قصة قصيرة

  كان عليه أن يُسرع الخطى وهو في طريقه إلى المقابلة. موعدُه عند الساعة الواحدة، وقد انطلق من بيته قبل نصف ساعة. لكنّ زحمة السّير لا تطاق، وسيّارة الرّينو 5 البيضاء لن تنقذَه في مثل هذا الموقف. جلس قبالةَ السِّكرتيرة الأنيقة، مرتديًا بذلتَه الكاكيّة...
  يستيقظ وديع عند الفجر على صراخِ امرأة، وهديرِ صوتٍ رجّاليّ، وبكاءِ طفل. يُغادر سريرَه وينظر من النافذة مُحاوِلًا معرفةَ مصدر هذه الجَلبة، لكنّه يفشل. يختفي بعد لحظاتٍ صوتُ الرجل، ويخفتُ تدريجيًّا صوتُ المرأة والطفل. يتلفّت وديع يمنةً ويسرةً، فيجد...
  مسح بيده البخارَ المتكثّف عن زجاج النافذة، فَلاحَ حُسام لعينيْه الزرقاوين معتليًا درّاجة ناريّة. ياااه! هل أصبحَ حُسام شابًّا يقودُ درّاجة بهذا الحجم؟ لم يكن استغرابُه طارئًا، ولا نابعًا من انقطاعه عن رؤية حُسام زمنًا طويلًا، بسبب العداوة الناشئة...
  مضى أسبوعٌ على زيارتي منزلَ عمّي في حمص، حيّ عكرمة القديمة، وما زالت تفاصيلُ هذه الزيارة عالقةً في ذاكرتي. يعمل عمّي عاملًا في معمل الأسمدة صباحًا، وبائعًا في متجرٍ كبيرٍ للغذائيّات عصرًا. وتعمل زوجتُه خيّاطةً في ورشةٍ قريبةٍ من المنزل. وأولادُهم...
  أكمل سليم بقيّة السهرة منزعجًا، لا يُبعد المطربةَ عن ناظريْه، وأصدقاؤه يتهامسون. أمّا عقله فكان يَعْبر به خيالاتٍ أخرى وهو يتساءل: "ماذا حلّ بفمي؟ هل فقد هذا الرّأسُ قدرةً على التحكّم في الأعضاء؟" قبيل نهاية العرض، خرج متذرّعًا بأنّه لن يجد بعد...
  عائدٌ من الحرب. جنديٌّ يحتفلُ مع رفاقه. يشربون نخبَ الانتصار في حانةٍ صغيرةٍ تقعُ خلف بعض شوارع المدينة التي تعجُّ بالمارّة، تَصلُ إليها بعد أنْ تتُوهَ في أزقّتها الملتوية. أمّا هو، فيحفظُها جيِّدًا كعدد القتلى الذين خلّفهم سلاحُه. غيرَ مبالٍ بمنْ...
  بدا الهواء ثقيلًا وكثيفًا. شعرتُ بوخز في صدري، وغصّة في حلقي. أحسستُ أنّني أختنق، وكأنّما أتنفّس ماءً لا هواءً. ثمّ انفكّتْ عقدةُ لساني، وانطلقتْ كلمة "أنا" مجلجلة وكأنّها نصّ يثبت وجودي: - سيّدتي القاضية، أنا موجودة هنا لأنّه لا يمكنني أن أكون في...
  أخذتُ فنجانَ القهوة بين أصابعي. بقيتُ أرقب خطوطَ البخار المتصاعدة على مهل، وأتأمّل الرغوةَ السابحة. رائحةٌ حميمةٌ تتشرّبُ نجومَ الليل المطلّةَ على شرفتي، وتتغلغل في وجداني. أشعلتُ سيجارةً، ورحتُ أترشّفُ قهوتي. القطرات الأخيرة العالقة بالفنجان لها...
  وقفَ وسط الراقصين بينما أخذتِ الموسيقا تعلو. استطاعت أذناه أنْ تميّزا فالس "غراموفون،" للمؤلِّف يوجين دوجا. لم يحبَّ يومًا التردُّدَ إلى الحفلات الرّاقصة، ولكنّه وجد نفسَه مشدودًا بالموسيقا التي طالما أحبّها. أخذت الأفكارُ تُقْصيه عن الناس من حوله...
  جلستْ أمّ أحمد على حافّة الحاكورة الصغيرة في بيتها. بيدها التي غطّتها بقعُ العمر البنّيّة، أمسكتْ منكوشًا صغيرًا، وراحت تضرب ضرباتٍ خفيفةً فوق التراب. بدا أنّ شيئًا ما يَعُوق طريقَ منكوشها، فاستخدمتْ إصبعَها لتحفرَ أعمق، فلامستْ شيئًا ما. سرّعتْ...
  روى تيريسياس قال: قال لي الشيخ العجوز في الحلم: لمّا صفّر الموتُ في أذني ابتسمتُ له لأغيظَه، وأشرتُ إلى جيبي بانحناءةٍ من جفني قائلًا: "عندي أمانةٌ لا بدّ لي من أن أوصلَها إلى صاحبها. قبلةٌ صغيرةٌ جدًّا، فاترة، في حجم فراشةٍ خرجتْ لتوّها من...
  لم تكن سهلةً لملمةُ تلك البقع الحمراء التي لوّثتْ حيطانَ الدكّان. فقد انعجنتْ تمامًا والتحمتْ بقِطع الطلاء المهترئة، التي كان عارف يتركها تتدلّى فوق رأسه. بدأ يومَه كما كلّ يوم: قصد الدكّانَ شبهَ زاحفٍ على قدمه القصيرة، مرتديًا بنطلونَه الجينز...
  - صحن حمّص بطحينة، حامض زيادة، وملح قليل. قبل أنْ يُلقي بعبارته إلى الرجل الأشيب البدين، كان قد نقل بصرَه بحَيْرةٍ بينه وبين الفتى النحيف الواقفِ بجانبه. فاستنتجَ سريعًا أنّ الأخير ليس سوى ابنٍ ورث - مُكرَهًا - مهنةَ الوالد، ليحافظ على اسم عائلةٍ...
  أسمعُ صوتَ دعساتٍ على الدَّرج. إنّها ليليت. أفتحُ الباب. فتغمرني موجةٌ من العطر، مع ابتسامة مشرقة كشمس الصباح. - لقد أتيتِ، أقول، فاسحًا لها المجال كي تدخُل. - أكان عندكَ شكّ في قدومي؟ تسألني، وهي تُعلّقُ جزدانَها على ظهر الكرسيّ القريب، ثم تقدّم...
  يخرج العصفورُ المأسورُ من صندوقه الخشبيّ ليغرِّدَ معلنًا وصولَ رحلة الظلام إلى منتصفها. تغلقُ كتابَ موباسان الذي أنهتْ قراءتَه للتوّ. تخلع نظّارتيْها، فتتماوج المرئيّاتُ أمام عينيها، ويغدو نظرُها أشبهَ بنظر ثملٍ يتسكّع في أزقة الليل بين الحانات....