودًا...

لا وجوهَ ولا زحامَ وآخرين.

خرجتُ من نفسي إلى نفسي...

ومن رؤيايَ نحو ولادةٍ أولى

وظلّ لا أراهُ كأنّهُ ينأى بعيدًا عن تشكُّلي الأخير.

               ***

إلى سمائيَ طرتُ منعتقًا من المعنى المراوغِ...

من تفاصيلِ المرايا والوجوهِ...

من انكساراتي.

نأيتُ عن الحياةِ لكي أراني في حقيقتها

وأعبر ما أقولُ

كأنّني حرٌّ هناك

 كأنّني حيٌّ ومنتصرٌ على عدمي

تُكلّلني الفصولُ.

مصر

حمزة قنّاوي

شاعر وكاتب مصريّ. محاضر بجامعة الجزيرة، كليّة الإعلام، دبي. من أعماله: الأسئلة العطشى (2001)، وأكذوبة السعادة المغادرة (2003)، وأغنيات الخريف الأخيرة (2004)، وبحّار النبوءة الزرقاء (2006)، وقصائد لها (2007).وفي الرواية/سيرة ذاتيّة: المثقفون (2009)، من أوراق شاب مصري (2012).