بـعـضٌ مِـن ذاتـي
15-10-2016

 

 

قبل أيّام، فاجأتني هِـبـة عـاقـل ــــ يـمـيـن ببعض خجلٍ من النفس. فقد أعادت إليّ اثنين من كتبي: المجموعة القصصيّة خـصّـيـصًـا لـلـحـمـيـر، التي كتبها الرائع التركيّ عـزيـز نـيـسـيـن؛ ورواية الكويتيّة الجميلة لـيـلـى الـعـثـمـان، الـمـرأة والـقـطّـة.

أقول "ببعض خجل من النفس" لأنّه اتّضح لهـبـة (ولي لاحقًا) أنّ الكتابين قد استعارتهما منّي منذ نحو سبع سنوات، ولم تكتشف أنّهما كانا ما يزالان لديها إلّا قبل بضعة أيّام.

الزميلة النبيلة أعادت إليّ بعضًا من ذاتي. فكتبي بعضُها عزيزٌ عليّ إلى أبعد الحدود لأنّني، بقلم رصاصٍ على صفحاتها، أشرتُ إلى كلّ ما نال فيها استحساني، آملًا أن تتسنّى لي لاحقًا مراجعتُه، علمًا أنّ بعضِ مَن أتبادل الكتبَ معهم أكّدوا لي أنّ تلك الإشارات لا تعرقل سيرَ قراءتهم بل تجعلهم يضاعفون الانتباهَ إلى ما يطالعونه.

لكنّ أكثر ما يثير الأسى في نفسي في هذا الصدد أنّ بعض الكتب التي أعرتُها لم أجد في المعارض والمكتبات نُسخًا منها؛ كما أنّ بعضًا منها مَراجعُ قيّمة كنت قد بذلتُ جهودًا في سبيل اقتنائها. لو كَثُرَ مَن هُم كَمثلِ هـبـة الـعـاقـل، لعادت إليّ عشراتٌ من الكتب التي ضاعت لدى مستعيريها وأفتقدُها منذ أعوام.

***

من المستبعَد أن يكون أيٌّ من كتبي "الضائعة" مجهولَ الصاحب؛ فمن عادتي ألّا أكتفي بكتابة اسمي على الصفحة الأولى، بل أكتبه على الصفحة الأخيرة كذلك، وعلى صفحات أخرى داخل الكتاب (أهمّها الصفحة التي تحمل الأرقام 65 و165 و265...)، تحسُّبًا من أن يمزّق المستعير الورقة الأولى ابتغاءَ طمس اسمي.

من المؤسف أنّي كتبتُ حتّى الآن في هذا الشأن مرّاتٍ، دونما جدوى. أحدُ تلك الكتب الضائعة، عـالَـمُ صـوفـي، تناقلتْها أيادي بضعة شبّان وشابّات قبل نحو عَقد ونصف العقد، لتحضير بعض الفعّاليّات استلهامًا من أجوائه المثيرة العميقة ضمن إطارٍ عزيزٍ جمعَنا في بلدتنا، هو "نادي المحبّة" العبلّينيّ. سألتُ أكثر من شخص منهم عن مصير الكتاب، فأنكر أيٌّ منهم أنّه في حوزته.

***

ملاحظة: معظمُ ما سقتُه آنفًا كتبتُه على صفحتي على الفيسبوك. ومن المستلطَف والمستظرَف أنّ الزميلة هـبـة قد كتبَت هناك تعليقًا، ذيّلتْه بإشارةٍ ولكزةٍ إلى صديقتها سيرين ذبّاح:

"على الرغم من سعادتي المؤقّتة بضمّ هذين الكتابين إلى رفّ مكتبتي، فقد كان ينبغي أن أعيدَهما إليك فورَ عثوري عليهما ضمن فوضى أشيائي؛ إذ بتُّ أدرك معنى أن يُرَدّ إليك كتابٌ عزيز.

"لا أخفي عنك أنّ متعةَ إعارة الكتب لأولئك الذين ’يعانون‘ نهمًا قرائيًّا تكاد تتساوى مع متعة استعارتها من الذوّاقين أمثالك.

"وعلى الرغم من ظرف مقولة أحد الكتّاب: ’أحمقُ مَن يعير كتابًا وأحمقُ منه مَن يردُّه،‘ أراني أكرّر حمقي بإعارة كتبي وأنتظرُ أمانةَ الآخرين بردّها.

"لي صديقة عزيزة داومَتْ في أيّام سابقة على استعارة مجموعة من الكتب دفعةً واحدة، لتقرأها بشغف وكثير من التأمّل والتذوّق. أستغلّ مداخلتي هذه لأوقظ نهمها القرائيّ، فأدعوَها إلى غزو مكتبتي."

أكرّرُ الشكر لك، زميلتي وصديقتي هـبـة، والعتب المحِبّ على مَن لم يُعيدوا إليّ ما استعاروه. يخيَّل إليّ أنّي سأجد الطريقة المناسِبة لشكرهم حين يعيدون إليّ تلك النفائس التي أودعتُها نفْسي وأنفاسي.

عبلّين

حنّا نور الحاجّ

مدرّس للّغة العربيّة في بلدته الفلسطينيّة الجليليّة "عبلّين"، منذ العام 1988. حائز شهادة الماجستير في اللغة العربيّة وآدابها من جامعة حيفا.