قصة قصيرة

  رنّ هاتفي الجوّال، ورفرف اسمُ "ماما"على الشاشة كالمَلاك. توقّعتُ أن تمنحَني وابلًا من الأدعية التي تُبعد الحسد. إلّا أنّ ظنّي خاب. - حبيبتي، هل تتذكّرين انتصار؟ - كلّا. - كيف كلّا؟ هي ابنةُ أمّ حسام التي كانت تقطن في حارتنا الشاميّة. كانت تعمل في...
  سعلتُ. خرجتْ رئتي اليمنى من فمي كما يخرج جنينٌ من رحمِ أمّه. لم تكن حرارتي عاليةً، إلّا أنّني رحتُ أتعرّقُ بسبب فقداني إحدى رئتيّ. حاولتُ مرارًا ملءَ صدري بالهواء البارد، لكنّي لم أفلحْ. توقّف السائقُ حين رأى رئتي على أرضيّة الحافلة. تدافع...
  آذار "ثقي بي! إنّ مجالسةَ العجائز لونٌ من ألوان المتعة،" قال والدي مشجِّعًا ونحن نركنُ السيّارةَ قاصديْن منزلًا ريفيًّا غريبًا. عندما دخلنا المنزل، كانت جالسةً على أريكتِها. قبّلَ والدي رأسَها وأشار إليَّ قائلًا: "سلّمي على جدّتكِ يا مدى!" تقدّمتُ...
  تجثو رهينًا لشوق ٍيغرغرُ فيك وفي جنبيْكَ جذوةٌ، وفتيلٌ بين عينيك. آه لو كنتَ تحكي، لاخترقتَ أكوانًا، ولطويتَ مجرّاتٍ براحتيْك. لكنّك - صامتًا - تجثو، والفتيلُ لم يزل يتدلّى بين عينيْك. *** - ستموتين وأنتِ تقرإين هكذا. - ... - حتى ابنُ عبد الرؤوف...
  نظرت السيّدة سلوى إلى لمستها الأخيرة على الورقة التي تطبعها عبر الكمبيوتر. ابتسمتْ برضًى. عدّلتْ من وضع جاكيتتها، فزمّتها نحو كتفيها. لكنّ حجم معدتها الكبير لم يسمح لها بأن تقفل الأزرار، فاكتفت بإمساك جاكيتتها من الأسفل، وليّ رقبتها نزولًا في...
    (إلى أولئك الذين يظنّون أنّهم يعيشون الفراغ: هذه الكلمة من مخيّلة الإنسان. فالفراغ يبدأ عندما لا تكونُ موجودًا) *** تجتاحُني لحظاتُ إبداع، فأشعرُ بقشعريرة، وأرى الأحداثَ أمامي. تظنّونَها لوثةَ جنونٍ أو عظمةَ القصِّ! تقفز الفكرةُ أمامي، فأُغلقُ...
  "أعرفُ الحُبَّ من حائه إلى بائه. وأعرفُ العاشقة َمن عينيْها. فهيّا أخبريني: مَن هو سعيدُ الحظّ الذي لا يستحقّكِ؟" كلّما تذكرتُ كلماتِ جدّتي هذه، أجدُ نفسي أبتسمُ وأترّحمُ عليها. قالتها لي وأنا في الصفّ العاشرِ. في ذلك اليوم، كنتُ في رفقة صديقتي...
  يفكّر، وهو يتصفّح الألبوم، في نشر إحدى صوره الكثيرة مع علاء عبر الفايسبوك. يتخيّل احتفاءَ أصدقائه الافتراضيين، إذ يدركون مدى عمق صلته بالبطل وقِدَمِها. يقمع الفكرةَ سريعًا، خجلًا من نفسه. لم يَفتحْ ألبومَ الصور لمثل هذا الأمر، وإنّما ليتذكّر فقط....
  - كسرتِ زجاجَ النافذة مرّةً أخرى يا مجنونة! - ولو أصبتُ هدفي لكان رأسُكَ هوالمحطَّمَ الآن. اتّجه آدم إلى غرفته مُخرجًا ملابسَه من دولابه، وأصابعُه تهتزّ عصبيّةً. كان صراخُها يأتيه من الخارج: - ستتركني أنهارُ وحدي، وتغادر مرّةً أخرى أيّها النذلُ...
  كَرّر الدكتور أحمد كُلّ وصاياه دفعةً واحدة للعّم أبو غالب، وهو يودّعه أمام بوّابة المستشفى: أنّ عليه الاهتمامَ بصحّته، وألّا ينسى مواعيدَ الدواء الجديد، وإلّا فسيموتُ "حتمًا حتمًا." واكتشف الطبيبُ وجودي، فقال لي وهو يرفع شاهدَه في وجهي كَمَن...
  يدّعي بعضُ الناس امتلاكَهم قدراتٍ خاصّةً تجعلهم قادرين على قراءة أفكارِ الآخرين. "سالي" مِن هؤلاء، وقد كانت لها نجاحاتٌ لا يمكن تجاهلُها، كما حصل في إحدى المرّات حين كنّا في المقهى عند بداية تعارفنا. فقد لاحظتُ أنّها تنظر إلى عينيّ مباشرةً، ثمّ...
  وصل عزرائيل في موعده المحدّد. لم يسجَّلْ عنه يومًا أنّه تأخّر دقيقةً أو ثانيةً عن موعده. كان في كامل زينته الملكوتيّة، وفي أبهى رهبته وهيبته. لكنه لم يجد أحدًا في انتظاره. لم يعرف الملاكُ ما يعمله بجناحيْه وزينته. طاف على البيوت والشوارع، فوجدها...
  تقدّم من السيّارة أمامي ظلّان، كلاهما مُقنَّع. أمسكا السائقَ، الذي قاوم قليلًا، ثمّ أخرجاه وهو يضع يديه وراء رأسه. ارتعدتْ أوصالي. ظلّت نظراتي معلّقةً بالرّجل المطأطَأ الرّأس، الراكعِ على ركبتيْه. كانت نظّارتُه قد سقطتْ إلى منتصف أنفه، ولم يتمكّنْ...
    المؤلف: خوان خوسيه اريولا* نقلها عن الإسبانية: محمد منصور *** وصل الغريبُ إلى المحطّة المهجورة لاهثًا آخرَ أنفاسه. كانت حقيبتُه الضخمة، التي لم يتقدّمْ أحدٌ لمساعدته في حملها، ترهقه بشدّة. مسح جبينَه بمنديل. وإذ ظلّل باليد الأخرى عينيْه من...
  يضع أبو علي كأسَ العرق على الطاولة، ويبدأ بدَرج لفافة تبغٍ وهو ينظرُ إلى الأفق، متابعًا بنظراته الساهمة أضواءَ قواربِ الصيّادين المتلألئة وسط الظلام. يقول شيئًا لنوري، الجالسِ قبالته، بينما يُشعل لفافتَه، ويتفُّ جانبًا متخلّصًا من بقايا ورق...