قصة قصيرة
خُلقتُ شَغوفًا بالقصص والحكايات. قرأتُ ألف ليلة وليلة وأنا في عمر المراهقة. وعشتُ صراعًا (بسبب تربيتي البيتيّة) بين نفوري من المواقف الجنسيّة التي كانت تزخرُ بها، ورغبتي في الاستزادة منها. إلى أنْ انتصرتْ طبيعتي البشريّة، وصرتُ أقرأ هذه المواقفَ...
بدا له أنّ ذلك النّهار منحوس منذ طلعتْ شمسُه. زوجتُه لم تكفّ عن النَّقّ. شعر أنّه يودّ خنقَها بيديه؛ فهي تعرف أنّه لا يملك ثمنَ ما تطلبه، إذ لم تعد طلباتُها تقتصر على ما يحتاجه الأولاد. لم يخطرْ في باله يومًا أنّ الأيّام قد تُغيّرها، بعد أن كانت...
بعد نزولِ القهوة إلى المعدة، وصعودِ النيكوتين إلى الرأس، بدأ يومٌ آخر من الألم الذي يسبِّب لوليد، أحيانًا، طنينًا تحت الأذن، ومغصًا في المعدة. ربّما كان مرضَ القلب، أو أعراضَ سرطانٍ قاتل؛ هكذا كان يحدِّث نفسَه. لكنْ، مع تقدّم ساعات اليوم الطويلة،...
تلك الخطوطُ التي تفصلُ الأشياءَ؛ الخطوطُ غيرُ المرئيّة، الغامضةُ، العصيّةُ، الأبديّة: لا لستُ أراها. منذ سبع سنوات توقّفتُ عن المحاولة، محاولةِ معرفةِ الفرق بين الأشياء في هذا البيْن - بيْن: بين أن تكونَ بطلًا قوميًّا، تُرفَعُ صورُكَ على الأكفّ...
(أحداث هذه القصّة مزيج من الواقع وخيالِ الكاتب)
***
يقف والدي على سطح بيتنا الريفيّ المطلّ على البحيرة القريبة، ويَجول بنظراته فوق الهضاب والجبالِ المحيطة بها، ثم يقول بصوتٍ واهنٍ: "ما أجملَ الحياة! وما أشقاها، وما أصعبَ فراقَها!" أضعُ كفّي على...
اقتربَ منّي يحدّثني عن معلّمة اللغة الإنكليزيّة. كعادتي، أبعدتُه بلطف؛ فقد كنتُ أقرأ مقالةً مهمّة. تنحّى بهدوء، وعاد بعد ساعة ليكمل ما بدأه، لكنْ - لسوء حظه - كنتُ منهمكةً في قراءة خبر وصلني للتوّ عبر إحدى مجموعات الواتس آب. سألني بصوت متحشرج عن...
ولدتُ في بيتٍ أشبهَ بالمكتبة: الكتبُ تُغطّي مُعظمَ الجدرانِ والزوايا، والصّحفُ والمجلّاتُ موزّعةٌ بين غرف النوم والصّالون وصولًا إلى الشُّرفة والحمّام.
عُرِفَ عن والدي أنّه قارئٌ من الطراز الرفيع، لا بحكْم عمله في مجال الصِّحافة فحسب، بل لأنّه...
لم أعرفْه جيّدًا، لكنّني لم أتصالحْ مع فكرة ابتعاده. حين رحل كامل، أخفيتُ ألمًا من نوعٍ نادر: ألمَ الإصابة بحبِّ شخصٍ ميّت. لا أعرفُ لِمَ يراودُني شعور أنّه مازال في مكانٍ ما، في نِيس أو موناكو، يدخِّن سيجارَه التوسكانيلّي، ويحتسي بيرةً باردةً،...
1
كلُّ اللواتي عرفتُهنّ بعد مايا فشلنَ في أن ينزعنَ من أعماقي شعورًا يشبه الحسرةَ على فرصةٍ ضاعت ولن تعود.
هكذا حدَّثتُ نفسي، وأنا أسير متمهّلًا بين أشجار الزيتون، في الحقول التي لم يجفَّ ترابُها بعد يومين من توقّف المطر - - مع قبّعةٍ مستديرة من...
كان شعرُ ذيله مُجمَّعًا في ضفيرة، بينما لاح جلدُه شاحبَ البياض في ضوء المساء. اقترب الرجلُ منه، مُدْنيًا يدَه من فمه. قرّب الحصانُ وجهَه من الكفّ المفتوحة، ولعق طابعَ السُّكّر. داعب الرجلُ غُرّةَ الحصان بيده الطليقة، بينما وقفتُ ساكنًا أراقبُه....
بعد اللفّة السابعة في السيّارة، وكوبِ اليانسون الثاني، بدأتْ أُولى بوادر النعاس. ولأنّي صرتُ خبيرةً بجسمي المُضادِّ للنوم، فقد قُلتُ في سرّي: "سألفُّ لفّةً ثامنة، ولن أصدِّق تثاؤبي؛ فهذه مجرّدُ إشارة كاذبة!"
كان جسمي يوهمني بالنعاس. بيْد أنّي،...
في الماضي كنتُ أتذمّر كثيرًا من عملي اليوميّ في محلّ الزهور، من التاسعة صباحًا حتّى الثامنة مساءً، بفواصلَ قصيرةٍ لا تكفي إلّا لتناولِ الطعام في المنزل والعودةِ إلى العمل من جديد.
ولكنّني أصبحتُ أحبُّ كلَّ هذه المنغِّصات منذ أن قصدْتَ المحلَّ...
تعريف واعتراف
لا عائلة لي، ولا أقرباء. ولم أحظَ في طفولتي ومراهقتي بأصدقاء. عشتُ معظم سنيِّ عمري وحيدًا، لا همَّ لي سوى تأمين قوتِ يومي والعيشِ في الأحلام. كنتُ نحيلًا، ضعيفَ البنية، وفي ظهري انحناء. أقضي نهاري في التّجوال، من شارعٍ إلى شارعٍ، ومن...
وقع الرفُّ فوق الغاز ذي العيون الثلاث. اختلط السكّرُ بالدقيق والبنّ، وببقايا عصارة الحمّص المسلوق، التي اندلقتْ من الطَّنجرة بالأمس. لعن أبو شادي الساعة. وبحنقٍ حاول أن يعيد إلى المرطبانات بعضًا من المساحيق البنّيّة والبيضاء. سيكلّفه ذلك قضاءَ...
لاحت له من بعيدٍ بلونها الرماديّ الحائل. استطاع أن يراها على الرغم من قِصَرها، ووقوفِها في خفرٍ وسط العمارات الحديثة الشاهقة. غذَّ السيرَ في اتجاهها، مدفوعًا بفضولٍ جارفٍ وشوقٍ غامر. وحين اقترب أكثر اكتشف أنّها مهجورة: فحبالُ الغسيل على الشرفات...