ابنُ الشيطان الطيّب
17-02-2017

 

حين عدتُ من حربهم إلى غرفتي تاركًا قدمَيّ خلفي، كان كلُّ شيء تمامًا كما كان: سريري يلتصق بجدار الغرفة على يمين الشبّاك، وبصعوبةٍ يفسح المجالَ لكرسيٍّ صغيرٍ من خشب أسود، وخزانة، ومنضدة، ولا أحد.

لم يمضِ وقت طويل حتّى كانت قناعةٌ قديمةٌ قد حفرتْ عميقًا في شعوري: الله خرافة طيّبة، والشيطانُ عكسُها. وقرّرتُ أن أنهي وجودي في المكان الذي ليس لي مكانٌ أذهبُ إليه سواه. وعندها التقينا. "الله موجود،" قال ابنُ الشيطان، لأنّ جدَّ جدِّ جدِّ جدّه إبليس ــــ "كما تسمّونه" ــــ قد أخبره بذلك، وجدُّه لا يكذب على أبنائه. وقبل أن يغادرني، طلب منّي أن أحفظ سرَّنا: "إنْ لم تغيّر رأيك، فأرجو منك ألّا تُخبر أحدًا بأنّي أتيتُكَ، لأنّ ذلك سوف يُوقعني في مشاكل كبيرة مع كثيرين." ثمّ أكّد لي أنّه لن يأتي لزيارتي. وودّعني.

لكنّه عاد ليزورني في غرفتي. وما إنْ ظهر أمامي حتى قال يعاتبني:

ــــ ألم أطلب منك ألّا تخبر أحدًا؟! لماذا أخبرتَهم أنّني نصحتكَ بألّا تقتل نفسك؟

استغربتُ كلامَه. وأوضحتُ له أنّني لم أخبرهم. فكيف أخبرهم وأنا لم أذهب إليهم؟!

نظر إليّ بحزن. وقال:

ـــ ألم تُدرك الأمر بعد؟ من أين عادت قدماك إليكَ لتقف أمامي الآن؟

غادر من دون أن يودّعني، لكنّني لمحتُ طرف دمعة تطفر من قلبه الطيّب. لم يقل شيئًا عن عدم زيارته لي مجدّدًا. لكنّي أعتقد أنّي لن أراه مرّةً أخرى.

دمشق

حسام حميدو

كاتب من سوريا. عضو نقابة المحامين في سوريا، فرع دمشق .