تلك الساحرة
24-04-2017

 

المرأة تتركُ ظلَّها فوق الرصيف
وتمضي؛
تتركُ ظلَّها
فوق الثلجِ القديمِ في شارعِنا؛
فوق صبْية يتراكضون ويصرخون.

تلك الساحرة
معطفُها الأسودُ يبدأ حين الليلُ ينتهي،
وتغفو النجومُ فوق التلّةِ البعيدة.
أقولُ إنّني أراها
يمرُّ القطارُ فوق نافذتي
فتأتي
كرائحةِ القرفةِ في بيوتٍ خشبيّة؛
تأتي،
تشير بإصبعِها الطويلةِ
نحو لوحةٍ عُلّقتْ على الجدار؛
نحو رجلٍ يَجمع بقايا الأشياء.
أراها
أرى الوجوهَ
والعيونَ
والكراسي المعدنيّة.
وجهٌ أعرفُهُ
يمرُّ كلَّ صباحٍ كريحٍ خفيفٍ بين الأشجار العارية.
أغمضُ عينيّ
فتتجسّدُ الأشكالُ 
وأختفي.
               ***
الطريقُ الصاعدُ إلى جُبّاتا الخشب
أدركُ أنّكِ هُنا.
لونُ السماء في الصفيح الأزرق
يقولُ إنّكِ هُنا.
فرحُ الطير وهي تتراقصُ فوق السهل
يقولُ إنّكِ هُنا.
والأرضُ العَطشى.
فُستانُكِ الصيفيُّ أفسده السّلكُ الشائكُ
وترك جُرحًا ورديًّا.
تقولين إنّ دروبَ دمشق
تبدأ من هنا،
ويبدأ معها الأبدُ
والنارُ
والخطيئةُ الأولى.
أقف في ظلِّ شجرة،
أرقبُ طيفكِ بين الأغصانِ العارية
بين صورتين بالأبيض والأسود.
يأتي الشتاءُ
وأنا هنا:
مزروعٌ قرب سياج الحقل
في الطريق الصاعد
إلى جُبّاتا الخشب.

               ***

هناك، حيث يلتقي النهرُ بسور المعتقل،
أُخلَقُ في صوت المرأة؛
في رشقات رصاصٍ ستقتُلني؛
في الجسدِ النحاسيّ يستحمُّ خجلًا في نهرٍ بارد.
أُخلَقُ في خرائبِ المكانِ شبحًا، 
فتَرتَسَمُ لي شفاهٌ وعينان وذاكرة.
سنَهرب!
يموت الرجلُ الثاني بين يديها
وفي موتِهِ تمنَحهُ
ما حجبتْ عنهُ الطبيعة؛
تغسلُهُ بدمعٍ لا يراه،
وترثيهِ كنادباتٍ من عصرٍ وسيط.
الدائرة لن تُكسَر!
لن ينجو طفلٌ أوشيخٌ من حُرّاس الأبد!
أخلُقُ الزمنَ.. يلتصقُ بي
أُحرّكهُ.. فأحرّكُ نفسي
وأغدو في الصفحات مشروعَ موتٍ جديدٍ:
موتٍ لحياةٍ جديدة.
               ***

أفكّرُ في أشياءَ غريبةٍ

المرأةُ التي تعْبر الشارعَ الآن
نامت ليلتَها أَرِقةً
لم تحضّرْ كعكةَ التفّاحِ كعادتِها
ولا استحمّت بماءٍ ساخن
نامت تتصفّح كتابًا
واستيقظتْ تحلُمُ بشمسِ الجنوب.
               ***
تعبُرُ الشارعَ وحيدةً
تبحَثُ في الوجوه عن وجهٍ غائب
عن زمنٍ غائب
ترمي يديها في معطفِها الأسود
فتُحجَبُ شمسٌ في فضاءات المدينة.
المرأة تدخُل حانةً قديمة
عينُ النادل.. ورائحة السكون.
تطلُبُ كأسًا
لا تُصغي إلى صوتِ هاتفِها
لا تلتفتُ إلى أعينٍ تطاردُ شَعرَها العطريّ.
يمرُّ بها رجلٌ .. يخطو نحو الباب
تقُولُ المرأة:
"هذا رجلٌ
نامَ ليلتَهُ أرِقًا."

كندا

وليد السابق

 مهندس وكاتب وشاعر سوري مُقيم في مونتريال. أصل العالم هي روايته الأولى.